المنتدى الاجتماعيّ - الاقتصاديّ لبكركي يختتم أعماله
وافتتحت أعمال المنتدى بعد أن رفع غبطته الصّلاة ورحّب بحاكم مصرف لبنان الدّكتور رياض سلامة، وبالحضور.
وكانت للإعلامي كريستيان أوسي الذي قدّم لأعمال المنتدى على مدى يومين كلمةً شكر فيها لرئيس المؤسّسة البطريركيّة المارونيّة للإنماء الشّامل، البطريرك الرّاعي "الرّاعي والحاضر والمستقبل، حضوره ومشاركته في كافّة أعمال المنتدى منذ انطلاقته حتّى ختامه."
كما وجّه أوسي إلى نائب رئيس المؤسّسة الدّكتور سليم صفير وأعضاء الهيئة التّنفيذيّة ومجلس الأمناء تحيّة شكر على "ما أبدوه من تعب في سبيل تثبيت الحضور المسيحيّ تحقيقًا للبنان التّنوّع والتّعايش بين الأديان والحضارات."
ثم قدّم لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقال: "التّرحيب بشخصيّة نفتخر كلّنا بوجودها معنا. لقد تحمّل المسؤوليّة في ظروف صعبة فكان الملاذ وخشبة الخلاص. إنّه شخصيّة يعلّق كلّ اللّبنانيّين عليه أملهم لضمان مصيرهم النّقديّ ومصير وطنهم الاقتصاديّ. وهنا لا بدّ من ذكر ما قاله عنه يومًا الدّكتور سليم صفير، واصفًا طبيعته بأنّها سيّدة نفسها أعصابه فولاذيّة وبصيرته ثاقبة وهو يتوقّع ما هو مقبل. في الأزمات لا يتصرّف كعادي أبدًا، يرى الأمور من علوّ ويحلّلها أفقيًّا وعاموديًّا، يتفاعل بعقله وبحكمة يقدّم الحلّ المطلوب. وعلى الرّغم من أزمات لبنان حدّد رياض سلامة خطّ سيره: الثّبات النّقديّ وإعادة الثّقة بالعملة الوطنيّة والقطاع المصرفيّ. ولبنان بوضعه الاقتصاديّ رهن يديه."
وألقى حاكم مصرف لبنان الدّكتور رياض سلامة الذي حضر بصفة ضيف شرف، كلمة وقال: "منذ العام 2015، نواجه حملات ترتكز في جزء كبير منها على واقع يعيشه لبنان سياسيًّا واقتصاديًّا. كما أنّ هذه الحملات ترتبط أيضًا، بشكل أو بآخر، بالقرار المتّخذ للتّصويت على قانون في الولايات المتحدة لمكافحة تمويل "حزب الله" عالميًّا.
وأعتقد أنّه انطلاقًا من هذا القانون، حصل تغيير في التّعاطي مع لبنان، إن كان ماليًّا أو نقديًّا، واختلفت القواعد التي كان لبنان يعمل على أساسها ما قبل هذا القانون. وبات هناك اهتمام أكبر بالإعلام، إمّا الدّوليّ أو في المنطقة، والذي عندما تكون هناك مفاصل أساسيّة نجد أنّه تنشر تحليلات وتقارير، وحتّى تنظّم حملات، عن الوضع الاقتصاديّ والاستقرار النّقديّ في لبنان.
ونحن في لبنان لدينا داخليًّا معطيات تساعد على هذا الأمر. فالواضح أنّ عجز الموازنة الذي يعلن عنه مرتفع أكثر من امكانات لبنان، يضاف إليه عجز آخر مهمّ أيضًا، وهو ذاك النّاتج عن الاستيراد أيّ العجز في الحساب الجاري. هذان العجزان المزدوجان يفرضان ضغطًا دائمًا على معدّلات الفوائد وعلى إمكانات التّمويل الدّاخلة. فعجز الماليّة العامّة الذي ارتفع بعد اقرار سلسلة الرّتب والرّواتب يجب أن تموّله الدّولة، لكن تمويله بات أكثر تكلفة، وخصوصًا أنّ الفوائد عالميًّا ارتفعت، وواكبتها معدّلات الفوائد في لبنان ولكن بمستوى أعلى، بمعنى أنّ الحاجات الموجودة لتمويل الدّولة باتت أكبر بكثير. فالأموال تتوجّه إلى الخارج لأنّنا نستورد بما قيمته مليار دولار ولا نصدّر إلّا بملياري دولار فقط. وبالتّالي، فإنّ معظم الأموال الموجودة أو تلك التي تتحقّق من الاقتصاد اللّبنانيّ تخرج من لبنان لتمويل متطلّبات الاستيراد.
