الأراضي المقدّسة
05 تشرين الأول 2016, 07:28

المطران عطا الله حنا يستقبل وفدا من معهد القديس سرجيوس اللاهوتي في باريس

استقبل المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس وفدا من معهد القديس سرجيوس الارثوذكسي اللاهوتي في باريس وهي كلية ومعهد لاهوتي ارثوذكسي روسي قائم في العاصمة الفرنسية باريس وهو معهد عريق قدّم للكنيسة الارثوذكسية الكثير من الشخصيات والاعلام الذين كانت لهم اسهاماتهم في الحقول الرعوية للكنيسة الارثوذكسية في كافة أرجاء العالم وقد ضمّ الوفد 20 شخصية من الاساتذة والمحاضرين وبعض الطلاب الذين وصلوا الى مدينة القدس في زيارة هي الاولى من نوعها .

وقد ابتدأ الوفد زيارته الى مدينة القدس بجولة في كنيسة القيامة حيث قدّم المطران للوفد بعض الشروحات والتوضيحات المتعلّقة بأهميتها كما أقيمت الصلاة امام القبر المقدس فرتّل الاساتذة والطلاب بعض الترانيم بالروسية والفرنسية واليونانية ومن ثم انتقل الجميع الى الكاتدرائية المجاورة لسماع محاضرة المطران وحديثه الروحي .

استهل المطران حديثه بالترحيب بأعضاء الوفد الاتين الينا من باريس مؤكدا اهمية هذه الزيارة التي تحمل الطابع الروحي والكنسي خاصة وان معهد القديس سرجيوس يعتبر من المعاهد اللاهوتية العريقة في العالم وقد قدّم للارثوذكسية العالمية الكثير من الشخصيات والقيادات واللاهوتيين والمفكرين والمدافعين عن القيم المسيحية والعقائد الارثوذكسية .

ان زيارتكم للقدس هي عودة الى جذور الايمان فما نقرأه في الاناجيل الاربعة التي وضعها متى ولوقا ويوحنا ومرقس نراها بأم العين في هذه البقعة المقدسة من العالم، فقد شاهدتم قبل قليل كنيسة القيامة التي تحتضن أهم المواقع المرتبطة بالمراحل الاخيرة من حياة المخلّص ففيها مكان الصلب والدفن والقيامة والانتصار على الموت، وان ما تحتضنه كنيسة القيامة انما هي اماكن مقدسة مرتبطة بشكل مباشر بما قدّمه الرب لنا الذي اختار هذه البقعة المقدسة من العالم لكي تكون مكانا لتجسده ولكافة افعاله الخلاصية رحمة بالانسانية ومن اجل تقديس هذا العالم ونقله من مرحلة الظلام والموت والخطيئة الى مرحلة النور والخلاص والنعمة .

ان مدينة القدس تعتبر المركز المسيحي الاساسي والاول في العالم ومع احترامنا وتقديرنا لكافة المراكز الروحية المسيحية العالمية شرقا وغربا تبقى كنيسة القدس هي الكنيسة الام وهي الكنيسة الاعرق والاقدم التي اسسها الفادي والمخلص .

في مدينة القدس كانت العنصرة حيث اجتمع الرسل القديسين وانسكبت عليهم نعمة الروح القدس على هيئة السنة نارية فانطلقوا بعدئذ الى مشارق الارض ومغاربها مبشرين بقيم الانجيل .

ان من يتحدثون عن القدس ويتجاهلون اهميتها في المسيحية انما يسيئون اليها ويشوهون تاريخها ويطمسون معالمها، فمن هنا كانت الانطلاقة وهنا تمّ كل شيء ، وما نقرأه في الكتاب المقدس تم هنا في هذه البقعة المقدسة من العالم التي اسمها فلسطين، نتمنى منكم ومن كافة الكليات اللاهوتية في العالم ان تولي اهتماما لمدينة القدس وهويتها وتاريخها وتراثها ومقدساتها، فالقدس في المسيحية هي حاضنة لأهم المقدسات، انها المكان الذي فيه تجسدت محبة الله للانسان وتحققت كافة النبوات، فما نقرأه في العهد القديم تحقق في العهد الجديد في هذه الارض المقدسة.

