لبنان
29 حزيران 2019, 12:12

بالتّفاصيل- زيارة الرّاعي إلى ذوق مصبح

إستهلّ البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بعد ظهر يوم الجمعة 28 حزيران 2019، زيارته الرّعويّة إلى بلدة ذوق مصبح، بزيارة متحف المشاهير، يرافقه المطرانان النّائب البطريركيّ على نيابة صربا المارونيّة بولس روحانا، والنّائب البطريركيّ للشّؤون القانونيّة والقضائيّة والمشرف العامّ على توزيع العدالة في الكنيسة المارونيّة حنّا علوان. وكان في استقباله النّائب روجيه عازار، رئيس البلديّة عبدو الحاج وأعضاء المجلس البلديّ، مخاتير البلدة، وحشد من فاعليّات المنطقة الثّقافيّة والدّينيّة والاجتماعيّة والقضائيّة والعسكريّة.

وجال الرّاعي مع مؤسّسيّ المتحف الإخوة جورج، ميشال وبيار المعلوف على أقسام المتحف الذي أُنشئ في العام 2002، والمؤلّف من ثلاث طبقات تضمُّ تماثيل من مادّة السّيليكون لشخصيّات سياسيّة وعسكريّة وفنيّة وأدبيّة عالميّة ومحليّة، ليرفع بعدها السّتارة عن تمثال يجسّدُه، يتوسّط تمثالي المثلّث الرّحمة الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، وقداسة البابا يوحنّا بولس الثّاني.

وألقى جورج معلوف كلمةً بالمناسبة عبّر فيها عن "إعتزاز بحلول صاحب الغبطة في دار تشرّع أبوابها لقدومه، وسنتبارك على الدّوام بحلول تمثال نيافته في ربوع لبنان وفي معلمنا السّياحيّ هذا.

إنّها أوّل ازاحة للسّتارة في العقد الثاني من عمر المتحف الذي تأسّس في العام 2002، والذي صُنعت تماثيله من مادّة السّيليكون على غرار المتاحف العريقة في باريس ولندن. وتمثال غبطته يُعتبر قيمة مضافة، لقد آلينا على أنفسنا أن يكون وطننا من صميم مشاريعنا، على الرّغم من الظّروف الصّعبة التي يمرُّ بها، أطلقنا إستثمارات هي الأولى من نوعها فيه، ولأنّ مجد لبنان أُعطي لكم ولأنّكم صاحب شعار شركة ومحبّة، نحن بحاجة إلى تطبيق هذا الشّعار عند سياسيّينا، وخاصّةً المسيحيّين منهم، فهذا الشّعار إذا ما طُبّق يكفي لبناء دولة القانون والمؤسّسات."

بعدها كانت كلمة البلديّة ألقاها نائب رئيس بلدية ذوق مصبح جوزيف مغامس أعلن فيها "أن تُزاح السّتارة عن شخصيّة رحلت أمر طبيعيّ، أمّا أن يجتمع قوم حول شخصيّة حيّة أتت تُزيح السّتارة بيمناها، فهو حدث فريد وغاية في التّكريم، وهو يُشكّل سابقة لتكريم الأحبّة وهم أحياء.

المبادرة تكرّم صاحب الغبطة، وهنا لا بدّ من توجيه تحيّةً إلى آل معلوف لأنّهم كرّموا أنطاكية وسائر المشرق من خلال تكريمهم البطريرك الرّاعي، هذا المتحف يُحيي الحاضر ويُشكّل ذاكرة تُعتبر نموذجًا للعالم، هنا يوجد كلّ الاختلاف من دون خلاف، وهو يجسّد لعالمنا صورة حيّة عن هذا المكان الذي سيُعلّم العالم أمثولة حيّة عن صنع السّلام. وأنتم يا صاحب الغبطة مثال في عيوننا قبل التّمثال وفيه وبعده."

بدوره، ألقى البطريرك الرّاعي كلمةً، شكر فيها المجلس البلدي وآل المعلوف على تنظيم هذا اللّقاء وقال: "سعيدٌ أنا اليوم للقائنا في متحف المشاهير، وسنُسمّيه متحف الاختلاف من دون خلاف. لقد تفاجأت به، تحيّةً لأبناء كفرقطرا الحبيبة، جورج، بيار، وميشال المعلوف الذي أسّسوا هذا المتحف. التّاريخ هو معلم الحياة، وأمام كلّ هذه الوجوه، يبتسم التاريخ، وهكذا تاريخنا اللّبنانيّ لا لون واحد له، ولكن للأسف اختلف أصحاب المصالح الخاصّة فيه، وتحوّل معهم الاختلاف إلى خلاف، على الرّغم من أنّ قيمة بلدنا الحبيب هي في الاختلاف من دون خلاف.

