العراق
29 كانون الأول 2018, 07:52

بارولين من عنكاوا: أنتم كنيسة شهداء، دمكم وشهادة إيمانكم كنز للكنيسة

إحتفل أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين مساء الخميس بالقدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة مار يوسف للكلدان في عنكاوا، وتحدّث في عظته عن استشهاد أطفال بيت لحم وعن شهداء اليوم مذكّرًا برسالة ميلاد يسوع، رسالة المحبّة والخير للجميع، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"أُريد بدايةً أن أُوجّه التّحيّة إلى الجميع وذلك أيضًا باسم البابا فرنسيس الذي كلّفني بحمل بركته الرّسوليّة وتأكيد قربه وتذكّره اليوميّ في الصّلاة. وأنا أتذكّر فور وصولي أربيل، وعنكاوا تحديدًا، استقبال الأعداد الكبيرة من الأخوة والأخوات القادمين من الموصل وسهل نينوى ومناطق أخرى، وأتذكّر تلك المشاهد المأساويّة من صيف عام 2014 للنّزوح الإجباريّ لكثيرين قرعوا أبواب هذه المدينة ليجدوا ضيافةً رائعة. وأدعو هنا إلى تذكُّر كلمات يسوع "كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه" (راجع متّى 25، 40). وتجدر الإشارة إلى مواجهة العنف والتّعصّب بالتّضامن والقرب حيث قدّم الكثير من الأشخاص هنا ومن الكنيسة الجامعة الدّعم للمسيحيّين وغيرهم من العراقيّين المتألّمين، وذلك بالصّلاة والمساعدات الملموسة، وأيضًا إرسال المتطوّعين. وإنّ تلك الأحداث تُذكِّرنا بحديث الكتاب المقدّس عن شاول السّائر إلى دمشق، حين سمع صوتًا يسأله "شاول، شاول، لماذا تضطهدني" (رسل 9، 4)، فأجاب متسائلًا "مَن أنت يارب" (9، 5) وتلَقى الإجابة "أنا يسوع الذي أنت تضطهده" (9، 5). وبالتّالي إنّنا حين نتحدّث عن الاضطّهاد، فإنّنا نتحدّث عن علاقة تماثُل يسوع مع تلاميذه، فمَن يفعل شرًّا ضدّ جسد المسيح الذي هو الكنيسة يفعله ضدّ يسوع نفسه، فقد أراد الرّبّ أن يتّحد بنا. وفي الميلاد نحتفل بهذا السّرّ، سرّ محبّة اللّه الذي أصبح واحدًا منّا، هذه هي البشرى السّارّة التي تتردّد أصداؤها في الكنائس كافّة: "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا" (يو 1، 14). لقد جاء إلى العالم النّور الحقيقيّ الذي يهزم الظّلام وينير كلّ إنسان. وفي هذا السّياق، نتذكّر كلمات البابا القدّيس بولس السّادس في الرّسالة إلى مدينة روما والعالم لمناسبة عيد الميلاد سنة 1967، حين تحدّث عن كون مجيء المسيح ينبوع فرح حقيقيّ وعظيم، والرّجاء، والخلاص الذي يتوق إليه الإنسان.

أمّا بالنّسبة لاستشهاد أطفال بيت لحم الذين قتلهم هيرودس، فإنّهم استشهدوا في سبيل اسم المسيح قبل أن يعرفوه، وقدّموا دمهم من أجله واعترفوا به قبل أن يتمكّنوا من الكلام. وإنّنا نبقى بلا كلمات أمام سرّ المعاناة والألم، إلّا أنّه في هذا السّرّ تظهر بشرى انتصار يسوع السّارّة، انتصار الخير على الشّرّ. وإنّنا بتأمّل ابن اللّه، الطّفل الأعزل في المذود، يمكننا أن نجد الإجابة على تساؤلاتنا العميقة حول الشّرّ والموت. وإنّ الكلمة الأخيرة في التّاريخ أو في حياتنا ليست للشّرّ، بل هي لمحبّة اللّه التي تهزم الشّرّ. وإنّ أعدادًا كبيرة ممّن بذلوا حياتهم من أجل المسيح عبر التّاريخ، والذين يحدّثنا عنهم سفر الرّؤيا حين يتحدّث عن المختارين في السّماء.

أنتم كنيسة شهداء، ودم شهدائكم وشهادة إيمان الكثير من أخوتكم وأخواتكم هي كنز للكنيسة وبذرة حيويّة جديدة". وتابع داعيًا الجميع في نور مَثل هؤلاء الشّهداء إلى مواصلة عيش الإيمان بفرح وشكر، والاستمرار في إظهار المحبّة للجميع والمغفرة، ليكونوا صانعي شركة مبعِدين الانقسامات والخلافات فيصبحون صانعي مصالحة وسلام في عالم مفكك، متذكّرين أنّ "الكنيسة هي في المسيح بمثابة السّرّ، أيّ العلامة والأداة في الاتّحاد الصّميم بالله ووحدة الجنس البشريّ برمتّه" (راجع الوثيقة المجمعيّة الدّستور العقائديّ في الكنيسة "نور الأمم" 1)، وسيتمكّنون هكذا من تقديم إسهام أساسيّ في بناء المجتمع والبلاد مع المواطنين الآخرين."

وفي ختام عظته، أعرب الكاردينال بييترو بارولين عن فرحه لعودة الكثير من العائلات إلى بلداتها، وأكّد أنّ دعم هذه العودة هي مسؤوليّة الجميع. ثمّ شدّد على كون رسالة الميلاد الحقيقيّة رسالة سلام وخير للجميع ومحبّة للقريب، وتمنّى للحضور وللعراق بكامله عطايا الوحدة والمصالحة والوئام، وتضرّع كي يُجدّد ميلاد المسيح القلوب، ويحفّز الرّغبة في بناء مستقبل أكثر أخوّة وتضامنًا، ويُحمّل للجميع الفرح والرّجاء. وإختتم طالبًا مرافقة مريم، أمّنا وأمّ الكنيسة، الجميع بحنانها وأن تدعمهم في الرّجاء.