المطران يوحنا الورشا مترئّساً القداس لراحة نفس البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في ريفون
وعاون الورشا المطرانان بولس صياح والياس نصار وكاهن الرعية عبدو مبارك ولفيف من الكهنة، بمشاركة عائلة الراحل ورئيس واعضاء مؤسسة البطريرك صفير والأهالي.
بعد تلاوة الانجيل المقدس ألقى المطران الورشا عظة تحدث فيها عن المعاني الروحية لعيد التجلي، شارحا لهذا الحدث وثماره الروحية، ثم انتقل الى مسيرة حياة البطريرك الكبير، وقال: "كلفني فشرفني صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى أن أرأس باسمه هذه الذبيحة الإلهية في عيد تجلي الرب، وفيها نذكر المثلث الرحمة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير. وهو قد أوصى بأن نرفع له الصلاة إلى الله بنوع خاص في هذا العيد الغني بالمعاني الروحية.
إن التجلي على جبل طابور ينقلنا إلى حالة روحية جميلة ينبغي أن تصبح حالة دائمة نرى فيها تجلي الله وظهوره من خلال أشكال شتى. كيف تم هذا الحدث بحسب الإنجيليين وما هي ثماره الروحية؟ وكيف ظهر التجلي في مسيرة حياة البطريرك الكبير الذي جعل من بكركي والديمان والأمكنة التي وطئتها قدماه جبل طابور؟".
اضاف: "إن صعود يسوع مع بطرس ويعقوب ويوحنا إلى الجبل وظهوره لهم بمظهر غير مألوف كما تعودوا أن يروه، ينقلهم إلى حالة سماوية، حالة المجد. فإنه يكشف عن ذاته بحقيقته الإلهية، بالنور العظيم الذي يملأ وجهه، باللباس الأبيض الناصع كالثلج. كل ذلك بحضور موسى وإيليا (الشريعة والانبياء)، وهو استباق لقيامته من بين الأموات بعد الألم والموت. إنها لوحة رائعة تضعنا أمام العهدين القديم والجديد ويسوع في وسطهما يتمم النبوءات ويطلق الكنيسة للتبشير به. فالعهد القديم بشخص موسى وإيليا والعهد الجديد والكنيسة في شخص يعقوب ويوحنا وبطرس. وكل الذين عاينوه سيخوضون المسيرة ذاتها التي سيخوضها يسوع الفادي، الألم والموت ثم ينبلج بعدهما نور القيامة. كما وأن الآب يكشف عن حقيقة ابنه: هذا هو ابني الحبيب، إنها حقيقة الثالوث التي تتجلى على الجبل، مكان اللقاء الحميم بالله، الآب يعلن: هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا. والغمامة هي رمز الروح القدس الذي يرافق الابن في مسيرته الخلاصية. هذا الظهور الثالوثي شبيه بالاعتلان يوم معمودية يسوع على نهر الأردن".
وأردف: "إن جبل طابور يجعلنا نعود إلى جبل سينا وجبل حوريب وبذلك إشارة إلى موسى وإيليا اللذين كانا حاضرين في حدث التجلي هذا. والغمامة التي منها سمع صوت الآب هي صدى للغمامة التي رافقت الشعب العبراني في خروجه من أرض مصر وعبوره الصحراء نحو أرض الميعاد، وهي رمز حضور الله وسط شعبه".
وتابع: "حسن لنا أن نصنع ثلاث مظال لك واحدة ولإيليا واحدة ولموسى واحدة": المظلة في الكتاب المقدس هي مكان حضور الله، بحيث يسكن بين البشر. هو يكشف عن سكنه بيننا بابنه الحبيب. فهلا نذهب نحن أيضا لنقيم معه ونتحد به ونعيش في حضرته. فهل نجرؤ على القول مع بطرس حتى ولو لم يكن يدرك أبعادها إذ قالها متسرعا كعادته بمنحى أرضي أكثر ما هو سماوي.
ماذا عسانا أن نستخرج من هذا المشهد الغني بلاهوته وروحانيته؟ أولسنا مدعوين دائما لنصعد إلى الجبل الذي يجمع بين الأرض والسماء، ونرتفع عن ضوضاء المدينة وضجيجها لنخلد إلى الصلاة في سكينة الطبيعة على "جبل طابور" ونلتقي بالله ونتحد به؟".
