لبنان
27 آب 2020, 05:00

بالتّفاصيل... البطريرك الرّاعي تفقّد كنائس أبرشيّة بيروت المنكوبة ومؤسّساتها

تيلي لوميار/ نورسات
زار البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قبل ظهر الأربعاء كنائس بيروت المتضرّرة من انفجار مرفأ بيروت، ورعاياها وبعض مراكزها.

وفي تفاصيل الجولة التّفقّديّة، وصل البطريرك الرّاعي عند العاشرة صباحًا إلى كنيسة مار مارون في الجميّزة، وكان في استقباله راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس عبد السّاتر وعدد من الكهنة والمؤمنين.

إطّلع الرّاعي من الأب ريشار أبي صالح على حجم الأضرار الكبيرة الّتي لحقت بالكنيسة وكيف "أنّ العناية الإلهيّة تشفّعت بالمؤمنين الّذين كانوا يرفعون معه الصّلاة يوم الانفجار ولم يصب أيّ منهم بأذى."

ورأى الكاردينال الرّاعي أنّ "إهمال المسؤولين أدّى إلى هذه الكارثة. و"الله ينجّينا من الأعظم لأنّه إذا لم تشأ الدّولة البحث عن أماكن أخرى قد تنفجر هي أيضًا من جديد نكون بذلك من المساهمين في قتل شعبنا. ولكن ربّنا كبير! وكما نرى هنا على الرّغم من الدّمار الكبير، إلّا أنّ أحدًا لم يتأذّى. ليرحم الله نفوس من سقطوا فهم الّذين دفعوا ضريبة الدّمّ لكي يتغيّر لبنان ويتغيّر تفكير المسؤولين ليعيشوا حياة مسؤولة وروحيّة أكثر ويعرفوا جسامة الموضوع."

وأضاف: "علينا معرفة إعطاء قيمة للنّاس ولدموعها لا يمكننا الاستمرار بالعيش كما في الماضي لا يمكن أن يتعاطى المسؤولون إزاء هذه الكارثة وكأنّها حادثة سير بسيطة. لقد هبّت الدّول لمساعدة اللّبنانيّين وليس الدّولة طبعًا لأنّه ما من أحد يثق بها. والدّليل أنّ الجميع يريد مساعدة الشّعب اللّبنانيّ وليس السّلطة الحاكمة."

وعن الدّعوة إلى تشكيل حكومة جديدة أجاب البطريرك الرّاعي: "الدّستور هو الأساس والدّول تقوم على دساتيرها وقوانينها، على السّلطات احترام هذا الأمر."

وعن اتّهامه من قبل صحيفة الأخبار بالعمالة أجاب الرّاعي: "لقد انتظرت ممّن لديه تحفّظًا أن يقدّم براهين مقنعة وقانونيّة ومنطقيّة وليس اتّهام النّاس بالعمالة. نحن واضحون في مفهوم الحياد بمواضيعه الثّلاثة. أوّلاً لبنان بحكم تكوينه وتاريخه لا يمكنه الدّخول بأحلاف وصراعات وحروب، ثانيًا للبنان دور في لقاء الحضارات والثّقافات والاهتمام برسالة السّلام لأنّه بلد متعدّد، وثالثًا يجب أن يكون لبنان دولة قويّة بجيشها وقواها الأمنيّة وقانونها ودستورها وتفرض سيادتها أوّلاً في الدّاخل ثمّ في الخارج، وأيّ اعتداء يأتيها من إسرائيل أو أيّة دولة أخرى تستطيع أن تحمي نفسها وشعبها. هذه الأمور الثّلاثة كلّ من يعترض عليها فليجاوبنا بالمنطق."

وتابع: "لم نعتاد أن نكون عملاء لأحد فكلّ قيمتنا ككنيسة وكبطريركيّة وكبطريرك أن نقول الحقيقة بيضاء واضحة وأن لا نكون مرتبطين بأحد لا من الدّاخل ولا من الخارج. كرامتنا ترفض أيّ ارتهان أو أيّ ارتباط أو أيّ حساب. هذه قوّة البطريركيّة! تقول الحقيقة لخير كلّ النّاس وليس لقسم من دون آخر. خلاص اللّبنانيّين هو الحياد."