هذه الوقائع تتطلّب أن تكون هناك حركة إصلاحيّة تساهم في تصغير حجم القطاع العام الذي بات عبئًا كبيرًا على الاقتصاد، وتخلق ثقة من خلال هذه الاصلاحات لجذب الاستثمارات.
وفق الأرقام، فإنّنا خلال السّنوات الأربع أصبح العجز المتراكم للدّولة يناهز الـ20 مليار دولار؛ أيّ أنّها أموال اضطرّت الدّولة أن تنفق أكثر من ايراداتها بهذا المبلغ. وفي المقابل، لم يزد النّاتج المحلّي إلّا بقيمة 4 مليارات دولار فقط. بمعنى آخر أنّنا ضخّينا مبلغ 20 مليار دولار في الاقتصاد، ولم يعط نتيجة في النّاتج المحلّيّ لكي يتعدّى الـ4 مليارات دولار. وهذا يعني أنّنا لم نستطع أن نسجّل العجز الذي يمكن أن يخلق استثمارات وفرص عمل، بل هو في معظمه عجز يصبّ في الهدر.
وأمام هذه الصّورة، فإنّ مصرف لبنان، ومن ضمن ما يسمح به القانون، اتّخذ خيارات واضحة للمحافظة على الاستقرار النّقديّ؛ بحيث يبقى لدينا مخزون من المال نحرّكه بشكل حرّ وطلق، من خلال احترام القوانين الدّوليّة وذلك ريثما نصل الى مكان تصبح هناك امكانيّة إلى الاستثمار. ولتحقيق هذه الأهداف، كان مصرف لبنان واقعيًّا جدًّا.
نحن نعترف أنّ الاقتصاد اللّبنانيّ مدولر، وهذا يعني أنّ الاولويّة في سياستنا النّقديّة ستكون استقطاب الدولارات نحو لبنان، فاذا لم تكن هناك كميّات وافرة من الدّولارات في لبنان، لن يكون هناك اقتصاد في لبنان. فـ75 في المئة من العمليّات التي تتم في لبنان هي بالدولار. ولاستقطاب الدّولارات هناك أسس يجب أن نعمل عليها وهي؛ أوّلاً المحافظة على الثّقة. والحجر الزّاوية للمحافظة على هذه الثّقة هو استقرار سعر صرف اللّيرة اللّبنانيّة واحترام توجّه السّوق في تحديد معدّلات الفوائد. فالفوائد، كما ذكرت، ارتفعت عالميًّا، وفي لبنان، لكن بنسبة أكبر من تلك التي ارتفعت فيها عالميًّا، نظرًا للمخاطر التي يعيشها وللأزمات السّياسيّة التي يمرّ بها. هذه المخاطر لها علاقة بالوضع في المنطقة، فيما الأزمات السّياسيّة تترجم في التّأخير بتشكيل الحكومة.
إنّ الاقتصاد بشكل عام يتأثّر بالفوائد، ولكن هذا التّأثّر يبقى محدودًا. بمعنى أنّ هناك عناصر أخرى مهمّة كتوافر السّيولة ونوعيّتها، والمناخ السّياسيّ، والاستقرار في القوانين، وضبط العجز العام لتعزيز الثّقة لدى المستثمرين. كلّها عناصر توازي أهميّتها أهميّة الفوائد. لذا، إذا أردنا أن نحقّق نموًّا اقتصاديًّا لا يجب أن ننظر إلى مستوى الفوائد فقط. كذلك، فانّ المنطقة تعاني اليوم. فالنّموّ في منطقة افريقيا الشّرق الأوسط لعام 2018 هو في حدود 2 في المئة. وفي لبنان، فإنّ النّمو قريب من نسبة الـ2 في المئة وذلك رغم أنّ فوائدنا مرتفعة أكثر، وذلك لأنّنا حافظنا على عنصر الثّقة. ولكن اقتصادنا قادر على النّموّ بشكل أكبر، لو توافر الاستقرار السّياسيّ."
