الفاتيكان
30 آب 2023, 14:00

بارولين: "الرّجاء معًا"... شعار زيارة البابا فرنسيس إلى منغوليا

تيلي لوميار/ نورسات
تحدّث أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، في مقابلة مع وسائل الإعلام الفاتيكانيّة، نشرها "فاتيكان نيوز" عن الحماس الذي من خلاله تستعدّ الجماعة الكاثوليكيّة الصّغيرة في منغوليا لاستقبال الأب الأقدس، وقال: "إنَّ منغوليا مستعدّة لكي تعانق حبرًا أعظم لأوّل مرّة في تاريخها، "الانتظار عظيم".

وأضاف: "في زيارته الرّسوليّة الثّالثة والأربعين، سيكون البابا فرنسيس من ٣١ آب/ أغسطس إلى ٤ أيلول/ سبتمبر في أولانباتار، عاصمة منغوليا، أرض تبلغ مساحتها خمسة أضعاف مساحة إيطاليا ويبلغ عدد سكّانها حوالي ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف نسمة، وهي دولة متاخمة لروسيا والصّين. محوري في فهم الزّيارة هو الشّعار: "الرّجاء معًا"، لأنّه هناك حاجة ماسّة للرّجاء، لرجاء لا يكون انتظارًا فارغًا، ولكنّه يقوم، على الأقل بالنّسبة لنا نحن المسيحيّين، على الإيمان، أيّ على حضور الله في تاريخنا، والذي يتحول في الوقت عينه إلى التزام شخصي وجماعي."

وعن انتظارات البابا فرنسيس، قال بارولين "هذه الرّحلة إلى قلب آسيا تُجيب على دعوة سلطات البلاد والجماعة الكاثوليكيّة. إنّ الانتظارات كبيرة بالتّأكيد، سواء من جانب الأب الأقدس أو من جانب منغوليا، التي ترى للمرّة الأولى خليفة بطرس في أرضها. إنّ اهتمام البابا هو أن يلتقي بهذه الجماعة، جماعة قليلة العدد، ولكنّها شابّة وحيويّة ورائعة لتاريخها وتكوينها الخاصّ. كذلك، سيكون بعد ما بين الأديان مهمًّا للغاية، في بلد يتمتع بتقاليد بوذيّة عظيمة.

يمكننا أن نلمس الحماس الذي من خلاله يستعد الكاثوليك لاستقبال الأب الأقدس. إنّ حضوره منتظر كتثبيت وتشجيع في مسيرة الحياة المسيحيّة، في مسيرة الإيمان والرّجاء والمحبّة؛ وإنّما أيضًا كتثبيت لتمام هذه المرحلة الرّائعة من الانثقاف الإرساليّ. في الواقع، إذا فكّرنا في قصّة هذه الكنيسة، فلا يمكننا إلّا أن نعجب بها، لا بل أن نتأثَّر أيضًا، فبعد قرون من الغياب، في أوائل التّسعينيّات، وفي أعقاب التّحوّل الدّيمقراطيّ السّلميّ في البلاد، انطلقت مجدّدًا عمليًّا من الصّفر. وصل المرسلون الأوائل كروّاد، وتعلّموا اللّغة، وبدؤوا بالاحتفال في المنازل، وتنبّهوا بأنّ النّهج يجب أن يكون نهج المحبّة وعانقوا السّكان المحليّين كما لو كانوا شعبهم. وهكذا، وبعد بضعة عقود فقط، ظهرت جماعة كاثوليكيّة بالمعنى الحرفيّ للكلمة، أيّ جماعة "عالميّة"، مكوّنة من أعضاء محلّيّين، وإنّما أيضًا من أعضاء قادمين من بلدان مختلفة، يرغبون بتواضع ووداعة وشعور بالانتماء، في أن يكونوا بذرة أخوّة صغيرة."