ولا يمكنني بوجود تمثال قداسة البابا يوحنّا بولس الثّاني هنا، سوى أن أستذكر ما قاله في ختام السّينودس من أجل لبنان، ويومها كان لبنان ينفض عنه غبار حرب أليمة. لقد قال قداسته: "من حمى لبنان هي ثقافة العيش معًا. وهذا المتحف يذكّرنا بهذه الثّقافة، علينا الحفاظ على لبنان المتنوّع، لا طعم للبنان من دون تنوّعه. إنّه قطعة فسيفساء من كلّ المكوّنات اللّبنانيّة، رسالته في هذا الشّرق هي في تنوّعه، ودعوتنا ألّا يؤدي هذا التّنوع إلى خلاف، لأنّ من واجبنا جميعنا الحفاظ على هذه الفسيفساء الثّمينة.

نحن نعاني اليوم من نوع من الانحراف نحو الآحاديّة من حيث لا ندري، وهو ما نسمّيه محاصصة وإقصاء، وهنا تحوُّل الثّقافة اللّبنانيّة، والخطر يكمن في الاستمرار بهذا الانحراف الذي سيجعلنا غرباء في أرضنا. الزّيارة هنا هي أمثولة تاريخيّة وثقافيّة واجتماعيّة، نشكركم لإختيار هذه البلدة الحبيبة على قلوبنا، لأنّها تحتضن ديرنا الأمّ ولنا فيها الكثير من الذّكريات، وشكري الكبير لأنّكم وضعتم تمثالي بين تمثال قداسة البابا وتمثال المثلّث الرّحمة الكاردينال مارنصرالله بطرس صفير، وأنا لم أجد مكاني بينهما، أشكر محبّتكم وأعرب عن فخري الكبير بكم وبمحبّتكم."

بعدها، توجّه الرّاعي والوفد المرافق إلى كنيسة القدّيس شربل، في ذوق مصبح، حيث نُظّم له استقبال شعبيّ حاشد ضمّ جماعات من المؤمنين، تقدّمتهم فعاليّات البلدة وحركات كشفيّة ورسوليّة وكهنة الرّعيّة ولجنة الوقف والأخويّات. وفي هذه المحطّة الثّانية من زيارة بلدة ذوق مصبح، وعند مدخل الشّارع المؤدّي إلى الكنيسة، أزاح الرّاعي السّتارة وبارك النّصب التّذكاريّ الذي قدّمته بلدية ذوق مصبح، وقد نحت في أعلاه وجه القدّيس شربل، وتوسّطته لوحة تُكرّس إسم الشّارع بإسم البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي.

وبعد النّشيد الوطنيّ، توجّه البطريرك الرّاعي مع المشاركين والمؤمنين، الذين إنضمّ اليهم المطران الياس نصار وأمين سرّ البطريرك الأب شربل عبيد، إلى كنيسة القدّيس شربل، حيث رُفعت السّتارة عن لوحة تُخلّد ذكرى الزّيارة، وأُطلق الحمام الأبيض، بعد أن ارتفعت البالونات التي تحمل ألوان العلم اللّبنانيّ، وسط الصّور العملاقة للرّاعي واليافطات التّرحيبيّة التي زيّنت الشّارع ومداخل الكنيسة.