وعرض سلامة لأمثلة عن محدوديّة الفوائد على النّموّ، لافتًا إلى أنّه " في مصر تراوح معدلات الفائدة بين 18 و20 في المئة اليوم، لكن الاقتصاد المصريّ يحقق نموًّا أعلى ممّا يحقّقه لبنان أو في الدّول العربيّة الأخرى، فهو يصل إلى حدود الـ5.5 في المئة. وإذا أخذنا أيضًا دول أهمّ من لبنان كانلكترا مثلاً، فإنّ الفوائد فيها هي صفر ولكن المشكلات السّياسيّة وما نتج عن "بريكست" تجعل الاقتصاد يتراجع ولا ينمو. هذا لأقول أنّ الفائدة ليست دائمًا هي الأساس للاقتصاد، وأنّه لا يجب أن نربط النّموّ في الاقتصاد بمستوى الفوائد، أو أن نقول أنّه يجب خفض مستوى الفوائد لكي ينمو الاقتصاد.
وبما أنّ الاقتصاد اللّبنانيّ مدولر، فهو لا يستفيد أبدًا من خفض قيمة اللّيرة، لذلك نحن متمسّكون بهذا الاستقرار. فالاستقرار في سعر صرف اللّيرة يعطي ثقة لوضعنا الماليّ والاقتصاديّ، كما يؤمّن مدخولاً لمن يملك أموالاً باللّيرة. واذا نحن خفّضنا سعر صرف اللّيرة، كما يقول البعض، فانّ الاقتصاد اللّبنانيّ لن يستفيد أبدًا، لأنّه مدولر وأيّ خفض سيسبّب زيادةً في التّضخم وفي معدلات الفوائد والأجور، ويُفضي إلى نتيجة واحدة هي فقدان الثّقة والرّكود الاقتصاديّ. كما ستكون عواقبها مؤلمةً جدًّا. فلننظر إلى ما حصل في تركيّا مؤخّرًا من انخفاض سعر صرف عملتها وهو ما تسبّب بزيادة التّضخّم ومعدّلات الفوائد إلى 25 في المئة، وبتراجع النّموّ الاقتصاديّ. كما خفضت الوكالات الدّوليّة تصنيف تركيا، إذ اعتبرت أنّ انخفاض العملة يزيد من صعوبة استقطاب الرّساميل الأجنبيّة إلى تركيا.
إنّنا مرتاحون إلى الاستقرار في سعر صرف اللّيرة وبالنّموذج اللّبنانيّ القاضي بالحفاظ على ثبات سعر صرف اللّيرة، والذي يستخدم الدّولارات المؤمّنة بفضل الثّقة ولا يعتمد النّموذج اللّبنانيّ على عائدات الموارد الوطنيّة، باعتبار أنّ لبنان ليس لديه موارد من المواد الأوّليّة، وليس لديه دولارات محصّلة من الصّادرات.
لقد اقرض القطاع المصرفيّ القطاع الخاصّ بما يساوي 60 مليار دولار؛ وهذا يشكّل حجمًا أكبر من حجم الاقتصاد اللّبنانيّ البالغ 45 مليار دولار. يقال الكثير أنّ أموال المصارف تذهب إلى تمويل الدّولة، فهذا الرّقم يظهر أنّ جزءًا منها يذهب إلى تمويل الدّولة، ولكن معظم هذه الأموال موضوعة في سوق التّسليف في لبنان. فنحن، ومن خلال الهندسات الماليّة التي قمنا بها، استطعنا أن نستقطب الأموال، وهي أفادت الاقتصاد، وسنتابع بهذه السّياسيّات التي تعطينا النّتائج المطلوبة.