وعن سؤاله حول إن كان الاهتمام سيكون أيضًا باللّقاء المسكونيّ وبين الأديان الذي سيعقد يوم الأحد ٣ أيلول/ سبتمبر أجاب: "نعم، كما ذكّر الأب الأقدس مرارًا وتكرارًا، إنّ المسيرة بين الأديان، ومسيرة الحوار المسكونيّ، ليستا خيار فرصٍ أو مصلحة، بل هما مسيرتان اتّبعتهما الكنيسة الكاثوليكيّة، منذ المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، بدون توفيق بين المعتقدات. ومن هذا المنطلق، فإن اللّقاء مع دعاة الدّيانات الأخرى يهدف دائمًا إلى بناء السّلام والأخوّة، ونحن نعلم مدى الحاجة اليوم إلى هذا الجهد لبناء السّلام والأخوّة! وبالتّأكيد من ثمَّ أنّ الزّيارة تطبع أيضًا لحظة مهمّة للقاء مع البوذيّة، التي تفتخر بحضورها وتاريخها المهمّين في منغوليا، واللّذان تميّزا ببحث حكيم عن الحقيقة، وإنّما أيضًا بآلام كبيرة عانت منها في الماضي."

وعن الدّور الذي قد تلعبه زيارة الأب الأقدس في إطار التّحوّل الاجتماعيّ خلال السّنوات الأخيرة قال: "غالبًا ما يسلّط البابا فرنسيس الضّوء على أهميّة السّعي إلى الانسجام. وهو يقصد بهذا التّعبير، وبهذه الكلمة، اقتراح نموّ كامل وشامل، أيّ نموّ إنسانيّ واجتماعيّ وروحيّ يبتعد عن مخاطر التّجانس، ويعرف كيف يدمج الاختلافات والتّغيّرات كعوامل نموّ، فيسود هكذا لقاء الأضداد والاختلافات على الصّدام والتّباين. لا شكّ أنّ المجتمع المنغوليّ يمرّ بفترة تاريخيّة محفزّة، حيث يُطلب من حكمة الشّعب المتجذّرة أن تجمع بين التّقاليد والحداثة، دون أن تفقد جذورها وتعزّز التّنمية للجميع. ومن المؤكّد أنّ البابا، الذي يسرّه لقاء الشّعب المنغوليّ كعلامة صداقة واحترام كبير، سيظهر اهتمامه بهذه الجوانب أيضًا".

وأضاف الكاردينال بارولين مجيبًا عن سؤال حول ما هي العلاقات اليوم بين الكرسيّ الرّسوليّ ومنغوليا لاسيّما أنّ تاريخ الحوار بينهما يعود إلى حوالي ٨٠٠ عام، إلى أياّم البابا إينوشينسيوس الرابع وقال: "في أعقاب سوابق تاريخيّة، أدّى تقارب المصالح إلى إقامة العلاقات الدّبلوماسيّة بشكل رسميّ في عام ١٩٩٢. والتّعاون الذي أقيم آنذاك - حتّى على المستوى الرّسميّ، إذا صح القول - لا يزال يتقدّم! لقد تمّ إحراز تقدّم كبير في المجالات ذات الاهتمام المشترك، كما اتّضح من الزّيارة الرّسميّة للمطران بول ريتشارد غالاغير، أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدّول والمنظّمات الدّوليّة، في حزيران/ يونيو الماضي. وسوف نستمرّ في هذا الخط. وبالتّالي فإنّ الرّحلة الرّسوليّة المقبلة هي فرصة مناسبة لتعزيز هذه الرّوابط بشكل أكبر، بهدف تعزيز الخير العامّ والحرّيّة الدّينيّة والسّلام والتّنمية البشريّة المتكاملة والتّعليم والتّبادل الثّقافي وكذلك لمواجهة التّحدّيات المشتركة التي تهمُّ المنطقة والمجتمع الدّوليّ.

وتابع مجيبًا على سؤال حول إن كان من الممكن أن نتوقع من البابا فرنسيس نداء متجددًا للسّلام، في هذه الأوقات التي تمزق فيها الصّراعات العالم كله فقال: "لماذا يستمرّ الأب الأقدس في إطلاق نداءات من أجل السّلام؟ لأنّه يحمل في قلبه الألم المبرح النّاجم عن ما أسماه هو نفسه منذ فترة طويلة "الحرب العالميّة الثّالثة التي تُشنُّ على أجزاء". وبعيدًا عن أيّ نداءات صريحة من أجل السّلام قد يوجّهها البابا في هذه الظّروف، يبدو لي أن وجود البابا في منغوليا في حدّ ذاته يشكّل دعوة للسّلام. وذلك نظرًا للمكانة الهامّة التي تحتلّها هذه الدّولة في السّياق الآسيويّ الكبير. إنَّ هذه الزّيارة تحمل في طيّاتها الدّعوة إلى احترام كلّ دولة، كبيرة كانت أم صغيرة، والحفاظ على القانون الدّوليّ، والتّخلّي عن مبدأ القوّة لتسوية النّزاعات، وبناء علاقات التّعاون والتّضامن والأخوّة بين الجيران ومع كافّة دول العالم".

