المطران مطر عن البطريرك صفير: كان همّه أن نتصالح ونتوافق وأن نبني الوطن من جديد
وألقى مطر عظة قال فيها نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "عندما نقل الله إلى جواره البابا يوحنّا بولس الثّاني احتفل بالذّبيحة الإلهية الكاردينال الّذي صار البابا بنديكتوس السّادس قال للملايين الّذين كانوا يشيّعون البابا إنّه ذاهب إلى السّماء لكنّه ليس ذاهب لوحده بل يرافقه الملائكة والقدّيسون والمؤمنون بصلواتهم والّذين طوّبهم قدّيسين بالمئات كلّهم يشكّلون موكبًا مهيبًا واصلاً السّماء بالأرض وهناك يستقبله الرّبّ يسوع ومريم أمّه فاتحة له الطّريق بشفاعة وحبّ ليصل إلى العرش الإلهيّ وينال من ربّه زاد الرّعاة الصّالحين.
هذه الصّورة تمرّ في خاطري اليوم لدى انتقال بطريركنا الكبير القدّيس مار نصرالله بطرس صفير من الأرض إلى السّماء، هذا البطريرك القدّيس يواكبه القدّيسون والماليّة وشعب مؤمن طالما توجّه إليه وأحبّه وطلب رضاه وصلاته وتوكّل على همّته كي يصلّي له من عاصفة هواء هبّت على الوطن وبالكاد أنّها استراحة اليوم، يصل إلى الله الّذي تاقت إليه نفسه طوال حياته.
نحن قبل أن ندفن البطريرك الوطنيّ العظيم ننحني أوّلاً وقبل كلّ شيء أمام هامته المقدّسة، أوّلاً كان رجل الله، رجل صلاة ومحبّة للرّبّ لا حدود لها، لأجله ترك كلّ شيء وتبع المسيح ليمجّده في حياته ويخدمه وأن يؤمّن مصير كنيسة من كل أعاصير الدّنيا بصلاته ومحبّته، وهذه المحبّة الّتي تأصّلت فيه لربّه هي الّتي أسّست محبّته لشعبه وناسه، القريب من الله قريب من النّاس والبعيد عن الله بعيد النّاس، والطّريق كان قريبًا من النّاس ومن مار شربل ومار مارون وكان لي شرف كبير أن أكون نائبًا بطريركيًّا بقربه طوال خمس سنوات قبل أن أنزل أبرشيّة بيروت. هناك عرفته عن كثب كيف كان يستقبل النّاس كبارًا وصغارًا بانفتاح واحد ومحبّة واحدة يهمّه أمر النّاس جميعًا لأنّهم أبناؤه وبناته يريد لهم أن يكونوا بمأمن وسلام وعزّة وكرامة أن يكونوا أبناء الله وبناته المنفتحين على الآخرين كلّ الآخرين لوجه الله. هكذا صرف عمره فاتحًا قلبه وصدره للنّاس ويداه مبسوطتان إلى الآخرين.
كان مكرّسًا لهذه النّعمة، لم يكن عنده هم آخر، كنيسته المنتشرة في الدّنيا لتبقى كنيسة واحدة ورسم قداسة واحدًا موحّدًا بكلّ لغات الأرض ولكن بصلاة واحدة موحّدة.
عندما ضربت العاصفة لبنان هبّ دفاعًا عن الوطن بصلاته وكلمته الحلوة والعميقة والواضحة، ما كان عنده عداء لأحد، بل أحبّ الجميع حتّى لمن خاصموه وكان يقول ليس لنا عدوّ، نريد جميع النّاس نريد للإخوة والجيران وأن نكون معهم في السّرّاء والضّرّاء نتعامل مأخوذ متضامنين، أمّا في الداخل فكان همّه أن نتصالح ونتوافق أن نبني الوطن من جديد وطن الآباء والأجداد، وطن العزّة والكرامة للجميع، كان رجل مصالحة ورجل خير، عندما تمّت مصالحة الجبل كان يقول الجبل هو العمود الفقريّ للبنان من دون أن ننقص من أيّ منطقة من هذا الوطن العزيز فكلّ المناطق هي لبنان وكلّ لبنانيّ هو من شعب لبنان الواحد، كان يصلّي لجميع اللّبنانيّين ليأتي السّلام ليحلّ في ربوع لبنان. ما كان يميّز بين المسيحيّ وغير المسيحيّ هو سار في ذلك على درب البطريرك الحويّك الّذي كان يقول لبنان نريده مستقلّاً أيّ محترمًا من قبل جيرانه.
حمل البطريرك الكنز الأوّل في حياة النّاس، كنز الحرّيّة والكرامة لكلّ إنسان، فلا قيمة للإنسان من دون حرّيّة، الحرّيّة هي أساس كلّ الحقوق، وإذا فقد الإنسان حرّيّته لا يبقى من إنسانيّته شيء، كان يقول الحرّيّة أوّلاً ثمّ العيش المشترك الواحد كان صادقًا في هذه الأقوال بدليل الشّهادات الّتي تعطى له من كلّ العالم أكبر لهذا الإنسان المخلص والمحبّ والمضحّي.
لم ينبض إلّا بالحبّ، يصلّي على نيّة وطنه، عندما تهجّر الجبل سألته هل سنعود للعيش معًا يومًا فقال ستعودون قلت كيف قال بالغفران.
البطريرك صفير علّمنا الغفران علّمنا أن نسامح علّمنا أنّنا يمكن أن نكون مخطئين في بعض الأمور وأنّنا أخوة بالنّسبة إلى الماضي والحاضر والمستقبل، وكلّ صراعاتنا يجب أن تكون محكومة بالصّفح، نحن أخوة ولا يمكننا أن نكون أعداء.
آمل في أن يبقى شفيعًا لنا ولكنيسته ولكلّ محبّيه ولهذا الشّرق الحزين الّذي ينتظر اكتشافًا جديدًا للأخوة بين أبنائه وطوائفه ليعمّ السّلام في هذه المنطقة انطلاقًا من هذا اللّبنان النّقيّ الطّيّب الإنسانيّ. وأنهى: "لتكن روح البطريرك في السّماء"، شاكرًا مستشفى أوتيل ديو على العناية.