لبنان
15 تموز 2019, 12:14

بالتّفاصيل- مراسم التّسليم والتّسلم بين مطر وعبد السّاتر

إحتفل الرّئيس الجديد لأساقفة بيروت المطران بولس عبد السّاتر، قبل ظهر الأحد، بقداس التّولية في كاتدرائيّة مار جرجس في بيروت، بمشاركة النّائب البطريركيّ المطران حنّا علوان ممثّلًا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، الرّئيس السّابق لأساقفة بيروت المطران بولس مطر، النّائب الأسقفيّ للشّؤون القانونيّة في الأبرشيّة المونسنيور إغناطيوس الأسمر والنّائب الأسقفيّ للشّؤون الرّاعويّة المونسنيور أنطوان عسّاف

 

وحضر الاحتفال السّفير البابويّ جوزف سبيتري، مطران بيروت للرّوم الكاثوليك جورج بقعوني، الأمين العامّ للمدارس الكاثوليكيّة الأب بطرس عازار، رئيس الجامعة اليسوعيّة البروفسور سليم دكّاش، رئيس جامعة الحكمة الأب خليل شلفون وعدد من الأباء العامّين ورؤساء جامعات ومدراء الهيئات التّربويّة والأكاديميّة واللّجان الرّاعويّة في الأبرشيّة واللّجان الرّاعويّة ورعايا الأبرشيّة والمجلس المارونيّ العامّ والرّابطة المارونيّة والمؤسّسة المارونيّة للانتشار، والوزير منصور بطيش ممثّلًا رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، النّائب هنري حلو ممثّلًا رئيس مجلس النّواب نبيه برّي، النّائب هنري شديد ممثّلًا رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وفاعليّات سياسيّة وعسكريّة واجتماعيّة وحشد من المؤمنين بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام".

وبدأت مراسم التّسليم والتّسلم فور دخول الأسقف الجديد والمطران مطر والكهنة.

