المطران مطر: إنّ ما نريده في لبنان هو أنّ نتخطى مرحلة البقاء وتنازع البقاء لنصل جميعًا إلى مرتبة الحياة
ألقى مطر كلمة قال فيها بحسب ما أفادت "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "يسعدنا أن نرحب بكم جميعًا، أهلين للحكمة وأصدقاء، وقد تحلّقتم حول كاتب مميّز وكتاب ثمين. فالكاتب هو الأستاذ مازن عبود، الّذي يحمل اختصاصات معرفيّة قيّمة، مثل الهندسة الزّراعيّة وإدارة الأعمال والتّنمية المستدامة، والّذي يقوم بتعليمها في جامعتنا بكلّ جدارة وإخلاص. لكن ما يلفت في هذا الرّجل هو توقه إلى الحقيقة المطّلقة وإلى ما في الإنسان من أسرار. فهو إلى متابعته حقائق الأرقام واستنباطه نواميس الطّبيعة وفصول الحياة، يسعى بخاصّة إلى أمّ هذه الحقائق المنزلة في الكون والّتي لا بدّ لها من ينبوع يتوق الرّجل إلى الارتواء منه ولا يرضى إلّا بالوصول إليه. فعندما تقرأونا كتابه، أيّها السّادة ستجدون فيه ترجيعًا لاختبار ثقافيّ إنسانيّ وروحيّ عبّر فيه الرّجل بما هو أبعد من المختبرات والأبحاث الجزئيّة الّتي لا بدّ منها، لكنّها لا تغني عن الجوع إلى الحقّ الأكبر والملكوت الأسمى. فنهنّىء من صميم القلب كاتبنا العزيز ونهنّىء الجامعة فيه أساتذةً وطلابًا لأنّه بما يكتب ويعيش من داخل، صار رمزًا لوحدة الفكر ولوحدة المعرفة ولو تجزّأت وكثرت وجوهها كالبلور الّذي يعكس بألوانه جمالات النّور الواحد. وفي الوقت عينه نتمنّى أن يتعرّف على كتابه الزّملاء والطّلاب وكلّ من سأل ويسأل عن ثقافة من اللّبنانيّين وعن تراث لهم مليء بالعطاء. إنّه كتاب حمّله صاحبه هذا الوجه الرّوحيّ المنقذ للحضارة من الضّياع، ليصان معها التّوازن الفكريّ والإنسانيّ في القلوب وتتزود الأجيال الجديدة بما تحتاج إليه من قوت يكون سندًا لها في رحلة الحياة نحو الغنى الأكمل والفرح الأشمل، حيث الدّيمومة الأسمى والتّواصل الكلّيّ بين الزّمن والأبد.
هذه القيم الرّوحيّة شكّلت محورًا أساسيًّا للكتاب بل مبررًا لوجوده، فلا تصحّ قراءته إلّا من خلال ارتباطه بالخالق وحضوره في المخلوقات - أليس هو الإله الّذي صار جسدًا وحلّ فينا؟ - وهذا ما لم يغب عن وجدان المؤلّف الّذي استفاض في الكلام عن "المحبّة النّازلة من فوق" وعن "الحياة الّتي تعلّم كيف نحيا في المحبّة والخدمة" - وكلّها تعابير من المؤلّف. ومن القيم الّتي تردّد ذكرها في صفحات الكتاب قيمة الحرّيّة، وهي "حالة لا بل هويّة" - كما يقول الكاتب فيها وعطيّة الألوهة وسرّ النّاسوت وعطر الوجود". وكذلك السّلام "حيث فسحاته بدأت تصغر وتضمحل رويدًا رويدًا ونحن لا نريد لها أن تزول لئلا يزول وجه الرّبّ عن الأرض، وعبق رائحته من تربتها وومضاته من بشرها" - كما كتب".
واختتم: "نهنّئ مجددًا المؤلّف العزيز بهذه الرّحلة الوجدانيّة الّتي تذكّرنا بغناها كلّ أنعام الله، والّتي ألهمته إلى التّحصيل والفكر، اختبارًا روحيًّا حرّيًّا بأن يفتح للنّاس أبوابًا جديدة نحو السّعادة. وإنّ لجامعة الحكمة أن تفخر بمثل هذا العطاء يطلّ علينا من أهل العلم، ومن قال إنّ العلم والوحيّ لا يلتقيان؟ العمل يكمّله الوحيّ ويشلح عليه المعنى. نعم، أيها السّادة، إنّ ما نريده في لبنان هو أن نتخطّى مرحلة البقاء وتنازع البقاء لنصل جميعًا إلى مرتبة الحياة. لكنّ هذه المرتبة تتّصل اتّصالاً وثيقًا بمعنى الحياة فلنسأل عن هذا المعنى وهو يعيد لنا كلّ شيء إلى نصابه وكلّ عدل إلى محرابه، فتحلو لنا الحياة والأعياد واللّقاءات الّتي نعقد هذا المساء واحدًا منها، ونتذوّق معه طعم الفردوس".