لبنان
27 حزيران 2018, 10:46

المطران مطر: على الدّولة أن تؤمّن التّعليم والصّحّة والسّكن لكلّ أولادها

إحتفالاً بعيد شفيعها يوحنّا المعمدان، وبذكرى ستّين سنة على السّيامة الكهنوتيّة لرئيسها الأسبق المونسنيور مارسيل الحلو وباليوبيل الفضّيّ لمجلّة "البراعم" الّتي أسّسها، أحيت مدرسة الحكمة في برازيليا- بعبدا المناسبات الثّلاث في قدّاس إلهيّ ترأّسه راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس مطر، عاونه فيه رئيس المدرسة الخوري بيار أبي صالح، والأب القيّم الخوري طوني كرم، والكاهنان الجديدان الخوري جورج ماريو الهبر وداني درغام، بحضور مطران جبيل للموارنة ميشال عون، والأمين العامّ للمدارس الكاثوليكيّة الأب بطرس عازار ولفيف من الكهنة، ووجوه سياسيّة واجتماعيّة وشعبيّة.

 

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران مطر عظة من وحي المناسبة فقال: "من صميم القلب نشكر الله معكم، في هذا العيد الفرح، على أنّه أعطانا أن نكمل هذا العامّ الدّراسيّ ببركته وتأييده للجهود الّتي قام بها الأساتذة الكرام ليؤمّنوا العلم في هذه السّنة الدّراسيّة وكلّ مندرجاتها لتلاميذنا الأحبّاء. كان هذا أوّلاً مقصدنا الأسمى، مهما كانت الظّروف، كان علينا أن نحملها نحن الكبار ولا يتأثّر أولادنا أيّ تأثير سلبيّ بسبب ما نعانيه من مصاعب. ونشكر الله على هذه المدرسة وعلى كلّ مدارسنا، في الحكمة والمدارس الكاثوليكيّة العزيزة، على الجهود الجبّارة الّتي يبذلونها من أجل النّشء في لبنان ومن أجل تأمين التّعليم النّوعيّ الّذي يبقي بلادنا في طليعة البلدان المثقّفة والقادرة على التّنافس حيث ما حلّ أولادنا في كلّ بقعة من بقاع الأرض. وأنتم تعرفون أنّ العولمة، تفرض علينا مثل هذا التّحدّي، فلا مكان للّذين لا يستطيعون المنافسة والوصول إلى المراكز الأساسيّة خدمة للآخرين جميعًا.
نحن نهنّىء المدرسة في كلّ عام على نتائجها الجميلة، سواء في البكالوريا الفرنسيّة أو اللّبنانيّة والشّهادة المتوسّطة. وأشكر الأب الرّئيس الخوري بيار أبي صالح على سهره الدّؤوب، على أن يكون الانتظام كاملاً في العمل لخير التّلامذة ومستقبلهم. وأنتم تعرفون، أنّ الكنيسة عندما تقوم بالعمل التّربويّ، إنّما هي تقوم به لهدف أساسيّ مطلق، نشر إنجيل المسيح في القلوب، والقيم الإنسانيّة. ليس لنا مقصد أكبر من هذا المقصد. ولذلك أخذنا شعارًا منذ كنّا، أيّ منذ 143 سنة وهو القائل مع الكتاب المقدّس: رأس الحكمة مخافة الله. الّذي يعرف الله، يعرف إخوته. والّذي لا يعرف الله، لا يتعرّف على إخوته مطلقًا. لذلك معرفة الله كانت دائمًا أساسًا في التّربية الّتي نحن آمنّا ونؤمن بها.
نقول لكم بكلّ محبّة، إنّنا دأبنا على هذا العمل منذ قرن ونصف قرن. هذا في الحكمة، ولكن في الكنيسة المارونيّة، نحن منذ المجمع اللّبنانيّ سنة 1736، أخذنا قرارًا بفتح المدارس في كلّ لبنان وأن تكون مسهّلة لجميع الطّالبين. دعيت آنذاك مدرسة "تحت السّنديانة" ولمَ لا؟ أيّ منذ 250 سنة. ولدت الدّولة اللّبنانيّة عام 1920، كدولة مع انتداب واستقلّت عام 1943. نحن نعلّم منذ 260 سنة، ولن نقولها بتبجّح. لولا هذا الجهد لما كانت لدينا دولة لبنانيّة. ولذلك عندما نطالب الدّولة، نطالب أن تردّ ما عليها، وأن تكون وفيّة، لا لنا، بل لمستقبل الأجيال وللّذين يعملون من أجل لبنان المنفتح، لبنان المحبّ، لبنان المتطلّع إلى المستقبل.
ما نقوله ونطالب به ليس توسّلاً، بل هذا حقّ ليس لنا. إنّما نحن في فلسفتنا التّربويّة نؤمن بحقيقتين، أوّلاً: للأهل الحقّ كلّ الحقّ في اختيار المدرسة والتّربية الّتي يريدون لأولادهم، طبعًا من ضمن الحفاظ على النّظام العامّ، للأهل كلّ الحق أن يختاروا بحرّيّة التّربية الّتي يريدون لأولادهم. الحقيقة الثّانية على الدّولة أن تؤمّن التّعليم لكلّ أولادها، تؤمّن الصّحّة لكلّ أولادها وتؤمّن السّكن لكلّ أولادها. هذا واجب الدّول، ليس عندنا وحسب، بل في العالم أجمع. وتكون الدّولة متقدّمة عندما تؤمّن كلّ هذه الواجبات لشعبها، وإلّا ما هو مبرّر وجودها؟

