المطران فيليكس الشّابي: لولا البطريرك ساكو لما زارنا البابا
"تسارعت وتيرة أحداث زيارة البابا في الأيّام القليلة المنصرمة 5-8 آذار، وتابعها ملايين البشر في أرجاء المعمورة، فمنهم الفرِح، ومنهم المندهش والمتعجّب، ومنهم القلِق، ومنهم الشّاكر…
برأيي، لقد آثر في صنع قرار زيارة البابا العراق، متكلّمًا من جهة الكنيسة، شخصان فقط هما: الأوّل قداسة (البابا فرنسيس)، وذلك من خلال إصراره وعدم تردّده أو تراجعه عن الزّيارة. والثّاني غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار (لويس روفائيل ساكو) الكلّيّ الطّوبى، وذلك بالتّعاون الحثيث والدّؤوب مع السّلطات المدنيّة العراقيّة مشكورة، في بغداد وإقليم كوردستان أيضًا، والّتي أظهرت تعاونًا وتلاحمًا منقطع النّظير، أبهر العالم أجمع وبني البلد أنفسهم.
هكذا تعدّدت واختلفت المشاعر والأحاسيس عند النّاس "بعدما أصبح الحلم حقيقة" كما ذكر غبطة البطريرك في إحدى المقابلات التّلفزيونيّة. إذ رأينا الكثير من الانطباعت الإيجابيّة لدى جميع أطياف الشّعب بمختلف مستوياته الثّقافيّة والعمريّة. فمنهم من بدأ ينظِم قصائد شعريّة ترحيبًا بالبابا "إجا البابا"، ومنهم من بدأ يغنّي له، ومنهم من بدأ يناجيه، من أجل تأجيل زيارته ولو قليلاً ليستمرّ الإعمار في البلد، ومنهم من طالبه بإعادة الزّيارة، في كلّ نهاية أسبوع، في مناطق مختلفة من بغداد والمحافظات، لأجل مدّ الطّرقات والخدمات إليها… هكذا صارت زيارته وحضوره بيننا مركز أمل ورجاء للشّعب بأجمعه.
أمّا من ناحية المسيحيّين العراقيّين، فلم يكونوا بعيدين عن هذا المشهد وهذه المشاعر المتسارعة والمتضاربة، فبعد أن كان عدد لا بأس به منهم يشكّك في أن تتمّ الزّيارة، بضمنهم حتّى بعض رجال الدّين، حتّى بدأوا يتسابقون فيما بينهم فيمن تراه يقدّم عملاً أو خدمة تصبّ في إنجاح مهام الزّيارة وتحسّن أدائها.
لا ننسى هنا بالطّبع الفريق الّذي عمل يدًا بيد مع غبطة أبينا البطريرك خاصّة المنسّق العامّ للزّيارة سيادة الحبر الجليل مار (باسيليوس يلدو)، والّذي عانى الكثير بسبب السّفر والتّرحال إلى جميع مناطق الزّيارة بمعيّة بعثة الفاتيكان للتّأكّد من جهوزيّة واستعداد المراكز الّتي سيزورها البابا وأن تكون بالمتسوى المطلوب وبحسب المواصفات والمقاييس العالميّة المطلوبة.
ولا ننسى أيضًا وبصورة خاصّة سعادة السّفير البابويّ الجديد للعراق (متيا ليسكوفار). والّذي بسبب هذه الإعدادت الكثيفة والسّفرات المتواصلة وبصورة دوريّة إلى مختلف المواقع أصيب بوباء كورونا، ومنع من الاشتراك في جميع المراسيم، متمنّين له الشّفاء العاجل بعون الرّبّ. وكذلك صاحب السّيادة مار (روبرت مقدسي) المسؤول عن اللّيترجيا. وسيادة المطران مار (بشّار وردة) في أربيل لاحتضان الاحتفاليّة الأخيرة لقداسة البابا في العراق، إذ تمّ الاحتفل بالقدّاس اللّاتينيّ المطعّم بالتّراتيل الكلدانيّة العريقة والجميلة.
نستشفّ من هذه الزّيارة بعض المدلولات المهمّة، رغم كثرتها فنؤكّد على ما يلي:
– أوّل زيارة لبابا الفاتيكان إلى العراق وبلاد الرّافدين عامّة.
– أوّل قدّاس لبابا الفاتيكان بالطّقس الكلدانيّ (مار يوسف).
– أوّل لقاء مع المرجع الشّيعيّ الأعلى في العراق والعالم (النّجف).
– أوّل صلاة مشتركة للأديان في أور بيت ابراهيم الخليل (النّاصريّة).
– إرسال رسائل تضامن مع الفقراء والمضطهدين والمهجّرين (سيّدة النّجاة والموصل وقره قوش وأربيل).
كلّ هذه الماكنة العظيمة لفرق العمل الّتي عملت واشتغلت بجدّ ومثابرة في جميع المراكز، برئاسة وإشراف السّادة الأساقفة المحلّيّين كلّ في أبرشيّته وبالتّنسيق مع الآباء الكهنة والأخوات الرّاهبات في جميع المراكز، يعود فضلها جميعًا إلى شرارة المبادرة الّتي أطلقها صاحب الغبطة والنّيافة مار (لويس روفائيل ساكو) بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم. ومن مدلوليّاتها الأخرى والجميلة هو الاحتفال بالقدّاس الكلدانيّ بنفس يوم الذّكرى 8 لتنصيب غبطته في 6 آذار بطريركًا على كنيسة الكلدان في العالم.
فشكرًا لكم يا صاحب الغبطة على جهودكم، وفكركم، ورعايتكم، وإرشادكم، وتوجيهكم ونظرتكم، وحلمكم الحقيقيّ، في تجسيد الأخوّة والمصالحة والتّعاون والمآخاة بين جميع أبناء الشّعب العراقيّ بمختلف أطيافه وخلفيّاته العرقيّة والدّينيّة والفكريّة. شكرًا لكم إذ جعلتم العراق كلّه يدخل في عرس عالميّ للسّلام والأخوّة والمحبّة والمعايشة السّلميّة.
إنّنا إذ نثني على مواقفكم الجرئية والشّجاعة في دعم الأخوّة والمواطنة في العراق، نتمنّى لكم دوام الموفّقيّة في رعاية كنيسة الرّبّ الموكلة إليكم، والاستمرار بمدّ جسور المحبّة والتّآخي والألفة بين أبناء الشّعب العراقيّ في الوطن الواحد.
فبالحقيقة لولاكم لما زارنا البابا في العراق."