لبنان
13 شباط 2018, 09:22

المطران مطر: الدّولة هي المسؤولة عن تعليم الأولاد

أقامت مدرسة الحكمة- جديدة المتن لقاءً تكريميًّا لأصدقاء المدرسة احتفالاً بعيد شفيعها القدّيس مارون دعا إليه رئيس المدرسة الخوري أنطونيو واكيم، برعاية رئيس أساقفة بيروت ولي الحكمة المطران بولس مطر بحسب "الوكالة الوطنيّة".

 

وألقى الخوري واكيم كلمة، وقال: "في ظلّ الظّروف التي تفرض نفسها على حياة الإنسان، قد يحلو للبعض أن يسأل: ولم الاحتفال بالعيد؟ وجوابنا الفوريّ: لأنّ العيد هو الحياة، ولأن الحياة ستستمر. وعلاوة على كل ذلك، لأنه عيد أبينا القدّيس مارون، شفيع مدرستنا التي تنشئ أبناءها على الحوار والانفتاح. والانفتاح يشكّل ميزة أساسيّة في المارونيّة. ولعلّها تأثّرت بجو العراء الذي عاش فيه شفيعنا القدّيس، فاتحًا كفّيه للدّعاء والصّلاة، وتجاوز صمته الآفاق، ولم يتأثّر بأيّ حاجز، فلا انغلاق بل سعي إلى ملاقاة الإنسان. فالمارونيّة هي انفتاح على الذّات وعلى الآخر: هي انفتاح على الذّات حيث يكتشف الإنسان ذاته، ويدرك حقيقة النّعم التي سكبها الله فيه، فيحافظ عليها، ويسعى إلى تعميمها، كي ينتشر الخير والرّجاء في أرجاء الكون، وتغدو البشريّة جمعاء أداة سلام تذيع مجد إله السّلام. هي انفتاح على الآخر. والآخر هو صورة الله، وكلّ تعدّ عليه هو تعدّ على صورة الله. من هنا كان نضال الموارنة عبر تاريخهم من أجل هذا الآخر، كي يظلّ المجتمع تعدّديًّا تنفتح فيه الحياة على الحضارات والثّقافات، فيتفاعل الجميع في سياق عيش كريم يضمن خصوصيّة المجموعات، ويحترم معتقداتها، فلا تعود المجتمعات حيث الموارنة مجرد أوطان بالمعنى الاجتماعيّ السّياسيّ المتعارف عليه، بل تغدو رسالة عيش كريم قائم على الاحترام والأخوّة الإنسانيّة فيتحقّق بذلك معنى الانفتاح، وتتجلّى مظاهره بأصدق المشاعر، وأنبل القيم. ذاك هو معنى الانفتاح في المارونيّة؛ ولا شيء يبدّل الحقيقة، أو يبرّر التّنكر لها.
وعلى هذا الانفتاح نشأت الحكمة ونشأنا؛ وإنّ ما حصل في الأيّام الأخيرة من مواكبة لموضوع الرّتب والرّواتب من خلال دعوة غبطة أبينا البطريرك، رئيس كنيستنا المارونيّة، إلى القمّة الرّوحيّة التّربويّة في بكركي لهو الدّليل السّاطع على دور المارونيّة، وميزتها في مبادرة الانفتاح والحوار، مع ما حملته هذه القمّة من دعوة إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة فيصل كل صاحب حقّ إلى حقّه، من خلال الحوار ومصلحة التّربية؛ فضمانة استمراريّة هذه الأخيرة مسؤوليّة مشتركة بين مكوّنات العائلة التّربويّة من إدارة وأهل ومعلّمين. وتبقى الثّقة المتبادلة هي الأساس المتين في وحدتها ونهضتها." 

وتوجّه الخوري واكيم إلى المطران مطر: "صاحب السّيادة، نحن ندرك الجهود التي بذلتموها شخصيًّا، في شأن السّلسلة، وما عرضتموه على المسؤولين في الدّولة، وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهوريّة، وقد استشهدتم بوضع التّربية في فرنسا بحيث تعتبر المدرسة الخاصّة ذات منفعة عامّة، وتقوم الدّولة بمسؤوليّاتها في هذا الموضوع. إن عائلتنا التّربويّة، بمكوّناتها كافّة، إذ تشكر مبادرتكم في شأن السّلسلة، تتمنى أن يتكلّل مسعاكم بالنّجاح، حفاظًا على مستقبل التّعليم في لبنان، وأن تستمروا منارة مشعّة، ومرجعًا روحيًّا وعلامة فارقة في تاريخ كنيستنا.
ليباركنا الله برعايتكم، ولتبق مدرستنا، بتوجيهاتكم، شاهدًا أمينًا على روحانيّة أبينا القدّيس مارون، ملهمة للأجيال".