وتحدث الورشا عن "المثلث الرحمة البطريرك مار نصرالله صفير كان طيلة مسيرته الكهنوتية والأسقفية والبطريركية تلك المظلة التي يتكلم عنها الكتاب المقدس والتي يرد ذكرها في رواية حدث التجلي. فيها يسكن الله وسط شعبه. لقد تجلت صورة الله الناصعة كالثلج في أبعاد حياته.
في البعد الشخصي: إنه الوجه المشرق، الذي عكس صورة الله منذ نعومة أظفاره في بلدة ريفون العزيزة، فاتسمت دائما على محياه وشفتيه وجبينه ملامح الله. ففي كل مراحل مسيرته، إن في البيت العائلي أم في الإكليريكية أم في الصرح البطريركي، كان يستقي ماء الحياة والنعم الغزيرة من النبع الحقيقي وحده وهو الله. لقد اختار منذ نشأته النصيب الأفضل فتعلق به وما زاح عنه يوما. ألم يأت سلامه الداخلي وصفاء ذهنه من كثرة ما اتحد بالله وزهد بالدنيا متجردا فسار خلف المعلم الإلهي يسوع المسيح حاملا صليبه دون أن يلتفت إلى الوراء؟ غريب صفاؤه ومذهل عمقه، حلوة سرعة بديهته ومميزة ظرافة نكتته. قوي صمته، وكالسيف كلمته. نظرته للأمور ثاقبة وتحليله لمجريات الأمور صائب على كل صعيد. كل ذلك لأنه ملأ قلبه وضميره وعقله من أنوار الله القدوسة. نعم لقد تجلى الله في شخصيته".
وقال: "تجلى الله في محطات حياته الكهنوتية والأسقفية والبطريركية والكردينالية. فتزينت كلها بتواضع عميق وفكر نير وصمت مدوي ورأي سديد. ففي عمله الكهنوتي تميز بمناقبيته في كل ما قام به. وفي أمانة السر في البطريركية تحلى بصمته الحكيم وعمله الدؤوب، وفي رسالته من خلال الوعظ والتبشير أظهر من دون انقطاع وجه الراعي الصالح الغيور الذي يسهر على الخراف ولا يتوانى عن خدمتهم. كاهن لامع، جدي، تقي، جعل الله نصب عينيه وراح يعلو في المسؤوليات وصورة الله تتجلى فيه أكثر فأكثر ويزداد تألقا يوما بعد يوم. وفي ملء الكهنوت، أي في حياته الأسقفية كنائب بطريركي عام وامتداد مهماته على النيابات البطريركية، برع في الخطابة وأسهب في الكتابة والترجمة واتسعت دائرة معارفه، فترك لنا إرثا ثقافيا ولاهوتيا وروحيا يبقى للجميع مرجعا أساسيا يجدر الغوص فيه. وكبطريرك وكاردينال، تجلى الله فيه، إذ حافظ على الثوابت المارونية دون مساومة، وكان أمينا للنهج الذي رسمه لنا أسلافه البطاركة روحيا، وسياسيا ووطنيا. وواجه الصعوبات وحمل الصليب واجتاز المحن وصمد في وجه كل ما من حاول النيل من حرية لبنان واستقلاله".
اضاف: "يتواصل تجلي الله اليوم بعد رحيل المثلث الرحمة في ما تركه للكنيسة والوطن من إرث اجتماعي وفكري ووطني، أعني به مؤسسة البطريرك صفير بما تقوم به في كل تشعباتها، مشكورة، رئيسا وأعضاء، من أعمال خير من خلال المستوصف بإدارة كاريتاس لبنان وفكر وثقافة في صالة المحاضرات والمكتبة والإرث الغني في المتحف. اضافة إلى ذلك دعم الطالب الجامعي في تحصيل دروسه. كما وترك كلمات وعبر، خبرات وكتابات ومقالات نغرف منها اللاهوت والروحانية وغيرها. لقد حفرت في الذاكرات وسيبقى صداها فاعلا في كل من رغب في أن يبقى على الطريق الحق في كل شيء".
وختم الورشا: "أيها المثلث الرحمة البطريرك صفير، إنك طبعت تاريخ لبنان والكنيسة. في كل مرة نستذكرك، نقف فيها وقفة ضمير وجدانية لنعيد النظر، كل من موقعه، في مدى تجلي صورة الله في مسيرتنا الإيمانية".