رفع البطريرك الرّاعي صلاة الشّكر مع المؤمنين داخل كنيسة القدّيس شربل. ثم كانت كلمة لكاهن الرّعيّة الخوري إيمانوييل يونس، رحّب فيها بالرّاعي قائلًا: "إنّ ذوق مصبح هي رعيّة لكلّ لبنان، لأنّ أبنائها من كلّ ضيع لبنان من الشّمال والبقاع والجنوب والشّوف والمتن، ونحن هنا في قلب كسروان، وأنتم يا صاحب الغبطة خدمتم هذه الرّعيّة لأكثر من تسع سنوات. أبناؤها يتذكّرونك تمامًا ويحبّونك كثيرًا. لقد تعاونوا مع لجنة الوقف ومعكم لبناء هذه الكنيسة التي أردتم أن تحمل إسم القدّيس شربل، فكانت أوّل كنيسة على إسمه. رعيّتنا تمدُّ يديها لكلّ المؤمنين مع البلديّة رئيسًا وأعضاء، والمخاتير والكهنة الذين يخدمون الرّعيّة، والمجلس الرّاعويّ والأخويّات، ونشكر الله عليكم يا صاحب الغبطة، ونطلب بشفاعة أمّنا مريم مباركة عملكم الرّسوليّ".

 

بدوره قال الرّاعي:" أتذكّرُ اليوم وأنا بينكم، الأيّام التي عشناها سويّةً. وكيف أنّ لجنة الوقف كانت مؤلّفة من كافّة الطّوائف المسيحيّة. وبالمناسبة، أُوجّه تحيّةً لوالد الوزيرة ندى البستاني، السّيّد نهاد الذي كان له جهد كبير في خدمة الله.

بتأثُّر كبير نزور اليوم كنيسة القدّيس شربل. حياتي الرّعويّة هنا كانت غنيّة جدًّا. لقد بنينا أفضل العلاقات الرّوحيّة المُشبّعة بالمحبّة والتّعاون على كافّة الأصعدة. ومن هنا إنطلقت دعوتي الكهنوتيّة؛ وأنا مدين للحياة الكهنوتيّة التي عشتها هنا ولصلاة أبناء الرّعيّة وتعاونهم".

ثم رفع الرّاعي الصّلاة ومنح المؤمنين البركة الرّسوليّة، ليدوّن بعدها في صالون الكنيسة كلمةً بالمناسبة على السّجلّ الذّهبيّ، بعد أن جال وبارك المنشآت الجديدة التي تمّت إضافتها الى صالون الرّعيّة.

 

بعدها، توجّه الرّاعي والوفد المرافق إلى المحطّة الثّالثة، والأخيرة، من زيارته الرّعويّة للاحتفال بالذّبيحة الإلهيّة، في كنيسة سيّدة الورديّة، حيث كان في استقباله فعاليّات البلدة وحشد من المؤمنين يتقدّمهم راعي أبرشيّة الأرجنتين المطران يوحنّا حبيب شامية ورئيس الرّهبنة المريميّة اللّبنانيّة الأباتي مارون الشّدياق والمخاتير ولجان وقف وحركات رسوليّة وكشفيّة وأخويّات ورؤساء عامّين ورئيسات عامّات وكهنة ورهبان وراهبات. وقد نظّمت البلديّة، بالتّعاون مع الرّعيّة استقبالًا حاشدًا عند مدخل الكنيسة حيث عزفت فرقة جعيتا الموسيقيّة الأناشيد والتّرانيم التّرحيبيّة والدّينيّة، ورفعت الحركات الرّسوليّة الرّايات كذلك الأخويات والفرق الكشفيّة، وزيّنت أسوار الكنيسة والشّوارع المؤدّية لها بالأعلام البطريركيّة واللّبنانيّة، ورُفعت الصّور العملاقة للرّاعي وللنّائب البطريركيّ عن نيابة صربا المارونيّة المطران بولس روحانا.

 وفي ساحة الكنيسة بارك غبطته شجرة الزّيتون المُعمّرة التي حملت إسمه، ليتوجّه بعدها إلى متحف كنيسة سيّدة الورديّة التي تحتفل بذكرى مرور 300 سنة على تأسيسها؛ وكانت له جولة على أرجاء المتحف الذي يضمُّ أواني ومخطوطات كنسيّة وبدلات قدّاس تعود إلى الأعوام 1500 و1400، خاصّة بالكنيسة التي كانت أوّل كرسيّ أسقفيّ لمطرانيّة بيروت، وقد خدم فيها مؤسّس الرّهبنة المريميّة المطران عبدالله قراعلي رسالته الأُسقفيّة.

بعدها، توجّه الجميع الى باحة الكنيسة حيث احتفل البطريرك الرّاعي بالقدّاس الإلهيّ وعاونه المطارنة حنّا علوان، إلياس نصّار والأباتي مارون الشّدياق، بحضور لفيف من الرؤساء العامّين والرّئيسات العامّات والكهنة والرّهبان والرّاهبات، وحشد المؤمنين.