المطران مطر

ألقى المطران مطر بداية كلمة جاء فيها: "يسعدنا يا صاحب المعالي أن تشاركوا معنا باسم فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون المحترم في هذا القدّاس الإلهيّ الذي يقيمه سيادة أخينا الحبيب رئيس أساقفة بيروت الجديد المطران بولس عبد السّاتر السّامي الاحترام، في مناسبة توليته الرّسميّة راعيًا لأبرشيّة بيروت، هذه الأبرشيّة التي تفخر بأن يكون فخامته أعزّ أبنائها. وإنّنا نسأل الله لفخامته، وسط هذه الظّروف الصّعبة التي يجتازها لبنان والمنطقة والعالم، أن يمدّه بعونه ويرعاه بعين عنايته ليقود سفينة الوطن، بأبوّته الجامعة ومحبّته الصّافية، إلى شاطئ الاستقرار والأمن والسّلام. وإنّنا نشكر من صميم القلب دولة رئيس مجلس النّواب الأستاذ نبيه برّي لتلطّفه بإرسال ممثّل عنه بشخص النّائب الأستاذ هنري حلو، ودولة رئيس مجلس الوزراء لتلطّفه بإرسال ممثّل عنه بشخص النّائب الأستاذ هنري شديد. هذا في ما قلوبنا مملوءة فرحًا لقدوم مطراننا الجديد فنهتف من أجله قائلين: "مبارك الآتي باسم الرّبّ". إنّ الرّوح القدس هو الذي دعاه واصطفاه بواسطة مجمعنا المقدّس ليرعى كنيسة الله التي في بيروت ومحيطها ويفتح أمامها سبل الخلاص.
هذه هي كنيسة المسيح، يتوالى فيها الرّعاة واحدًا بعد واحد، بالتّسلسل غير المنقطع من بطرس والإثني عشر، إلى يومنا هذا، وإلى آخر الدّهر عند رجوعه الأخير. هم يقومون بالخدمة الأسقفيّة ردحًا من الزمن، ويمارسون مهمّة التّعليم والتّقديس والتّدبير لبنيان الكنيسة وخلاص النّفوس، ويشهدون لمحبّة الرّبّ في العالم ولرحمته التي لا حدّ لها، على رجاء أن ينالوا المكافأة من ربّ المكافآت. أمّا المسيح فهو وحده باق، أمس واليوم وإلى الأبد. لهذا يقول رسول الأمم: "إذا زرع بولس في الكنيسة وإن سقى بالماء من جاء بعده، فإنّ الرّبّ هو الذي ينمي". وفي ما يعود إلى خدمتي الكهنوتيّة والأسقفيّة التي دامت أربعة وخمسين عامًا إلى الآن، فإنها كانت لي النّعمة الكبرى والنّصيب الذي لا نصيب مثله في الأرض. فمن له أن يقدّر العطيّة التي يمنحها المسيح حقّ قدرها، عندما يكلف بشرًا ضعيفًا برعاية جزء من شعبه ليقوده بنعمة الرّوح إلى المراعي الرّوحيّة الخصيبة، ويظهر معهم للنّاس رحمته ويخدم وإيّاهم المصالحة الكبرى التي أجراها بدمه على الصّليب بين الخالق والخليقة وبين الشّعوب والشعّوب حتّى أقاصي الأرض ونهاية التّاريخ؟ ولقد أعلن الإنجيل الطّاهر عن مشروع الله هذا حين قال: "إنّ مشيئة الله القائمة منذ الأزل هي في أن يجمع كلّ أبنائه المشتّتين إلى واحد. على هذه الرّوح المسيحيّة الصّافية توكّلت كنيستنا المارونيّة منذ نشأتها لترفع لواء العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين في هذا الوطن وفي كلّ الشّرق، وعلى هذه الرّوح توكّل سلفنا الصّالح الذّكر المطران يوسف الدّبس باني الحكمة ورافع هذه الكاتدرائيّة التي تظلّلنا اليوم، ليطلق روح الميثاق الوطنيّ عبر التّلاقي الحضاريّ والثّقافيّ المميّز بين مكوّنات لبنان منذ الرّبع الأخير من القرن التّاسع عشر، وعلى هذه الرّوح توكّل سلفنا الصّالح الذّكر المطران اغناطيوس مبارك بعد الحرب العالميّة الأولى ليعيد بناء ما تهدّم في أبرشيّته بشرًا وحجرًا ويصوغ من جديد مع أبنائه ومع جميع اللّبنانيّين حلم لبنان الذي ينهض كطائر الفينيق من رماده لأنّه لا يموت. كذلك أيضا ألهمنا الرّبّ بالرّوح عينه وقد أرسلنا إلى رعاية الأبرشيّة بعد انتهاء الحرب الأخيرة على أرض لبنان. فوضعنا نصب عيوننا عودة العائلة اللّبنانيّة إلى وحدتها وصفاء حياتها. وقد أقمنا لذلك جسور المحبّة بين كلّ أطياف لبنان المتواجدين على أرض الأبرشيّة. وكان لأبنائنا موقفهم الإيمانيّ الرّائع بالعزم على إعادة بناء كنائسهم وترميمها في ضيعهم كافّة ومن دون استثناء. فشيدوا ونحن إلى جانبهم خمسا وأربعين كنيسة جديدة ورمّموا أكثر من ستين كنيسة بما فيها هذه الكاتدرائيّة بالذّات التي مدّ لها يد العون نخبة من أبنائنا البررة، كافأهم الله خيرًا على سخاء قلوبهم. وفي كلّ ذلك كان رجاؤنا وطيدًا بأنّ عودة لبنان إلى أصالته تسير في الاتّجاه المرتجى للتّاريخ الإنسانيّ المبني على التّلاقي والحوار والمحبّة، على ما أكّده الإرشاد الرّسوليّ للبابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، وقد أعطانا إيّاه بعنوان: "المسيح رجاؤنا. بروحه نتجدّد ومعًا للمحبّة نشهد". وهو الذي أكّد دور لبنان في العالم مقدّمًا إيّاه كرسالة للشّرق وللغرب معًا بالحرّيّة والعيش الواحد الكريم.