وإنّ الفوائد في لبنان ستظلّ مرتفعة، لاسيّما أنّ زيادة الأجور في القطاع العام وارتفاع أسعار النّفط دفعت بالتّضخّم إلى أكثر من 7%. والمخاطر التي نواجهها، سياسيّة كانت أم ماليّة، تتطلّب أن نحترم إرادة السّوق. واليوم السّوق تتطلّب فوائد. ولكن هنا أيضًا أوضح بعض النّقاط: إنّ معدلات الفوائد في لبنان اليوم أعلى ممّا كانت عليه منذ سنة. في تشرين الثاني 2017، عمد مصرف لبنان إلى رفع الفوائد بسبب الأزمة السّياسيّة التي ولّدتها استقالة دولة الرّئيس سعد الحريري أثناء تواجده في المملكة السّعوديّة. كان رفع الفوائد ضروريًّا آنذاك في ظلّ ضغوط السّوق. تحمّلنا حينها تكلفة زيادة الفوائد للمودعين وتأكّدنا أنّ المودع وليس المصرف، هو المستفيد من هذه الزّيادات. بعدها، خلال سنة 2018، ارتفعت معدلات الفوائد في الولايات المتّحدة وفي الأسواق النّاشئة. ولجأ مصرف لبنان إلى عمليّات ماليّة من شأنها أن تصون قدرة المصارف اللّبنانيّة التّنافسيّة على استقطاب الرّساميل. هذه العمليّات الماليّة بقيت محدودة ولم تشمل أكثر من 1% من مجموع الودائع في لبنان. لذا فإنّ معدّل الفوائد على الودائع المصرفيّة هو 4.7% على الودائع بالدّولار و7.65% على الودائع باللّيرة. أمّا الفوائد على القروض فبلغت 8.12% +1/2 % على الدّولار على سنة و9,13 % + 1% على اللّيرة على سنة، وهي فوائد أدنى من الفائدة المرجعيّة لجمعيّة المصارف بسبب تأثير الفوائد المدعومة من مصرف لبنان. وبالتّالي، إنّ على الموازنة والاقتصاد أن تتأقلم مع واقع عدم خفض الفوائد.
إنّ القطاع المصرفيّ في لبنان متين، ونحن عملنا مع المصارف أن يكون لدينا قطاع مستوف لكلّ الشّروط المطلوبة دوليًّا، وأيضًا أن يتمتّع بملاءة وأن يحترم القواعد الدّوليّة، لأنّ هذا القطاع اليوم بات يمثّل نحو أربع مرّات حجم الاقتصاد، وصار أيضًا هو قطاع يخدم اللّبنانيّين المقيمين وغير المقيمين.
ونحن ملتزمون السّياسة نفسها في منع حصول أيّ إفلاس في القطاع المصرفيّ، ومن يواجه أيّ مشكلة لدينا قواين تسمح لنا بالمساعدة على دمجه مع مصرف آخر قادر. كما أنّ تطبيق المعايير الدّوليّة، وخصوصًا الـIFRS9 تم والمافر اللّبنانيّة مستوفية كلّ الشّروط المطلوبة. كما تتمتّع بنسبة ملاءة مرتفعة بحيث تعدت ال 15 في المئة بالنّسبة إلى مقررات بازل 3. وهذه الملاءة من أعلى المستويات الموجودة عالميًّا.
كما أنّ لبنان طوّر نظام امتثال يساعدنا على تطبيق العقوبات التي نحن ملتزمون بتطبيقها. لقد بات لبنان مستوفيًا كلّ شروط الامتثال ولدينا كلّ القوانين لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهذا باعتراف دوليّ. وعلاقتنا جيّدة مع كلّ الجهات الخارجيّة، وهذا الأمر أساسيّ لأنّ لبنان بلد بعيش على التّحويلات والتّجارة وسهولة التّحويلات أساسيّة للاقتصاد اللّبنانيّ.
واليوم عالميًّا، هناك تسع مصارف تنفّذ كلّ التّحويلات الدّوليّة، فاذا لم تكن المصارف اللّبنانيّة قادرة على أن تتواصل مع أحد هذه المصارف، فعملها سيتوقّف في بيروت. ولذا المصرف المركزيّ كان دائمًا حريصًا على احترام القوانين الدّوليّة، والتّوصل الدّائم مع السّلطات في الخارج، وحثّ جمعيّة المصارف إلى التّواصل مع هذه المصارف الكبيرة في الخارج، وهذه الخطّة نجحت. فليس لدينا في لبنان أيّ مصرف واجه صعوبات في تحويلاته إلى الخارج، وهذا أمر ليس سهلاً في دول أخرى افريقيّة أو شرق أوسطيّة. فنتأمّل أن تتشكّل حكومة تدخل على مشروع إصلاحات لخفض حجم القطاع العامّ وخفض العجز عامّة، وأن يكون هناك بداية تطبيق لمقرّرات مؤتمر سيدر، التي نعلم جميعًا أنّ نتائجه لن تكون سريعة، ولكن بداية تطبيقه تمنح ثقة للسّوق. ونحن نؤكّد دومًا أنّ مصرف لبنان يملك الإمكانات، وهو يريد استمرار الاستقرار حتّى نصل الى أن تصبح الدّولة في مكان قادرة على القيام بما يفيد الاقتصاد وسوق التّوظيف."
