الياس ابراهيم كاهن جديد في أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك بوضع يد المطران درويش
بعد العظة، ألقى المطران درويش عظة هنّأ فيها الكاهن الجديد متوجّهًا إليه وإلى الحاضرين بالقول: "اليوم تنتهي حقبة من حياة الشّمّاس الياس ابراهيم وتبدأ حقبة جديدة. كنّا نناديه شمّاسًا والآن تناديه الكنيسة أبونا، فهو برسامته أصبح كاهن المسيح وراعيًا لرعيّة المسيح. يبدأ مرحلة جديدة من تاريخه فبعد أن يركع على عتبة الهيكل وبعد صلاة وضع الأيدي يصير اسمُه أبونا الياس، أبٌ روحيٌ لكثيرين، هذه الأبّوة هي بريقٌ من أبوّة الله لنا. إنّه منذ الآن مدعوّ ليلد كثيرين بيسوع المسيح كما يقول بولس الرّسول: "ليس لكم عدّة آباء، لأنّي أنا الّذي وَلَدكم بالبشارة" (1كور4/15).
إنّ أجمل ما قرأت في الكتاب المقدّس مقطعًا من سفر إرميا النّبيّ: "قال الرّبّ لي: "قبلَ أنْ أُصوّرَكَ في البطنِ اخترتكَ، وقبلَ أن تخرجَ من الرَّحِمِ كَرّستُكَ وجعلتُكَ نبيًّا للأمم".
هذه الكلمات تنطبق اليوم على الياس فالرّبّ دعاه منذ البدء، ليكون مُكرّسًا وكاهنًا لخدمة الكنيسة ولخدمة الإنسان، وقد استعدّ استعدادًا حسنًا لهذه الرّسامة: دراسته في إكليريكيّة دير المخلّص ومن ثمّ في إكليريكيّة الرّبوة وعند الآباء الشّويريّين وفي الجامعة، فالرّبّ أحبّهُ وحمَلَهُ في قلبهِ واجتذَبَهُ إليه وهيّأهُ لهذه السّاعة.
الرّبّ يدعو والكاهن يشكر. يشكر الله على نعمة كهنوته واختياره له ليمثّله في العالم ويظهر وجهه أمام الشّعوب، يشكر الله لأنّه يصير رجل الإفخارستيّا ويجعل يسوع في متناول الجميع، حاضرًا في قلب الجماعة وفي قلب كلّ واحد من الجماعة.
فاجأني مرّة أحد الأصدقاء بقوله "أنتم الكهنة رجال خطرون". للوهلة الأولى ظننته يمزح معي لكنّني قبل أن أخلد إلى النّوم في ذلك اليوم، فكّرت مليًّا وجدت أنّ ما قاله صديقي صحيح جدًّا، لأنّنا نحن الكهنة نتمتّع بتأثير كبير على النّاس ولاسيّما أبناء رعيّتنا وبناتها، وهم يعطونا الحقّ بأن نتدخّل في حياتهم الخاصّة وبأن نساعدهم في خياراتهم في الحياة ويمنحوننا سلطة بأن نكون الحَكم في أمورهم الخاصّة. فإذا ما وقعت ثقتهم هذه في أيد غير صالحة أو غير متوازنة تسير أمورهم في طُرق أخرى وربّما خاطئة، لذلك تعلّمت خلال حياتي أن أكون يقظًا في ممارسة السّلطة وقيادة المؤمنين.
دُعيت مرّة لتناول طعام الغداء في مطعم شرقيّ في مدينة سيدني مع بعض الأصدقاء ولمّا انتهينا استوقفتني فتاة تعمل في المطعم يتدلّى من عنقها صليب وعلى يدها وشم كتب عليه: "يسوع المسيح". سألتني منذ كم سنة أنت كاهن؟ فقلت لها: منذ عام 1972، وتركت لها أن تُعدّ السّنوات.. تجرأت وسألت ثانية "هل أنت فرح في كهنوتك" فقلت لها من دون تردّد: السّعادة تغمرني والفرح يملأ قلبي منذ يوم رسامتي. استوقفتني برهة ونادت شابًّا يعمل نادلاً في المطعم ليسمع الحديث وأضافت: هل هناك شباب يريدون أن يصيروا كهنة في هذه الأيّام الصّعبة؟ عرفت ما يجول في خاطرها وبدأت أشرح لها بأنّ المسيح لن يترك كنيسته وسيرسل دومًا كهنة يُكمّلون عمل الرّسل الّذين اختارهم يسوع؛ والكاهن في تقليدنا الشّرقيّ إمّا أن يكون عازبًا أو متزوّجًا وبأنّ هؤلاء الكهنة المتزوّجين هم الّذين حافظوا على إيماننا في الشّرق إبّان اضطهاد المسيحيّين عبر تاريخنا. في نهاية شرحي الّذي استفضت فيه في التّحدّث عن رسالة وجمال الكهنوت قالت الفتاة: لم أكن أعرف كم هو دور الكاهن مهمّ في الكنيسة ولاسيّما دور الكاهن المتزوّج، فليتبارك اسم يسوع.