ومن أجل عودة الرّعايا إلى العمل في كلّ مناطقنا كان لنا اهتمام خاصّ بالدّعوات الكهنوتيّة. ووفّقنا الله بفيض من نعمه فرسمنا للأبرشيّة أكثر من تسعين كاهنًا انضمّوا إلى العمل في حقل الرّبّ بهمّة رسوليّة كبرى. وطوّرنا خدمة الإنجيل عبر التّربية والثّقافة، إلى جانب ما عندنا من مدارس ومؤسّسات، بفعل إطلاقة جديدة لجامعة الحكمة التي بنينا لها صروحًا حديثة وعقدنا العزم على أن تكون خدمتها روحيّة وإنسانيّة قبل أن تكون علميّة بحتة أو حتّى اجتماعيّة. وبروح الجامعة هذه انطلقنا للمشاركة في الحوارات الدّينيّة في لبنان ومنطقة الشّرق وصولًا إلى العالم الغربيّ بعواصمه الكبرى، رافضين التّقوقع ومجانبة الآخر، وملتمسين الموعظة الحسنة والمحبّة الصّادقة من أجل إعادة وصل ما انقطع عبر الزّمن بين المسيحيّين والمسلمين وما بين المسيحيّين أنفسهم. إنّها من دون شكّ مهمّة صعبة، لكنّها تجلب الطّمأنينة إلى النّفوس، والفرح إلى القلوب. وإذا ما تعثّرت الأمور في هذا المجال على مستوى السّعي البشريّ، يبقى لنا على الدّوام اللّجوء إلى الصّلاة وإلى التّضرع، من أجل نجاح التّلاقي وتثبيته. وإن كانت لي من أمنية عزيزة أصوغها إلى أهل وطني وأبناء كنيستي فإنّي أقولها لهم بأن تمسكوا بالمحبّة فهي حجر الزّاوية لخلاص لبنان ولمستقبل المنطقة المحيطة بأسرها."

وإختتم: "والآن، وبعد ثلاثة وعشرين عامًا من الخدمة الأسقفيّة يريدني الرّبّ بصوت كنيستي أن أكمل الرّسالة عبر الصّلاة من أجلها ومن أجل الأبرشيّة، كما يفعل قداسة البابا بندكتس في حياته الجديدة، وأن أساهم في أيّ عمل يطلبه منّي الرّؤساء لتمجيد الله وبنيان الكنيسة.
هكذا وبالفرح العامر نستقبلك مع جميع المؤمنين يا صاحب السّيادة أسقفًا لأبرشيّتنا، وراعيًا غيورًا ومحبًّا باسم الرّبّ يسوع له المجد وله الشّكر أبد الدّهور. لقد كنت معنا كاهنًا متفانيًا بدون حدود، ومعك جميع الكهنة والرّهبان والرّاهبات العاملين فيها بروح رسوليّة مباركة. واليوم أنت الحبر المنتخب من الله لرعاية قطيعه في الأبرشيّة عينها فلك منّا كلّ المحبّة وكلّ الصّلاة لتوفق في قيادتها عبر معارج هذا الدّهر إلى اكتمال الملكوت. وأنهي كلمتي حيث أنا متيقّن من أنّك ستبدأ، في الشّكر لله على عطيّته للكنيسة عبر شخص قداسة البابا فرنسيس الذي وجّه إلى المسيحيّين بخاصّة وإلى العالم كلّه رسالة بأنّ الإنسانيّة لا تستقيم ولا التّاريخ يأخذ مجراه ومعناه إلّا بخدمة الفقراء الذين هم الحلقة الأضعف على سطح الأرض. إّنهم ميزان الدّنيا المفتداة بدم المسيح. فإذا كانوا بالحسبان اصطلحت الدّنيا وإن أسقطوا من الحساب سقطت معهم البشريّة كلّها. إنّك ستعمل بكلّ طاقتك من أجل أن يبشّر المساكين كما أرسل الرّبّ يقول للمعمدان في سجنه. فاحمل يا بولس عصا الرّعاية، إنّها لك من المسيح ونحن من أجلك هاتفون: "هلمّ بسلام أيّها الرّاعي الصّالح ولك منّا المحبّة والصّلاة ما حيينا".

الرّقيم البطريركيّ

وألقى الرّقيم البطريركيّ المطران علوان كلمة جاء فيها: "البركة الأبويّة تشمل أبناءنا وبناتنا الأعزّاء: كهنة أبرشيّة بيروت ورهبانها وراهباتها وسائر المؤمنين الأعزّاء، وجمهور المشاركين في الاحتفال بقدّاس التّولية المحترمين.
تستقبلون في هذا الأحد المبارك راعيكم الجديد، سيادة أخينا المطران بولس عبد السّاتر الذي تعاونا معه لمدّة أربع سنوات كمعاون ونائب بطريركيّ، مشرف على الشّؤون الماليّة والاقتصاديّة، فضلًا عن مهّمات كنسيّة وراعويّة أخرى. فوجدنا فيه وجه الأسقف الغيور، الرّصين، المخلص، والمحبّ. وتنطبق عليه كلمة القدّيس أغسطينوس لأبناء أبرشيّته في يوم توليته: "أنا معكم مسيحيّ ومن أجلكم أسقف".