وأوضح الرّاعي ردًّا على سؤال حول دعوته لدهم مخازن الأسلحة وعمّا إذا كان يقصد بكلامه حزب الله: "لا أعلم لماذا في كلّ مرّة أتحدّث فيها يقرّرون أنّني أعني حزب الله. لطالما تحدثّت عن الطّائف ومضمونه وقراراته الّتي كان فيها استثناءات وهذا ليس بالموضوع الأساسيّ. هل هناك من ينكر موضوع السّلاح المتفلّت أو المكدّس هنا وهنالك. الحلّ دعوتنا للدّولة لمّ الأسلحة والحفاظ على أمن المواطنين. لقد قتل بالأمس ثلاثة شبّان في كفتون وكانت مناسبة لنقول ما قلناه. هل يعقل أنّ من يحمي النّاس يقتل قبل الوصول إلى بيته. أنا مع احترامي لحزب الله لم أدخل في نقاش معه لم أتحدّث عنه ودوري لا يفرض الدّعوة إلى لمّ سلاحه والحكم إذا ما كان هذا السّلاح شرعيًّا أم لا. هذا عمل الدّولة اللّبنانيّة أنا لا أدخل في هذه الأمور. وإنّما أتحدّث وفق مبادئ تسري على الجميع. يجب أن يكون للدّولة سيادتها الدّاخليّة اليوم. ما من سيادة للدّولة في لبنان. كلّ نافذ عنده دولة وهذه ليست دولة لذلك نحن نخسر شعبنا، شبيبتنا تهاجر، واقتصادنا منهار! هذه ليست دولة وإنّما دويلات ضمن دولة وليس دويلة واحدة."

وإختتم معلّقًا على التّحقيق بانفجار المرفأ قائلاً: "اليوم القضاء موجود وعليه أن يحقّق ويوزّع المسؤوليّات. إنّها كارثة كبيرة جدًّا لا يمكن أن تمرّ بهذه السّهولة. والشّرط أن يكون القضاء حرًّا."

بعدها توجّه البطريرك الرّاعي والمطران عبد السّاتر إلى كاتدرائيّة مار جرجس في وسط بيروت، واطّلع من المطران بولس مطر على ما لحق بالكاتدرائيّة من أضرار. وأشار القيّم الأب جاد شلوق إلى أنّ "العناية الإلهيّة كانت حاضرة لحظة وقوع الانفجار الّذي تسبّب بأضرار فادحة كانت مادّيّة فقط."

بعدها تفقّد البطريرك الرّاعي مدرسة الفرير في الجميّزة واستمع من الأخ فادي صفير على حجم الخسارة المادّيّة الّتي لحقت بكامل البناء الّذي بلغ المئة عام، مشيرًا إلى أنّ "هذا الضّرر الكبير سيحول دون تمكّنهم من تأدية الواجب التّربويّ إذا ما سمحت ظروف البلاد وسط جائحة كورونا من انطلاق العام الدّراسيّ."

وبعد جولته على كامل أقسام المدرسة وكنيسة القلب الأقدس فيها، وردًّا على سؤال عن إمكانيّة دعم الكنيسة لعودة هذا الصّرح التّعليميّ إلى ما كان عليه، أشار البطريرك الرّاعي: "إنّ الكنيسة بكلّ شعب الله ستستطيع إعادة كلّ شيء كما كان في السّابق، والبابا فرنسيس يقول إنّ الكنيسة ليست فقط الإكليروس بل الشّعب المسيحيّ أيضًا، وبالتّالي كلّ هذا الدّمار يمكن إصلاحه بعزيمة وطيبة الشّعب اللّبنانيّ وأبناء الكنيسة الّذين قدّموا أنفسهم، وبمساعدة بعض الدّول الصّديقة الّتي هبّت للمساعدة وتعاطفت معنا، ونأمل أن تتعاطف الدّولة اللّبنانيّة مع شعبها أيضًا".

وأضاف: "الأعجوبة أنّه لم يكن هناك أيّ شخص هنا في لحظة الانفجار، وكلّ الدّمار المادّيّ يمكن إصلاحه، أمّا دمار الإنسان فهو الّذي يجب أن نعمل على إصلاحه، وعلى إصلاح المسؤولين السّياسيّين الّذين بسبب إهمالهم وصلنا الى هنا. إنّهم المسؤولون أوّلاً وأخيرًا. ونحن نصلّي كي يمسّ الله الضّمائر ويغيّر العقول والقلوب، نصلّي لكي يلمس الرّبّ القلوب والضّمائر والعقول وغيرها. إنّها علامات من ربّنا لكي يعود النّاس إلى ربّهم. وإذا لم يتحمّلوا مسؤوليّتهم نأمل من القضاء أن يُحمّلهم هذه المسؤوليّة، ونحن لنا ثقة بالقضاء اللّبنانيّ وفي حال عجز عن القيام بدوره نلجأ إلى القضاء الدّوليّ".

وعن رأيه بالمحكمة الدّوليّة ونتائجها، أجاب صاحب: "عظيمة، وأصحاب العلاقة مقتنعون، وهذا الأهمّ".