بدوره رحّب نائب رئيس المؤسّسة البطريركيّة المارونيّة للإنماء الشّامل الدكتور سليم صفير بالدّكتور رياض سلامة مشيدًا "بدوره المشهود في تركيز الثّبات النّقديّ للعملة الوطنيّة في الظّروف الصّعبة ما سمح للبنان بقطاعيه العامّ والخاصّ الحفاظ على حدّ مقبول من الاستقرار."
كما أشاد صفير بدور سلامة "في إصدار الإجراءات والتّعاميم التي مكّنت القطاع المصرفيّ من لعب دور رائد في تطوير الإطار الاقتصاديّ بالتّوافق مع التّدابير الماليّة العالميّة."
ثم كان عرض لوثائقيّ عن سيّدة لبنان، تلته شهادة لمغترب لبنانيّ من الشّوف، شدّد فيها على تعلّقه الكبير بأرض الوطن؛ الأمر الذي دفعه إلى الاستثمار في بلدته من خلال مشاريع زراعيّة وانمائيّة لخلق تعاونيّات، وتربية مواشي، تؤمّن فرص عمل لعدد من أبنائها وتفتح المجال أمام تحقيق أفكار جديدة تنعش اقتصاد المنطقة وهي "أتت على شكل مبادرات فرديّة خاصّة."
بعدها افتتحت الجلسة الخامسة بعنوان "التّحدّيات والفرص المستجدّة وكيفيّة التّعاطي معها" وكانت مداخلات لاقتصاديّين من لبنان والانتشار؛ شدّدوا فيها على "أهميّة الاستثمار في لبنان في كافّة القطاعات؛ الأمر الذي يربط أبناء الاغتراب بالوطن الأم وينعش الدّورة الاقتصاديّة في لبنان، ليس فقط من خلال إرسال أموال المغتربين، وإنّما أيضًا من خلال تنفيذ مبادرات تخلق فرص عمل للشّباب في أرض الوطن. وكان تشديد على ضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، من أجل تطبيق مؤتمر سيدر الذي ينعش الحياة الاقتصاديّة في لبنان."
وفي ختام أعمال المنتدى أصدر المجتمعون بياناً ختاميًّا، جاء فيه:
بمبادرة كريمة من البطريرك السّابع والسّبعين لأنطاكية وسائر المشرق للموارنة، الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، رئيس "المؤسّسة البطريركيّة المارونيّة العالميّة للإنماء الشّامل"، نظّمت المؤسّسة "المنتدى الاقتصاديّ–الاجتماعيّ الدّوليّ" الأوّل من نوعه في لبنان.
لبّى الدّعوة إلى هذا المؤتمر الذي عُقد على مدى يومين، في بكركي، مشكورًا، كلٌّ من أساقفة الأبرشيّات المارونيّة في العالم، وشخصيّات اقتصاديّة ورجال أعمال من أوستراليا، الولايات المتّحدة الادأميركيّة، كندا، البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، ومن بلدان أوروبا، وافريقيا، لاقاهم من لبنان عدد كبير من نظرائهم العاملين في مختلف المجالات.
ترأّس صاحب الغِبطة المؤتمر، وحَثَّ المشاركين على أبواب الذِّكرى المِئويّة السّنويّة الأولى لتأسيس لبنان الحديث، بجهود البطريرك الياس الحويك، إلى "استلهام الماضي، لنبني معًا المستقبل".
عرض المُجتَمِعون من خلال منصّات النّقاش التي جمعت الكثير من أهل الاختصاص من المنتشرين والمُقيمين، أفكارًا ومشاريع، بهدف صياغة تَصَوُّر مُستقبَلي مَبنيّ على الخُبرات والتّجارب المكتسبة، كما ناقشوا الأوضاع الصّعبة التي يعيشُها اللّبنانيّون، خصوصًا المسيحيّين، انطلاقًا من أنّ رسالة المسيحيّين الحضاريّة في لبنان والشّرق الأوسط، تستوجب توفير سُبُل دعمِهم، حِفظًا للتّنوّع الذي جَعَلَ من هذا الوطن مُختَبَرًا حيًّا للتّفاعُل بينَ الأديان والحضارات وردًّا صريحًا من كلّ مكوّناته، مُسلمين ومسيحيّين، على دعوات الإلغاء والتّكفير وموجات العنف التي تلفّ المنطقة. فلبنان منذ أن كان، أرسى ثقافة التعدّدية والدّيمقراطيّة والاعتراف بالآخر، وكان المسيحيّون فيه همّ الرّواد.