يتسلّم عصا الرّعاية من يد سيادة أخينا المطران بولس مطر السّامي الاحترام، الذي قاد الأبرشيّة بحكمة ومحبّة راعويّة وتفان وحضور فاعل منذ سنة 1996، بعد أن كان معاونًا ونائبًا بطريركيًّا للمثلّث الرّحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير لمدّة خمس سنوات. في سني خدمته الرّاعويّة على رأس الأبرشيّة، طوال ثلاث وعشرين سنة، قام بنهضة عمرانيّة: فرسم عددًا وفيرًا من الكهنة، وخصّص خيرتهم في جامعات روما وفرنسا وأميركا، ورمّم الكنائس المهدّمة، وبنى أخرى جديدة مع قاعاتها ومجمعاتها في كلّ الرّعايا، وعزز الدّعوات الإكليريكيّة، ووسّع مدارس الحكمة ونظّم إداراتها، وطوّر جامعة الحكمة بحرمها الجديد وكلّيّاتها المتنوّعة، واستثمر الأوقاف وأراضي الأبرشيّة لما يؤول إلى تأمين فرص عمل، وإطلاق حركة اقتصاديّة استفاد منها المؤمنون. ورسّخ أفضل علاقات التّعاون الرّاعويّ مع مطارنة بيروت من مختلف الكنائس، والتّعاون الدّينيّ مع رؤساء الطّوائف الإسلاميّة، وخلق أطيب العلاقات مع رجال السّياسة والسّلطة وسفراء الدّول. فكان في كلّ ذلك صاحب الكلمة اللّطيفة والبنّاءة، والحضور الدّائم والمحبّ. ولذلك تبقى مشاعر التّقدير والصّداقة مستمرّة معهم جميعًا في كلّ أرجاء الأبرشيّة. هذا فضلًا عن المهمّات الكنسيّة المختلفة التي أسندت إليه على مستوى كنيستنا البطريركيّة والكرسيّ الرّسوليّ.

لقد كلّفنا سيادة أخينا المطران حنّا علوان، نائبنا البطريركيّ العامّ، إجراء عمليّة التّسليم والتّسلّم القانونيّة بموجب القانون 189 البندين 1 و2 من مجموعة قوانين الكنائس الشّرقيّة، وتمثيلنا في قدّاس التّولية الذي يحتفل به المطران الجديد والمطران السّابق، ويشارك فيه هذا العدد الغفير من الأساقفة والكهنة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين، وفي مقدّمهم فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون.
إنّكم إذ تستقبلون راعيكم الجديد بالمحبّة والاستعداد لمؤازرته في خدمته الرّاعويّة، فإنّكم تجدون فيه قلبًا محبًّا، وعقلًا راجحًا، وإرادة مصمّمة للعمل، ومعرفة دقيقة لأوضاع الأبرشيّة. فهو ابنها، وقد تسلّم فيها مسؤولياّت راعويّة وروحيّة وإداريّة واقتصاديّة. وأظهر دائمًا بالأفعال ما حبّاه الله من مواهب، وما كسب من معرفة وخبرة. وهذه كلّها وما سبقها أهلته ليختاره الرّوح القدس بصوت آباء السّينودس المقدّس ليكون رئيس أساقفة بيروت.

نسأل الله، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، وشفيعه مار بولس الرّسول، وأبينا القدّيس مارون، ومار جرجس شفيع هذه الكاتدرائيّة، أن يبارك خدمته الجديدة على رأس الأبرشيّة، ويكافئ راعيها السّابق، ويفيض عليكم جميعا نعمه وبركاته".