وبدوره ألقى المطران مطر كلمة جاء فيها: "الأب الرّئيس الخوري أنطونيو واكيم، ذكر موضوعًا هو موضوع السّاعة. يا أحبّائي، الكنيسة وكلّ الكنائس وكل الطّوائف، اهتمّت بالتّعليم منذ البدايات. أولى جامعات العالم من القرن الحادي عشر وحتّى اليوم، هي جامعات للكنيسة. من السّوربون في فرنسا وأوكسفورد في بريطانيا. كلّ جامعات الكون فتحتها الكنيسة، كذلك المدارس، لأنّنا نريد عبر تربية إنسانيّة أن نزرع الإيمان محبّة الله في القلوب. المجمع اللّبنانيّ عام 1736 اتّخذ قرارًا بأن يعلّم الأولاد الموارنة مجانًا. كان يومها عددهم أكثر من مئة ألف وكانوا يتعلّمون تحت السّنديانة. وبقينا مستعدّين لهذا التّعليم، نقدّمه بكلّ سهولة حتى بداية الحرب الأخيرة. أنا عايشت الحكمة منذ 53 عامًا. عندما وصلت إليها لم تكن هناك مشكلة أقساط مدرسيّة، أبدًا. الطّبقة الوسطى في لبنان كانت هي الطّبقة الأكثر عددًا. وبعد الحرب زالت، مع الأسف، الطّبقة الوسطى من الوجود، وصار الوضع إمّا فوق وإما تحت الخطّ. فكيف نتابع رسالة التّعليم، عندما تصبح هذه الرّسالة صعبة، والتّعليم مكلف والنّاس لا حول ولا قوّة لهم، بسبب الوضع الاقتصاديّ. ولم يعد ممكنًا على النّاس أن يستمروا هكذا من أجل توفير التّعليم لأولادهم ومن دون مساعدة كبيرة. الدّولة أصبحت اليوم، دولة معتنية بأبنائها والمسؤولة عنهم. الدّولة تدعم الطّحين، لأنّ الخبز أساسيّ في حياة الإنسان. أليس العلم مثل الخبز؟ كيف تدعم الدّولة الخبز ولا تدعم العلم؟ لنفترض أنّ المدارس الخاصّة غير موجودة من سيكون المسؤول عن تعليم أولادنا؟ من يجبي الضّرائب لتأمين الصّحة والشّيخوخة والقضايا الاجتماعيّة وغيرها الكثير؟ طبعًا الدّولة هي المسؤولة عن تعليم الأولاد. ومن الآن وصاعدًا على الدّولة تدبّر الأمر. كل أبّ وأمّ يحق لهما أن يختارا أفضل التّعليم لأولادهما. لماذا يريدون أن يحرم العلم والتّربية الذين لا يملكون مالاً؟ العلم حقّ للجميع. ولذلك من الآن وصاعدًا يجب أن يتغيّر الوضع من أجل مصلحة تعليم أولادنا. علينا أن نفكّر كلّنا كيف نخرج من هذه الصّعوبة. كلّنا مسؤولون. المعلّمون أهلنا. التّلامذة أبناؤنا. الأهل أهلنا.الدّولة دولتنا. ومن دون هذا التّعاون من الجميع لا يمكننا إيجاد الحلّ لهذا الموضوع. وهذا حرام. لذلك، يا إخوتي، علينا أن نصلّي لنتعاون كلنا من أجل إيجاد الحلّ السّليم لقضية التّعليم وللوصول تدريجيًّا إلى الحلّ الشّامل، لأنّ المدرسة الخاصّة هي ذات منفعة عامّة. الدّولة يجب أن تكون مسؤولة عن تعليم أبنائها. هذا ما حصل في فرنسا وهذا ما يحصل في إلمانيا، بحيث إنّ الدّولة توفّر 90 بالمئة من مصاريف المدرسة الخاصّة. إلتقيت يومًا معلّمة من النّاصرة، وسألتها عن وضع التّعليم والمعلّمين في هذه البلدة. قالت لي يؤمّن للمدارس العربيّة 70 في المئة من مصارفيها فيما يؤمّن 90 في المئة للمدارس غير العربيّة. نحن يؤمّن للمدارس الخاصّة صفر في المئة. هل هذا يجوز؟ هذا وضع لا يمكن أن يستمر. نحن نتحمّل مسؤوليّاتنا ككنيسة ولن ننسحب من مسؤوليّاتنا ولا من التّعليم. إنها رسالتنا ولن نتخلّى عنها، على الرّغم من كلّ الصّعوبات. ولكن نحن في دولة ونحن منظّمون ويجب أن نفكّر بشعبنا، ولتساعد الدّولة الكنيسة والمدارس الخاصّة كلّها من أجل خير التّلامذة. الدّولة لديها كلّ شيء ولديها كلّ الإمكانات وهي التي تجبي الضّرائب. هذا ليس تحريضًا، ولكن نحن علينا أن نلقي الضّوء على ما هو حقّ. ونأمل أن تلحظ موازنة العام 2018 موضوع التّعليم، ونحن نطالب بشيء صغير في انتظار أن تستقيم الأمور، وعلينا ألّا نترك الأوضاع على ما هي عليه اليوم، على أن يبقى بلدنا نورًا وملحًا وخميرة للشّرق بأسره."