أمّا عن قيام الشّباب والجمعيّات بإعادة الإعمار في ظلّ غياب للدّولة، قال: "أحيّي الشّباب اللّبنانيّ وكلّ المتطوّعين الّذين حملوا مكنسة أو رفشًا وأتوا للمساعدة، وهذه همّة اللّبنانيّ، ونحن نتلقّى رسائل من كلّ المجالس الأسقفيّة في العالم الّتي تعبّر عن تقديرها للشّعب اللّبنانيّ، هذا الشّعب الّذي لا يموت، وهنا نحن ندين غياب الدّولة، فما حصل في بيروت ليس حادث سير ولا يحقّ لهم الآن أن يتصرّفوا بهذه الطّريقة في موضوع تأليف الحكومة".

وقال: "نحن ندين غياب الدّولة. ما حصل جريمة كبرى وجريمة ضد الإنسانيّة، وهو ليس بحادث سير. ولا يحقّ للمسؤولين بعد ستّ سنوات من وجود مواد قاتلة أن لا يحرّكوا ساكنًا. إنّه أمر غير مقبول. لا يحقّ لهم أن يبقوا مكتوفي الأيدي. أمّا ما يقومون به حيال تأليف حكومة، فالبلد على الأرض وهم يبحثون عن الحصص. نحن ندين هذا الأمر أشدّ الإدانة".

بعدها تفقّد مستشفى الورديّة، واستمع من مديرته الأمّ نيقولا عقيقي إلى ما عانته المنطقة وأبناؤها جرّاء الانفجار الّذي دمّر أقسامًا من المستشفى. وقال: "إنّ صلاة مسبحة الورديّة الّتي نتلوها يوميًّا في تمام السّاعة السّادسة قد حمتكم، والانفجار حصل في نفس هذا الوقت أيّ السّاعة السّادسة، واسمحوا لي أن أعزّيكم بوفاة الممرّضة ونهنّئكم بسلامة الطّاقم الّتي هي إشارة الى أنّ الله لم ولن يتركنا. إنّ الأشياء المادّيّة تُعوّض، ورسالة أيضًا الى المسؤولين اللّبنانيّين كي يتحمّلوا مسؤوليّتهم في هذا الموضوع، لأنّ هذا الانفجار ليس قضاء وقدر، بل يتحمّل المسؤولون مسؤوليّة ما حصل، وأنا أحيّي من هنا كلّ المستشفيات الّتي تخدم المرضى والّتي تحدّت كلّ الظّروف واهتمّت بالجرحى والمرضى".

وأضاف: "إنّ الرّبّ يقول لا تخافوا أنا معكم، بالرّغم من الانفجار والخراب والدّمار يجب أن يبقى إيماننا ورجاؤنا ثابتًا، فسيّد العالم والتّاريخ هو الله، وإليه نلتجىء كي يصطلح الإنسان، فعندها تصطلح السّياسة والاقتصاد وكلّ الأمور الأخرى ويصطلح الكون."

بدورها أكّدت الأمّ عقيقي أنّ "إيماننا الكبير سيبقينا أكثر تمسّكًا بهذه الأرض وسنقوم بمهامنا على أكمل وجه لانّنا أبناء الرّجاء"، شاكرة "أصحاب الأيادي البيضاء الّذين ساهموا في إعادة إعمار المستشفى ولاسيّما دولة الكويت"، وسألت البطريرك "بركته ودعمه لنستمرّ في تقديم رسالتنا".

وكان البطريرك الرّاعي قد جال على دير الفرنسيسكان في الجميّزة، واطّلع من رئيس الرّهبنة الأب فراس لطفي على الأضرار الّتي لحقت بالدّير والكنيسة ومراكزه.

المحطّة ما قبل الأخيرة كانت في كنيسة مار مخايل حيث اطّلع من رئيس المؤسّسة البطريركيّة للإنماء الشّامل سليم صفير على حجم الأضرار الّتي تُقدّر بمليوني دولار أميركيّ، وهذا يشمل بناية المطرانيّة وشارع فرعون الّذي يضمّ حوالي 37 عقارًا ومئتي عائلة وأكثر من 20 محلّ تجاريّ".

كما لفت صفير إلى أنّ المصارف على "استعداد لمساعدة النّاس المتضرّرين فيما يخصّ تسهيل استعمال ودائعهم أو حتّى بطرق أخرى."

وإعتبر البطريرك الرّاعي أنّ "المؤسّسة البطريركيّة هي إحدى المؤسّسات الخيّرة وهي علامة من الرّبّ، فهكذا يعمل الله، من خلال الأيادي البيضاء، كي يقول لنا إنّه هكذا يجب أن نعمل في حياتنا، وأنا ما زلت أصلّي كي يعي المسؤولون أهمّيّة تحمّل نتائج ما حصل لأنّه حصل بسبب إهمالهم وتركهم للمتفجّرات ستّ سنوات في المرفأ، وأنا دعوت أيضًا كي يتمّ البحث عن متفجّرات أخرى في المناطق اللّبنانيّة كافّة، وأن تحمي الدّولة شعبها وتبسط الدّولة سيادتها على كافّة الأراضي اللّبنانيّة، لأنّ المسؤولين ما زالوا يتصرّفون وفق مصالحهم الضّيّقة".