أبدى المجتمعون إعجابهم بما تمكّن لبنان من المحافظة عليه، من مستوى علميّ وحضاريّ وحتّى اقتصاديّ، بالرّغم من كلّ الأزمات الكارثيّة التي حلَّت فيه وأحاطت به، وما تسبّب به توافد النّازحين واللّاجئين مع كلّ تداعيات هذا التّواجد، وبالرّغم من قيامه بواجبه الانسانيّ والاجتماعيّ معهم في انتظار تسهيل عودتهم إلى بلادهم، مسجّلين في الوقت نفسه تقديرهم لمستوى التّعليم الجامعيّ والمدرسيّ والخدمات الاستشفائيّة، وما أسهم به كل ذلك من تخريج خيرة من النُّشَئ كان لها دورها في تطوير كلّ القطاعات في لبنان والمنطقة.
كما ناقش المُجتَمِعون سِلسِلة من المشاريع الإنمائيّة – التّربويّة – الاجتماعيّة الهادفة إلى تمتين شبكة الأمان الاجتماعيّ، تفعيلاً للتّنمية المستدامة، خصوصًا في مناطق الأطراف، بهدف الحدّ من هجرة الشّباب وصَوْن العطاء الحضاريّ المُستمِر منذ أربعةَ عشرَ قرْنًا، ارتكازًا على مبدأ العَوْنة الذي مَيَّز أهل لبنان.
وخلُص المجتمعون إلى التّوصيات الآتية:
تفعيل المنتدى ليصبح مؤسّسة دائمة تعمل على دعم رسالة البطريركيّة المارونيّة في تثبيت الحضور المسيحيّ في لبنان، بالتّعاون مع الطّاقات المسيحيّة اللّبنانيّة في العالم لتحقيق هذا الواجب، حفظًا لصورة لبنان التّعدّدي التّنوّعيّ.
إنشاء أمانة عامة للمنتدى، وتَقرّر في هذا الإطار، بالإجماع إختيار راعي أبرشيّة أستراليا للموارنة المطران أنطوان-شربل طربيه لتولّي هذه المسؤوليّة والطّلب إليه تكليف ممثّلين للأمانة في مُختلف دول الانتشار لجعل العمل تنفيذيًّا من خلال وضع خطّة عمل استراتيجيّة للمرحلة المقبلة، مع العمل على جعل المنتدى هيئة فاعلة تعمل على عقد مؤتمرها بشكلٍ سنويّ في لبنان. مع توسيع مروحة المشاركة لتشمل كلّ الطّاقات الاغترابيّة والمقيمة، دعمًا للمشاريع الحياتيّة الأساسيّة، لإحداث الفارق المُرتَقَب في بناء حضورنا في المستقبل، ومواجهة التّحدّيات. وتقرّر أن يكون الأمين العام المرشد الرّوحيّ للمنتدى.
التّشديد على دور الشّبيبة في لبنان ودول الانتشار كعنصر استمرار للتّواصل، وحثِّهم على الانخراط في العمل الجماعيّ والتّطوّعيّ لغاية وطنيّة عُليا، والسّعي إلى بناء الثّقة المتبادلة المبنيّة على مصداقيّة وشفافيّة مُطلقة تصُبّ في خدمة لبنان.
العمل على نشر فلسفة أهميّة حضور لبنان، كعنوان لبقاء المسيحيّين في الشّرق، من خلال دعوة المنتشرين وكنيسة الاغتراب إلى نشر المفاهيم، لتعي الأجيال الجديدة غنى تراث الأجداد والآباء، وحثّ المنتشرين على تكثيف زياراتهم وأفراد عائلاتهم إلى لبنان، وتفعيل التّواصل.
شكر الحاضرون لسيّد بكركي مبادرته، وللمؤسّسة البطريركيّة المارونيّة العالميّة للإنماء الشّامل جهودها، وللمنتشرين غيرتهم ومشاركتهم الكثيفة في هذا المؤتمر، بما يمثّل تجسيدًا للارتباط الكينونيّ بلبنان ورفضًا لليأس، متمنّين المضيّ في هذه الخطّة الطّموحة، الهادفة إلى خلق ديناميّة تفاعل مشتركة، تعمل على ترسيخ وجود لبنان مثالاً للتّنوّع والغنى الحضاريّ، وتحافظ عليه رائد تقدّم ثقافيّ– اقتصاديّ– اجتماعيّ كما كان ... وكما يجب أن يستمرّ.