لذلك، نتكلّم هذا الكلام أمامكم، لا لأيّ شيء، إلّا لوضع الحقيقة في نصابها وللعمل معًا. الدّولة هي دولتنا والمسؤولون هم أهلنا لنعمل معًا في سبيل خير أجيالنا الجديدة، ليس إلّا. هذا ليس مطلبًا شخصيًّا، هذا مطلب وطنيّ بكلّ ما للكلمة من معنى ولكلّ النّاس. لا نريد أن نفشل في صنع دولتنا، بل نريد أن ننجح ولبنان له الحقّ أن تكون له دولة عظيمة وكبيرة. ولن نألوا جهدًا لمساعدة كلّ المسؤولين ليقوموا بدورهم خير قيام. ونطلب من المسؤولين أن يقوموا بدورهم خير قيام. لذلك نحن أمام الظّروف الصّعبة الّتي نمرّ بها وفي ظلّ الاقتصاد المتداعي، يجب أن نصلّي لندعم هذا الاقتصاد ليخرج من الكبوة الّتي هو فيها.
كيف نساعد النّاس ونؤمّن لهم إمكانيّة تعليم أولادهم كما يريدون ويرغبون؟ نطلب من الدّولة أن تكون شريكًا لنا في هذا العمل. هذا ما صنعته فرنسا وألمانيا والدّول المتقدّمة. الجنرال ديغول اعتبر في فرنسا، أنّ المدرسة الخاصّة هي ذات منفعة عامّة والدّولة تؤمّن رواتب المعلّمين في المدارس الخاصّة، كما تؤمّن رواتب المعلّمين في المدارس العامّة. وهكذا حلّت المشكلة في فرنسا، مرّة نهائيّة. هذا ما قلناه للمسؤولين في لبنان ولقد وعدونا خيرًا. ولكن ذلك يقتضي إصلاحات يجب أن تحصل. سنصبر لنصل إلى حلّ مرتبط بأجيال وليس بأيّام. ولذلك نطلب منكم، أن نعمل معًا، كلّ الأهل والمعلّمين، أنتم عيوننا ونحن نعتبر أنّكم أساس العمل التّعليميّ، لأنّكم أنتم المعلّمين تقومون بهذا العمل وتقومون به خير قيام.
في عيد مار يوحنّا المعمدان، نذكر كلمة واحدة قالها، قبل كلّ شيء، بعد أن عمّد يسوع في الأردنّ، فكان يرى المسيح مارًّا من هناك، فيقول لتلاميذه هذا هو حمل الله، أيّ دلّ تلاميذه على المسيح، وكان هذا دوره. يوحنّا كان نبيًّا عظيمًا لأنّه كان مسؤولاً على أن يدلّ النّاس إلى المسيح. ونحن كلّنا نقوم بدور يوحنّا بمعنى من المعاني وصورة من الصّور. كلّ أب وأمّ يعلّمون أولادهم عن المسيح ومريم، فهم يدلّونهم إلى المسيح ومريم. وكلّ معلّم ومعلّمة ورئيس مدرسة يربّون أولادًا يقولون لهم: هذا هو حمل الله. يدلّونهم إلى المسيح. لذلك عندما نعيّد ليوحنّا المعمدان، نعيّد للمسؤولية التّعليميّة عندنا ولمسؤوليّة الشّهادة المسيحيّة من مؤمن تجاه الآخرين ليصلوا هم إلى حيث وصلنا نحن.
البابا فرنسيس يقول: ما من أحد يتعرّف إلى المسيح، إلّا ويملأ الفرح كيانه، وهذا الفرح يدعونا إلى أن نشرك به الآخرين وننادي بالمسيح يسوع، مسيحًا وربًّا. هذه ديناميّة أساسيّة عند المؤمنين، تجعلنا نجدّد ثقتنا ورجاءنا ومسؤوليّتنا. قداسة البابا فرنسيس يقول: إذا تراجعت المسيحيّة في العالم يكون هذا التّراجع بسببنا. نحن مسؤولون أن ندلّ النّاس إلى المسيح، وإذا لم ندلّهم فالويل لنا، إذا لم نبشّر التّبشير الصّحيح. ولذلك في هذا العيد المبارك، نشكر الله على أنّه كلّفنا نحن وأنتم جميعًا هذه المهمّة، ونسأله أن يقوّينا لنقوم بهذه المسؤوليّة خير قيام.
مبارك هذا العيد على المعلّمين والأهل والمدرسة، مباركة سنة تمضي ولتأتي سنة جديدة تحمل في طيّاتها أفراحًا جديدة، ولو حملت بعض الآلام. الآلام هي آلام مفرحة بالنّتيجة، نحن الّذين نؤمن بيسوع المسيح، نؤمن بأنّه على أيدينا يريد أن يصل إلى الآخرين. وكم فرحت بكلمة قرأتها خلال زيارتي لإحدى المدارس، حيث كتب على الحائط عن يسوع المسيح، إنّه الخبز الّذي يبحث عن الجوع. المسيح يبحث عن جوعنا، للحقّ والخير. نعم المسيح يضرب لنا موعدًا لنلتقي به، فيسدّ جوعنا ويعطينا الفرح والاكتفاء. تكفيك نعمتي، يقول الرّبّ للقدّيس بولس.
إنّي أقدّم هذه الذّبيحة على نيّة المدرسة رئيسًا وكهنة وعائلة، ذاكرًا المونسنيور مارسيا الحلو في سنته الكهنوتيّة السّتّين، رفيق الكهنوت لسنوات طويلة ولقد علّمني وعلّمنا كثيرًا وكما نذكر بصلاتنا الخوري جورج ماريو الهبر ابن هذه المدرسة والخوري داني درغام الكاهنين الجديدين على مذبح الرّبّ. كلّ عام وأنتم بخير وبارك الله كلّ مقاصدكم، طالبين هذه النّعمة لكم ولنا".