وعن ذكرى مئويّة اعلان دولة لبنان الكبير، قال الرّاعي: "في ذكرى مئويّة لبنان الكبير، سنشهد على ولادة الحياد النّاشط أيّ عودة لبنان إلى جذوره".

وعن الاعتداءات الّتي تحصل مؤخّرًا على الحدود اللّبنانيّة الجنوبيّة وموقف الحياد النّاشط منها، قال: "لقد تكلّمت عن ثلاثة أمور في الحياد، أوّلها أنّ لبنان لا يمكنه أن يدخل في صراعات وحروب اقليميّة ودوليّة، وثانيًا أن يتفرّغ لبنان للعب دوره في هذه المنطقة كبلد تلاقي وحوار، وثالثًا أن يكون هناك دولة قويّة قادرة على بسط قوّتها والدّفاع عن كلّ اعتداء."

وأنهى البطريرك الرّاعي جولته التّفقّديّة بزيارة فوج إطفاء بيروت في مار مخايل، الّتي استهلها برفع الصّلاة لراحة أنفس ضحايا الفوج. وكان في استقباله العقيد الرّكن نبيل خنكرلي وضبّاط وعناصر الفوج، سائلاً العزاء لأهلهم والشّفاء للجرحى والرّاحة للمفقودين، وقال: "لقد قدّمتم أغلى ما عندكم لقد تقدّس المكان بدمائكم ومن هنا نطالب المسؤولين بتقديم المزيد من القيمة والتّعزيزات والاحترام للفوج وإعطاء أفراده الأولويّة، فكفى استهتارًا بمن يقدّم للبنان أغلى ما يمكن. أطالب رسميًّا بأن يتعامل فوج الإطفاء بما يلزم ويليق بخدمته ورسالته من تعويضات وحقوق. هذا مطلبنا الأساسيّ نحن معكم نشكركم ونقدّم كلّ الدّعم لكم".

وأكّد أنّ لبنان بحاجة اليوم إلى "حكومة طوارئ بكل ما للكلمة من معنى، كما حصل في العام 1960 إثر ثورة الـ1958، هذه الحكومة الّتي صنعت أفضل لبنان بوزرائها من أصحاب الكفوف النّظيفة والحياديّين"، معتبرًا أنّ "شهداء فوج الإطفاء هم ضحايا إهمال المسؤولين، إنّهم الشّهداء الّذين حموا المدينة وبذلوا أنفسهم على مذبح الوطن.

"من هنا نقول للمسؤولين: ما قبل 4 آب ليس كما بعده، لأنّهم لا يزالون كما هم وخصوصًا في تعاملهم مع الحكومة الجديدة وتأليفها. لا يعطون أهمّيّة لما أصاب لبنان لتخبئة إهمالهم، الدّستور هو طريقهم فليسلكوه".

وكانت كلمة شكر وتقدير من قائد فوج إطفاء بيروت العقيد نبيل خنكرلي للبطريرك الرّاعي على زيارته ورفع الصّلاة وتقديمه الدّعم، متمنّياً "دعم الفوج لكي يواصل تقديم الرّسالة الّتي أسندت إليه"، عارضًا المهمّات الّتي ينفّذها الفوج والمساعدة الدّوليّة الّتي يستعين بها ومنها طاقم الإطفائيّة الفرنسيّ الّذي حيّاهم الرّاعي لمساعدتهم الفوج على إتمام عمليّة البحث عن المفقودين.

وودّع عناصر الفوج، ضبّاطًا وأفرادًا، البطريرك الرّاعي والوفد المرافق بالتّصفيق.

بدوره شكر راعي أبرشيّة بيروت المطران بولس عبد السّاتر البطريرك على زيارته التّفقّديّة لكنائس الأبرشيّة والمراكز الّتي نكبت بفعل انفجار مرفأ بيروت، معتبرًا أنّ "هذه الزّيارة تعزّي النّاس في محنتهم وتشدّد تمسّكهم بأرضهم وكنيستهم الّتي تقف دائمًا إلى جانبهم وترعى شؤونهم."

ورأى المطران عبد السّاتر "أنّ لقاء البطريرك برعيّته كان إنسانيًّا ووجدانيًّا بامتياز شاكرًا كلّ الأيادي البيضاء الّتي ساعدت على تضميد جراح المنكوبين والتّخفيف من تداعيات هذه الكارثة على أبناء بيروت."