المطران معوّض: كلّ مؤمن مدعوّ إلى تتميم الرّسالة الّتي دعاه الله إليها
بعد الإنجيل المقدّس قال معوّض في عظته بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "يظهر لنا هذا المثل في الإنجيل أنّ النّاس يستجيبون لبعضهم البعض نتيجة اللّجاجة في الطّلب. فإذا كان الأمر هكذا مع النّاس، فكم بالأحرى الآب السّماويّ الّذي يحبّنا بدون حدود وخلقنا وخلّصنا بابنه يسوع، ويشملنا بعنايته وخيراته، حتّى قبل أن نسأله. وطلب منّا أن نسأل، حين قال اطلبوا تجدوا. فنرفع إليه صلاة الطّلب مؤمنين بأنّه يستجيب لنا بما يراه مناسبًا بحكمته الإلهيّة المختلفة عن حكمتنا البشريّة. وطلب منّا أن نسأل فعلة لحصاده لأنّ الحصاد كثير. ومن هؤلاء الفعلة الّذين جاد بهم على الكنيسة الأمّ جيروم صخر. نحيّيك اليوم مع الآباء والأخوات الرّاهبات، والفعاليّات الرّسميّة والتّربويّة، والأسرة التّعليميّة والإداريّة، ولجنة الأهل، في ثانويّة مار يوسف للرّاهبات الأنطونيّات زحلة- كساره، والشّبيبة الأنطونيّة وكشّاف التّربيّة الوطنيّة فوج زحلة الأوّل. ونودّ كلّنا أن نعبّر عن شكرنا لكِ عرفانًا بالجميل على كلّ ما قدّمته لزحلة والكنيسة. بدأتِ مسيرة العطاء في جمعيّة الرّاهبات الأنطونيّات منذ أن تكرّست فيها. وتحضّرت لهذا التّكرّس بالقيم الرّوحيّة الّتي تربّيت عليها في البيت الوالديّ، وبمتابعة المراحل المدرسيّة في مدارس الرّاهبات الأنطونيّات، والجامعيّة في لبنان والولايات المتّحدة الأميركيّة. فإنطلقتِ بكفاءاتك الرّوحيّة والعلميّة والإداريّة إلى خدمة الكنيسة، في المؤسّسات التّربويّة للرّاهبات الأنطونيّات. فمعكِ نشكر الله على إدارة الصّفوف المتوسّطة والثّانويّة في زغرتا وروميه المتن والنّبطيّة، وترؤّس ثانويّة السّيّدة للرّاهبات الأنطونيّات النّبطيّة من سنة 1998 حتّى 2004، وثمّ ترؤّس ثانويّة مار يوسف للرّاهبات الأنطونيّات في زحلة - كساره من سنة 2004 حتّى يومنا هذا.
في السّنوات الثّماني عشرة الّتي قضيتها في زحلة، في هذه المدرسة، نثمّن ما أنجزت فيها من نهضة تربويّة وعمرانيّة، جعلها صرحًا يستقطب العائلات من مختلف الأنحاء في هذه المنطقة، ويتخطّى عدد التّلاميذ فيها الألفين. وفّقت في إدارتها بين المحبّة الإنجيليّة ومتطلّبات الإدارة الموضوعيّة، بين الحوار المتفهّم والحزم بإرادة صلبة. هذه هي حكمة المربّي والمسؤول الّذي يعرف كيف يوازن بين الرّحمة الحقيقيّة. وسهرت على تربية الأجيال لتنمّي فيها الأخلاق والمناقبيّة، وتهيّئيها بثقافة وافية لخوض غمار التّعليم العالي ومجالات العمل وبناء المستقبل. والكلّ يعلم ما تواجهه التّربية في الظّروف الرّاهنة، من تحدّيات ليست فقط اقتصاديّة على أهمّيّتها، بل أدبيّة وسلوكيّة ونفسيّة أيضًا. وبشخصك أيّتها الأمّ المحترمة وبشخص كلّ الرّاهبات الأنطونيّات، أودّ أن أتوجّه بالشّكر إلى جمعيّة الرّاهبات الأنطونيّات وكلّ مؤسّسات الحياة المكرّسة والمؤسّسات الكنسيّة الّتي زرعت في بقاعنا الخصب بالخيرات الزّراعيّة، خصب العلم والتّربية. إنّ الثّمار وفيرة في البقاع، وهي ثمار الحقول، وثمار المؤسّسات التّربويّة، وثمار الصّناعة، وثمار القلوب العفويّة والكريمة والمضيافة.
حضرة الأمّ جيروم فيما نشكرك في ختام رسالتك في هذه المدرسة، ندعو لكِ ببركة الرّبّ في رسالتك الجديدة في فرنسا. وبإنتقالك من رسالة إلى أخرى، تقدّمين شهادة في التّأهّب الرّوحيّ للمكرّس. فالمكرّس أو المكرّسة، يعيش التّجرّد عن الذّات، فيتخلّى عن إرادته عبر النّذور الثّلاثة الطّاعة والعفّة والفقر، من أجل أن يلتزم بإرادة المسيح، يسمعها عبر الكنيسة ومؤسّسة الحياة المكرّسة الّتي ينتمي إليها. يعطيه هذا التّجرّد الحرّيّة للانطلاق دومًا إلى حيث يدعوه الرّوح. فالمؤمن، والمكرّس بالأحرى، لا يعيش لنفسه بل للمسيح الّذي مات من أجله. ونؤمن أنّ السّيّد المسيح يعطي نعمة خاصّة تمكّن المؤمن من القيام بالرّسالة الموكلة إليه. فكما رافقتك نعمة الله في زحلة أيّتها الأمّ جيروم، سترافقك في فرنسا. وكلّ مؤمن مدعوّ إلى تتميم الرّسالة الّتي دعاه الله إليها، بالشّهادة المباشرة للمسيح، وبالقيام بعمله في العالم، في كلّ المجالات أكانت التّربية أو السّياسة أو الإدارة أو التّجارة أو غيرها، بالأمانة لله، فيسهم في بناء ملكوت الله، وأنسنة المجتمع. وهذا ما عبّر عنه المجمع الفاتيكانيّ الثّاني بالدّعوة إلى التّجديد المسيحيذ للنّظام الزّمنيّ (راجع رسالة العلمانيّين 7)، فيبثّ المسيحيّون الرّوح الإنجيليّة في قلب العالم ويصبحون فيه كالخمير في العجين. إنّ المؤمنين وخصوصًا المكرّسين يثبتون في رسالتهم وشهادتهم، على الرّغم ممّا يواجهون في العالم من صعوبات مثل البيئة غير المشجّعة، والأمثلة السّيّئة، والانتقادات الجارحة الهدّامة، والتّصرّفات الانتهزايّة والأنانيّة البعيدة عن روح الإنجيل.
أيّتها الأمّ جيروم شكرًا لكِ على عطاءاتك في زحلة وفي كلّ الأماكن الّتي دعاك الله إليها، ولو أنّكِ لا تطلبين الشّكر عملاً بوصيّة السّيّد المسيح القائل إذا عملتم ما طُلب منكم فقولوا إنّنا عبيد بطّالون، فعلنا ما وجب علينا فعله (راجع لو 17/10). معك نصلّي لنظل مطواعين جميعًا لإرادة الله على مثال أمّنا مريم العذراء الّتي أجابت على الدّعوة الإلهيّة لها: "ها أنا أمة الرّبّ، فليكن لي بحسب قولك" (لو 1/38). آمين".