عبد السّاتر

وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس ألقى المطران عبد السّاتر كلمة قال فيها: "المجد لله الأب الذي اختارني أنا الضّعيف ليظهر في عظمة محبّته، والمدح لله الإبن الذي دعاني أنا الخاطىء ليظهر في قوّة خلاصه، والشّكر للرّوح الذي انتقاني أنا المتردّد والخائف ليظهر في جرأة النّبيّ وثبات الشّهيد.
والحبّ كلّ الحبّ للكنيسة التي فيها تفيض علي رحمة الأب، وفيها يظهر لي وجه المسيح المنتصر على كلّ موت، وفيها يعمل الرّوح ليصير الإبن الكلّ فيّ.
والشّكر لكلّ الشّعب لشعب الله الذي حملني في قلبه وصلاته، إيّاهم أعد أن أبقى أمينًا لما قلته في عظة رسامتي الأسقفيّة حول عيش التّواضع في الخدمة، والصّدق في القول، والتّجرّد في المقتنى، والعفّة في النّظر والفكر والسّلطة.
والإمتنان لإخوتي الأساقفة، أعضاء سينودس الكنيسة المارونيّة المقدّس، الذين أحاطوني بمحبّتهم وعطفهم وصلاتهم، والذين من خلالهم دعاني الرّبّ لأكمل مسيرة أسلافي وأكون واحدًا من الرّعاة الصّالحين الذين توالوا على خدمة وتعليم وتدبير وتقديس أبناء وبنات هذه الأبرشيّة".

أنّي أخصّ بالذّكر من بينهم سيادة المطران بولس مطر السّامي الاحترام الذي كان وسيبقى بالنّسبة إلى الأخ الأكبر المحبّ، والذي لولا ثقته ودعمه وصلاته لما كنت واقفا أمامكم، هنا الأن، في هذا الصّباح.
والوفاء لغبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي، رأس كنيستنا المارونيّة الذي منحني ثقته لثلاث سنين ونيف، وعطف علي كأخ أصغر له، ومنه تعلّمت الكثير، فهو عاش أمامي الصّدق في الكلام، والرّأفة في المحاسبة والتّواضع في التّصرف.
والأمانة لقداسة البابا فرنسيس ولرسالته، هو الذي يعنى بالصّغير والضّعيف والفقير، ويأبه بالنّازح والمهجّر وبضحيّة كلّ تمييز، وينادي بعدم استغلال الأرض والإنسان من أجل مكاسب مادّيّة، ويعمل على الإصلاح في الكنيسة وعلى تجديدها بصبر ومن دون كلل.
من أجلهم أقدّس ذاتي، هذه الكلمات قالها الرّبّ يسوع ساعات قليلة قبل تسليم ذاته إلى الموت، وهي تكشف حقيقته كمسيح وابن الله لأنّه بها أعلن قراره بأن يكون هو الآب بكلّيته، وأن يعيش الحبّ حتّى النّهاية، وأنا أردّدها اليوم أمامكم ومن دون استحقاق، وأجعلها شعارًا لخدمتي في ما بينكم، سأفرغ ذاتي من رغباتها وطموحاتها ليصير الرّبّ الكلّ فيّ، وسأصغي الى إلهامات الرّوح والى الآخر كي لا تكون قراراتي استبداديّة وضيّقة، وسأستقبل كلّ من يقصدني حتّى ولو اختلف عنّي في رؤيته ورأيه ودينه ولونه، فكل إنسان هو كريم في عيني الرّبّ ومصدر غنى.
أمامكم وبينكم لن أفتخر إلّا بالّربّ الذي أعطاني كلّ شيء، وسأسعى إلى أن أعيش معكم الحبّ حتّى النّهاية لأنّكم أحبّائي، ورسالتي وسبب افتخاري، ولن أجلس فوق العروش حتّى أبقى بقربكم، ولن أطالب بالألقاب لأنّي معكم مسيحيّ، ولن أتمسّك بالامتيازات حتّى لا أحرم حرّيّة أبناء الله.

تعالوا نقدّس ذواتنا من أجل شعبنا التّواق لأن يسمح في كلماتنا كلمات الرّبّ المحبّة والمشجعة والغافرة، تعالوا نعيش من الرّبّ ومعه ولأجله، مكرّسين الوقت للصّلاة والتّأمل والتّضرّع، تعالوا نقدّس ذواتنا فنتخلّى عن روح العالم وأشيائه، ونسعى خلف خدمة المعوز والمهمّش والمرذول، ودعونا لا ننسى أنّنا شهود ورسل، ولسنا موظّفين ينتظرون ساعة الانصراف".