وعن سؤال حول إن كانت تتمّ دراسة زيارة إلى جمهوريّة الصّين الشّعبيّة حتّى لو ليس عن قريب، قال: "يعلم الجميع الاهتمام الذي يكنّه البابا فرنسيس للصّين. وفيما يتعلّق بسؤالك، أستطيع أن أقول إنّ هناك في قلب قداسة البابا هذه الرّغبة العظيمة، وهي رغبة مفهومة تمامًا وقد أظهرها علنًا عدّة مرات، بأن يزور ذلك البلد النّبيل، إن كان لزيارة الجماعة الكاثوليكيّة وتشجيعها في مسيرة الإيمان والوحدة، وإن كان للقاء السّلطات السّياسيّة التي أقام الكرسيّ الرّسوليّ حوارًا معها منذ بعض الوقت، واثقًا أنّه على الرّغم من الصّعوبات والعقبات الموجودة في المسيرة، يمكننا من خلال درب الحوار واللّقاء، أكثر من درب المواجهة الأيديولوجيّة، أن نحقق ثمار خير للجميع."

وعن السّؤال إلى أين تقودنا هذه الزّيارة إلى منغوليا وقال "إنَّ شعار الزّيارة - كما نعرف - هو "الرّجاء معًا"، وبالتّالي يتمّ التّركيز مرّة أخرى على الرّجاء، الذي سيكون أيضًا موضوع يوبيل عام ٢٠٢٥. ولكن لماذا كلّ هذا الإصرار على الرّجاء؟ هذا واضح، لأنّ هناك حاجة كبيرة للرّجاء في عالمنا! إنّ عالمنا يفتقر للرّجاء، إزاء العديد من المآسي الشّخصيّة والجماعيّة التي يعيشها. رجاء لا يكون انتظارًا فارغًا، انتظار لتحسُّن الأمور، بطريقة سحريّة تقريبًا؛ وإنّما رجاء يقوم، على الأقل بالنّسبة لنا نحن المسيحيّين، على الإيمان، أيّ على حضور الله في تاريخنا، والذي يتحوّل في الوقت عينه إلى التزام شخصيّ وجماعيّ، التزام فعّال، من أجل تحسين العالم؛ ويمكننا أن نقوم بذلك معًا، مؤمنون وعلمانيّون، وجميع الذين يقتنعون بهذه الإمكانيّة. وبالتّالي، يبدو لي واقع أنّ البابا يتوجّه إلى بلدان بعيدة جغرافيًّا ويواجه أيضًا المضايقات النّاتجة عن ذلك يدلّ على استعداده لأن يقدّم شهادة فعّالة ويعزز الرّجاء بشكل ملموس في الحاضر."

وإختتم أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، مقابلته مع وسائل الإعلام الفاتيكانيّة بالإجابة عن سؤال حول ما هو رجاؤه وما هي انتظاراته من هذه الزّيارة وقال :أنا أشارك انتظارات الأب الأقدس، تلك التي حاولت أن أصفها. كذلك، يبدو لي أنّ الزّيارات الرّسوليّة للبابا، لخليفة بطرس، لها أهمّيّة كبيرة وفعاليّة في لفت انتباه الكنيسة جمعاء إلى جماعات معيّنة تكوِّنها، والتي، كما في حالة منغوليا، هي صغيرة من حيث العدد، وبالتّالي فهي تخاطر قليلًا، ربّما، بألّا أن تكون معروفة دائمًا بشكل كافٍ، في المقام الأوّل، وإنّما أيضًا بألا يتمَّ تقديرها وأخذها في عين الاعتبار؛ ومن ناحية أخرى، يسمح لهذه الجماعات بأن تقدّم إسهامها للكنيسة ككلّ، مع لفت الانتباه إلى ما هو أساسيّ في حياتها ورسالتها. وبالتّالي فهي تشبه إلى حدّ ما الجماعات المسيحيّة الأولى التي علينا أن نستلهم منها. وأنا على ثقة من أن هذا سيحدث، وسيحدث أيضًا في هذه المناسبة. ولهذا أؤكد أيضًا صلواتي".