لبنان
29 نيسان 2024, 13:30

المطران عوده في أحد الشعانين: واجه القدّيسون الشهداء والمعترفون الآلام بالفرح والوداعة

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس المطران الياس عودة متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس، قدّاس الشعانين في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس، بحضور حشد كبير من المؤمنين. وبعد القدّاس تمّ زيّاح في ساحة النجمة شارك فيه الأهالي جميعهم مع أطفالهم، حاملين الشموع وأغصان الزيتون.

 

بعد الإنجيل، ألقى المطران عودة عظة قال فيها: "سمعنا بولس الرسول يقول «إفرحوا في الربّ كلّ حين». على الرغم من دخول المسيح آلامَه الطوعيّة الخلاصيّة، أي انتصارَه النهائيّ على الشرّير ومفاعيل تسلُّطه القديم على الخليقة. تخاطب كنيستنا أبناءها الواصلين إلى هذا الأسبوع العظيم عبر جهاد التنقية والرجوع إلى الله، بعبارة «افرحوا»، لأنّ اشتراكهم في ظَفَرِ الربّ العظيم بات وشيكا. يدعونا الرسول بولس إلى الفرح في الرب، لأن المقيم في الرب هو مقيم في الفرح، وهذا الفرح مبارك لأنّه من ثمار اتّحاد المؤمن بربّه. سبق أن قال الربّ: «طوبى للحزانى فإنّهم يعزَّون». الحزانى الذين يقصدهم الربّ هم الباكون على خطاياهم، وهؤلاء يفرحون حتّى في عمق حزنهم، لأنّهم ممتلئون برجاء الاتّحاد بالربّ، الذي هو ملء الفرح. يقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل فيليبي إنّ نعمة قد أعطيت لهم وهي أن يتألموا من أجل المسيح، والنعمة هي دائما سبب فرح. هذا لا يعني أنّ المسيحيّ يهوى الآلام. النعمة التي يتحدّث عنها الرسول هي أنْ صارت لنا، منذ أن أزال المخلّص عنّا قيود الشّرير وسطوته، حريّةَ السعي إلى التطهّر ممّا فينا من دنس، بمؤازرة المسيح نفسه، وصولا إلى الامتلاء منه حتّى الاتّحاد الكامل به. هذا ملء الفرح الذي لا يقوى عليه حزن. منذ لحظة التزامه بالمسيح كيانيًّا يتذوّق المؤمنُ الفرح، لأنّه يعي أنّه ذاهب إلى حيث «لا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد، لأنّ الأمور الأولى قد مضت» (رؤ 21: 4). يكفي المؤمن الذي يثبّت عزمه على المسيح الالتقاء بمخلّصه ليمتلئ فرحا، عندئذ لا يسمح لأيّ من مشوّشات الحياة بأن يشتّته عن غايته."

 

أضاف المطران عودة: "واجه القدّيسون الشهداء والمعترفون الآلام والاضطهاد بالفرح والوداعة، لأنّها من أجل المسيح، وكأنّها أتت لتؤكّد لهم أنّهم يسلكون الطريق الصحيح. الوداعة تحمي الفرح الآتي من المسيح من القلق الذي تسبّبه الاهتمامات الدنيويّة. بالوداعة يحفظ المؤمن يقظته واتصاله بالربّ، ودوامُ اليقظة شأنٌ حيويّ للمؤمن، لأنّه يعرف أنّ «الربّ قريب»، كما يقول الرسول، الذي يدعو المؤمنين إلى عدم الاهتمام بشيء ممّا يحيط بهم وقد يشوّش يقظتهم. نحن لا نستطيع تقبّل المسيح ودخول ملكوت الودعاء إن لم نتخلّ عن كلّ ارتباط دنيويّ، ونُخلِ ذواتنا من كلّ أنانيّة وكبرياء، ومن كلّ حقد وشرّ وشهوة ضارّة، فنصبح كالأطفال «نحمل علامات الغلبة والظفر» هاتفين: «هوشعنا مبارك الآتي باسم الربّ». طبعا، ليس المطلوب ألّا يتفاعل المؤمن بشريًّا مع محيطه، لكنّ الخطر الأكبر يكمن في أن يضيّع المؤمن أولويّاته. أمور الدنيا كلّها تعبر، و«الربّ قريب»، أي إن دينونته قريبة وعلى المؤمن أن يكون مستعدّا".

 

وتابع: "اليوم، في أحد الشعانين، ندخل فعليا الزمنَ الذي فيه يدين السيّد أصول الخطيئة ومفاعيلها بموته، ويملأ مشاركي حياته من فرح قيامته. لقد دخل أورشليم ملكا وديعا متواضعا راكبا على جحش، فيما اليهود كانوا ينتظرون ملكا محاطا بكلّ مظاهر القوة، مدجّجا بالسلاح، يقود جيشا جرّارا لينقذهم من الاحتلال الرومانيّ. فواجهوا وداعة المسيح بالوقوف إلى الجانب الأقوى بشريًّا لكي يتمتّعوا بالمجد الأرضيّ الزائل. حكموا على المخلّص بالموت ففقدوا خلاص نفوسهم. أليس هذا ما يفعله أبناء هذا الدهر عندما يقفون إلى جانب الأقوى ولو على حساب مبادئهم وكراماتهم؟ ألا تصطفّ الدول في صفّ الأقوى تاركة الضعيف لمصيره، والمقهور بلا أمل، والجائع يموت جوعا، والمظلوم يهلك قهرا لأنّ الحقّ والعدالة والإنسانيّة والأخوّة والأخلاق أمست مفاهيم بالية في عالم ماديّ استهلاكيّ انتهازيّ تحكمه شهوة المال والتسلّط؟

من هنا، انتقل المطران عودة إلى الشقّ الوطنيّ من عظته فتابع السؤال أنْ "أليس هذا ما نعاينه في هذا البلد الذي دُمِّرت عاصمته، واغتيل أحراره ومفكروه، وقهر أبناؤه وسرقت أموالهم، وما زال  مسؤولوه...يدفعون أبناء وطنهم إلى اليأس والانحراف، والمثقّفين منهم إلى الهجرة، وهم القادرون على انتشال بلدهم من مستنقع الجهل والانحلال الذي وصل إليه".

 

ثمّ أنهى كلمته بنوطةٍ متفائلة وقال: "تحمل رسالة اليوم تحفيزا على الفرح «في الربّ»، كما نجد فيها الوسيلة للحفاظ على الفرح ووقايته. هذا هو الدواء في الألم، والعزاء في الحزن. هذا ما يُبقي أبناء بلدنا متشبّثين بأرضهم، وراجين خلاصا سيأتي، ولو أتى متأخّرا".

 

وختم: "نصلّي اليوم أن يحفظ الربّ لبنان من شماله إلى جنوبه، وأن يخلّصه من آلامه التي طالت، ويقيمه من موت الجهل والحقد، والكبرياء، ومستنقع الدماء، ويصون شعبه من كلّ متربّص به شرًّا. نسأل الله أن يزرع محبّته وسلامه في قلوب المسؤولين لتتنقّى أفكارهم ويتبدّل سلوكُهم ويحكموا بالحق والعدل.  

ألا كانت آلام المسيح الخلاصيّة مشدّدة لنا في آلامنا، حتّى نبلغ إلى الهتاف بفرح: «المسيح قام حقًّا وأقامنا معه".