وتوجّه لكهنة أبرشيّة بيروت قائلًا: "بينكم نموت ومنكم تعلّمت وعلى صلاتكم اتّكلت مرارًا عديدة، واليوم أدعوكم للعيش حياة كهنوتيّة حقيقيّة ملؤها الفرح والبساطة.اليوم أدعوكم العودة إلى مشاعركم الأولى تجاه الرّبّ، هذه المشاعر التي دفعتكم إلى ترك كلّ شيء وإلى السّير خلفه، إنّي أطلب منكم أن تتذكّروا نعمكم الاولى وألّا تنسوا إنّكم رعاة وأنبياء. اليوم أطلب منكم أن تكونوا دومًا صيادي بشر".

وتوجه الى آباء الرّعية بالقول: "سأكون الأخ الحاضر لكلّ واحد منكم بلا تمييز، والرّفيق المشجع ساعة الوحدة والتّعب والملل، والسّند وقت الضّعف والصّعوبات، والمشجع عند التّجربة والمصلح عند الخطأ، سألتقيكم مرارًا، وأجيب على اتّصالاتكم وأصغي صامتًا إلى همومكم وأفراحكم."
وأكمل: "ويا بنات وأبناء شعب الله المباركين، القادمين من أماكن عدةّ على الرّغم من قساوة الحرّ لتكونوا معي ومع كهنتكم في هذه المناسبة، شكرًا لكم. وشكرًا أيضًا لمن رغبوا أن يحضروا ولكنّ الألم أقعدهم والمسافات أبعدتهم، أنتم ايضًا في قلبي، وأنّي أطلب منكم جميعًا أن تذكروني دومًا في صلواتكم حتّى أعيش خدمتي الأسقفيّة بحسب قلب الله، وفي هذه السّاعة أقول لكم أنّي في هذا القدّاس، سأرفعكم إلى الله الآب ليحفظكم من كلّ شرّ ويملأكم من حبّه. وللجميع أقول أنّ أولويّتي في خدمتي ستكون الإنسان وليس الحجر.

ويا أيّها المسؤولون السّياسيّون والمدنيّون في بلادي، إنّنا ائتمنّاكم على أرواحنا وأحلامنا ومستقبلنا، تذكّروا أنّ السّلطة خدمة، وأنّ الزّعامة أساسها محبّة النّاس وليس اسمًا او مالًا او سلاحًا، لكم أقول إنّنا نريد ان نحيا حياة انسانيّة كريمة وإنّنا تعبنا من المماحكات العقيمة، ومن القلق والتّعصب والرّياء، نريد منكم مبادرات تبثّ الأمل، وخطابات تجمع، وأفعالًا تبني، نريدكم قادة مسؤولين، عساكم تسمعون".

وإختتم: "يا أمّي مريم، بين يديك أضع ذاتي، أطلبي لي من ولدك الحكمة وحسن التّدبير، سلام القلب وفرح الأطفال، اطلبي لي جرأة الأنبياء وزهد الحبساء وثبات الشّهداء واستقامة الشهّود.آمين".

سبيتري

وتلا السّفير سبيتري كلمة أرسلها عميد مجمع الكنائس الشّرقية الكاردينال ليوناردو ساندري فاعتبر فيها هذه المناسبة "مناسبة فرح وأمل تحمل تساؤلات عديدة ومع أنّكم مارستم كهنوتكم لسنوات عديدة في هذه المدينة فأنت لم تعد الكاهن المكلّف بمهمّة خاصّة في أبرشيّة ولكن الرّاعي الذي يعنى بتعليم الإيمان الكاثوليكيّ وليس فقط ممارسته بالتّقديس وليس بالتّكريس فقط ممارسة السّلطة وهي لا تعني الخدمة فقط.
أرفع الصّلاة مع هذه الجماعة المصلّية من أجل أن يهبكم الله القوّة والتّصميم من أجل قيادة هذه المطرانيّة بحكمة وليمنحكم الشّجاعة من أجل أن تكون المرشد الغيور والثّاقب النّظر الذي يقود شعبه في هذا العالم المتقلّب والمرتبك. كما أحيّي بحرارة البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي، والسّفير البابويّ المونسينيور جوزف سبيتري وسلفكم المطران بولس مطر وكلّ الأساقفة والكهنة رجال الدّين والرّاهبات والمؤمنين الذين يحيطون بكم اليوم.
فلنصلّي من أجل كنيسة لبنان، من أجل أن يعطي رجال الدّين فيها من مطارنة وكهنة من خلال بساطة حياتهم وغيرتهم الرّسوليّة وحبّهم للفقراء شهادة عن الوحدة التي تجلب السّلام الذي تحتاجه كلّ شعوب المنطقة".