 وقبيل البدء بالقدّاس، ألقى النّائب البطريركيّ على نيابة صربا المارونيّة، المطران بولس روحانا، كلمةً قال فيها: "بعد طول انتظار تفرح اليوم رعيّة ذوق مصبح باستقبال راعيها أبونا بشارة، بعد أن كان خادمًا لها مدة 9 سنوات، عاشها في روحيّة مثل الرّاعي الصّالح الذي يدعو خرافه بأسمائها، يسير أمامها وهي تتبعه لأنّها تعرف صوته. الرّعيّة تستقبلكم يا صاحب الغبطة مع مجلسها الرّعويّ وفعاليّاتها عشيّة عيد القدّيسين الشّهيدين بطرس وبولس عاموديّ الكنيسة، وترفع الصّلوات معكم ومن أجلكم، وأنتم تحملون إسم بطرس وتؤكّدون على أنّ الكنيسة تُبنى قبل كلّ شيء على اعتراف سمعان المُلقّب ببطرس أيّ الصّخرة. ونحن واثقون أنّكم، وكما سلفائكم في الماضي، لا يمكنهم الصّمود بوجه المصاعب من دون الشّهادة للمسيح، ونحن أيضًا نحتاج هذه الشّهادة للاستمرار.

نرفع معكم ومن أجلكم يا صاحب الغبطة الصّلوت، كي نبني على خُطى بولس الرّباط الوثيق بين الكنيسة ويسوع، رباط الجسد المتنوّع الأعضاء برأسه الذي من دونه تقفد الأعضاء حيويّتها فتذبل.

نصلّي معكم ومن أجلكم  لتعلّمونا على خُطى بولس الرّسول في اهتدائه، أنّ كلّ اضطّهاد يلحق بالمسيحيّين ينال من يسوع.

لقد أردت أن أرحّب بكم في رعيّتكم بإسم إخوتي الرّهبان المريميّين الموارنة، والكهنة والعلمانيّين الذي يعملون على تعزيز هذا الرّباط، طالبًا بركاتكم وصلواتكم لأواصل الشّهادة الإنجيليّة معكم، تحت رعايتكم المباشرة بعد أن أوليتموني شرف خدمة نيابة صربا البطريركيّة، ودمتم لنا راعيًا مثبّتًا لنا بالمحبّة والرّجاء."

ثم ألقى نائب رئيس بلديّة ذوق مصبح، جوزيف مغامس كلمةً بإسم البلديّة، استهلّها بقصيدة وجدانيّة عدّد فيها مزايا غبطة البطريرك مشيرًا إلى "أنّ المحبّة التي يُكنّها أبناء البلدة له كبيرة جدًّا" واصفًا إيّاه بـ"سيّد السّادة ورئيس الرّؤساء، الذي يعتصم النّاس بحُبّه."

وتابع مغامس: "نحن اليوم نُفرغ قوارير العطر ونُشرّع أبوابنا للقياكم يا صاحب الغبطة، فأهلاً بك في عشيّة بهيّة، وهي عيد القدّيسين بطرس وبولس. إنّ أوقاف بلدتنا بمجلسيها الرّعويّ وحركاتها الرّسوليّة وكهنتها تسألكم مباركة البلدة بكلّ من فيها، ونضرع إلى الله أن يمدّكم بالصّحّة، ويمنّ عليكم بفيض من نعمته لتقودوا كنيستنا المشرقيّة إلى حيث يجب أن تكون في هذا الزّمن الصّعب.

لقد فقدنا ثقتنا بالدّولة، ولكن ثقتنا بكنيستنا لم تتزعزع لأنّها الملجأ والملاذ، كلّ الكراسي معرّضة للزّوال، ولكن كرسيّكم يا صاحب الغبطة ثابت. النّاس كلّهم معك يا صاحب الغبطة، يريدونك الصّوت الصّارخ لتتكلّموا بإسمهم ، فاستمرّوا بما تفعلون حتّى يسمع كلامكم من به صمّم، وليكتب قلمكم أنصع صفحة في تاريخ لبنان، ونطمئنكم أنّ رعيّتنا في رغد وسلام.

ذوق مصبح تحبّكم وتجلّكم وتتباهى ببصماتكم فيها، وتجدّد ترحيبها بكم."