الكاهن هو إنسان عاديّ محدود كباقي البشر وضعيف مثل أيّ إنسان ويحمل من العواطف الإنسانيّة ما يحمله أترابه، لكنّه بنفس الوقت هو "مأخوذ من بين النّاس ويقيم لدى الله من أجل النّاس"، اختاره المسيح ممثّلاً له وهو برضاه اختار أن يكون أمينًا له وأن ينقاد بطواعيّة للرّوح القدس.
صفة ثانية أودّ أن أركّز عليها في حياة الكاهن هي محبّة الفقراء. الكاهن الّذي لا يحبّ الفقراء فهو كاهن مُزيّف ولن يجد السّعادة في حياته.
في صيف عام 1984 التقيت في مدينة روما بالأمّ تريزا الّتي قضت حياتها في خدمة الفقراء والمحتاجين والمرضى، وفي حديث لها لمجموعة من الكهنة سردت لنا هذه الحادثة: "جلبوا لنا رجلاً من الشّارع مليئًا بالقروح ولم يكن أحد يجرؤ أن يقترب منه بسبب مرضه ورائحته الكريهة، استقبلته بفرح كبير وبعد أن انتهيت من غسله وتنظيفه نظر إليّ وسألني "لماذا فعلت هذا ولماذا تهتمّين لأمري، لقد رماني الجميع وأنت أتيتِ إليّ ولمستني؟ "فقلت له: "لأنّي أحبّك فأنت بالنّسبة لي تمثّل يسوع في بؤسه، إنّه يشركك اليوم في آلامه". رفع عينيه وقال لي ثانية: "أنت أيضًا تشاركينني بؤسي وفقري" فقلت له: "لا، أنا أشاركك المحبّة وأحبّ يسوع من خلالك" وفي نهاية حديثنا تمتم هذا الرّجل وهو يتألّم: "المجد ليسوع المسيح".
لذلك من المهمّ جدًّا أن يتعاطف الكاهن مع الأخوات والأخوة الفقراء، ولكن مطلوب منه أيضًا أن يعتنق حياة بسيطة تدلّ على قناعاته بمشاركتهم ظروف حياتهم. فمن المؤكّد أنّ يسوع عندما أعلن لتلاميذ يوحنّا المعمدان أنّ "الفُقراء يُبَشَّرون" كان يعني إبلاغهم خبرًا مفرحًا؛ وأيّة بشرى أفضل لهؤلاء من أن يترجم لهم عمليًّا الكاهن، حامل البشرى والمؤتمن عليها، بأن الله يحبهم ويريد أن يُغيّر أوضاعهم ويحرّرهم من كلّ حرمان يعيشونه! من المؤكّد أنّ الكاهن يعجز عن إعلان أيّ خبر مفرح لليتيم والفقير والمعوز ما لم يختبر هو هذه الأوضاع الاجتماعيّة الصّعبة وما لم يورّط نفسه بالعيش مثل هؤلاء.
معكم اليوم أيّها الأحبّاء، نرحّب بالياس إبراهيم كاهنًا بين إخوته الكهنة، كاهنًا في أبرشيّتنا، لخدمتكم وخدمة الجميع بدون استثناء، ونتمنّى له أن يسير مع إخوته الكهنة في درب القداسة.
أهنّئ والديه فبدون صلواتهما ودعمهما كان من الصّعب عليه أن يصل إلى هذه السّاعة المقدّسة، كما أهنّئ زوجته ريتا ودعمها له في مسيرته الكهنوتيّة.
أشكر حضوركم أيّها الأحبّاء وأتمنّى عليكم أن تذكروا الكاهن الجديد في صلواتكم."
هذا ويحتفل الكاهن الجديد بقدّاسه الأوّل في كنيسة السّيدّة- مشغرة يوم الأحد 11 شباط/ فبراير عند السّاعة الحادية عشرة قبل الظّهر.