القدس عاصمة روحية للمسيحيين في كل مكان والقبر المقدس في القدس يعتبر من اهم المواقع الروحية المسيحية في العالم، فلا يوجد في عالمنا ما هو أقدس وما هو  أهم لدى المسيحيين من كنيسة القيامة وكنيسة المهد وغيرها من الكنائس المقدسة.

ان كنيسة القدس التي أفتخر أنني واحد من أساقفتها وخدّامها هي كنيسة حية بمؤمنيها المنتمين اليها، نفتخر بتاريخنا المجيد وبمقدّساتنا ولكننا نقول أيضاً بأننا لسنا كنيسة مقدسات وتاريخ مجيد فحسب بل نحن كنيسة جماعة المؤمنين القاطنين في هذه الديار، نحن كنيسة الانسان، نحن كنيسة البشر ولسنا كنيسة الحجر، والحضور المسيحي البشري في هذه الديار لم ينقطع منذ 2000 عام والمسيحيون الباقون في هذه الارض المقدسة هم امتداد للجماعة المسيحية الاولى التي عاشت في هذه البقعة المقدسة من العالم، نحن امتداد طبيعي روحي وتاريخي وانساني للكنيسة الاولى التي شيّدت في فلسطين، الكنيسة التي نسميها في دستور ايماننا : " الكنيسة الجامعة المقدسة الرسولية"، المسيحيون في بلادنا لهم تاريخ مجيد وجذورهم عميقة في تربة هذه الارض وهم ملح وخميرة لهذه البلاد المقدسة وهم دعاة عدالة وسلام ودفاع عن حقوق الانسان ونصرة للمظلومين والمتألمين في كل مكان.

القدس مدينة يكرّمها المؤمنون في الديانات التوحيدية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلامية، انها مدينة تتميز بعراقتها وتاريخها وبهائها وما تحتضنه من أماكن مقدّسة يكرّمها المؤمنون في الاديان القائمة في بلادنا.

القدس ملتقى الاديان ومدينة السلام وحاضنة تراث انساني وروحي تتميز به عن اي مكان اخر في هذا العالم، انها مدينة يلتقي فيها المؤمنون لكي يمجدوا الخالق كل بطريقته واسلوبه، انها مدينة السلام والتي يغيب عنها السلام بفعل ما يمارس بحق انسانها ومقدساتها وشعبها الفلسطيني.

عندما نتحدث عن الشعب الفلسطيني نحن نتحدث عن المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين ابناء هذه الارض الذين يحق لهم ان يعيشوا بحرية في وطنهم، ان شعبنا الفلسطيني تعرض لمظالم كثيرة واستهداف واضطهاد وما زال يتعرض لهذا الاستهداف والاضطهاد من قبل اولئك الذين يحتلون هذه الارض ويسعون لتشويه صورتها وطمس معالمها واضعاف الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة.

يتهمنا البعض اننا عندما ندافع عن القضية الفلسطينية انما نتدخل في شأن سياسي، البعض يقولون لنا اتركوا مسألة الشعب الفلسطيني ليست من اختصاصكم والبعض الاخر يقول لنا اهتموا بشؤونكم كمسيحيين ولا علاقة لكم فيما بما يحدث في فلسطين ومع الشعب الفلسطيني وكل هذه الطروحات مرفوضة من قبلنا جملة وتفصيلا، ذلك لاننا نعتقد بأن الدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم لا يمكن اختزاله بأنه قضية سياسية فحسب، فالدفاع عن المظلومين ونصرة المتألمين كما والدفاع عن حقوق الانسان انما هي مبادىء اخلاقية مسيحية سامية، فالمسيحية الحقة تدعونا للتضامن مع كل انسان مظلوم متألم ومعذب، وهذا ما يحدث مع شعبنا الفلسطيني، انطلاقا من قيمنا الايمانية والاخلاقية والانسانية، نحن منحازون لشعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة التي هي قضيتنا جميعا مسيحيين ومسلمين، ولن تخيفنا الاصوات التي تسعى لتخويفنا وجعلنا نتقوقع وننعزل.