لبنان
23 تموز 2019, 06:30

المطران عبد السّاتر في عيد مار نوهرا: الصّحراء يمكن أن تكون المكان الأفضل للقاء الرّبّ

ترأّس مطران أبرشيّة بيروت المارونيّة بولس عبد السّاتر الذّبيحة الإلهيّة، في عيد مار نوهرا، في كنيسته بفرن الشّبّاك- التّحويطة، محاطًا بلفيف من كهنة الأبرشيّة، ورقد رفعوا الصّلاة مع الحاضرين على نيّة لبنان وشعبه.

 

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عبد السّاتر عظة من وحي المناسبة، فقال نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "وجودي في كنيسة مار نوهرا للاحتفال معكم بعيد شفيع بلدتكم، يعيدني إلى ذكريات كثيرة وقديمة، الجميلة منها والحزينة، وكان معظم هذه الذّكريات أيّام الحرب الّتي نذكرها على أمل ألّا تعاد. كنيسة مار نوهرا جمعت الكثير من النّاس الّذين كانوا يأتون إليها للصّلاة من أجل السّلام. من الشّيّاح كانوا يأتون إلى هذه الكنيسة، لأنّه كان يتعذّر عليهم الصّلاة في كنائسها بسبب الحرب. هذه الكنيسة شهدت أفراحكم وأحزانكم. وكم صلّينا فيها على نيّة الموتى والشّهداء. الكنيسة تغيّرت بشكلها الخارجيّ ولكنّها لم تتغير بوجوه أبنائها الطّيّبين. الاحتفال بعيد مار نوهرا كان ومازال عظيمًا. كنّا نأتي إلى هذه الكنيسة للفرح بالعيد حتّى في أيّام الحرب والخوف.
في هذا العيد وفي هذا القدّاس نتذكّر معًا الآباء الّذين خدموا هذه الكنيسة، الأحياء منهم ومن انتقلوا إلى جوار الرّبّ. أتذكّر الّذين كانوا يقرأون الرّسالة والّذين كانوا في جوقة الكنيسة يمجّدون الرّبّ بالتّراتيل، أتذكّر كلّ هذه الوجوه الطّيّبة.
وجودي في هذه الكنيسة، في هذا اليوم المبارك، وبكثير من الفرح يعيدني طفلاً صغيرًا. أشكر كاهن الرّعيّة الخوري آلان شرتوني الّذي دعاني إلى أمسية هذا العيد. ماذا بإمكاني أن أقول للمحتفلين بعيد مار نوهرا، أتأمّل معكم بفكرتين: الفكرة الأولى هي صورة مار نوهرا المحفورة في مخيّلتي. كنت أتساءل وأنا صغير، لماذا صورة مار نوهرا وهو في الصّحراء وليس في مكان مليء بالأشجار والخضار، فتكون الصّورة أجمل؟ مع الوقت تيقّنت أنّ الصّحراء يمكن أن تكون المكان الأفضل للقاء الرّبّ، كما يرد في الكتاب المقدّس. في الصّحراء لا شيء يشتّت العقل والفكر، وهكذا نستطيع أن نكون قريبين من الرّبّ يسوع.
جميل أن نعود في حياتنا الرّوحيّة إلى الصّحراء ليكون اشتياقنا أكبر لنكون مع الرّبّ ومع الرّبّ وحده. لا رغبة لدينا إلّا رغبة الاقتراب أكثر من الرّبّ. أنا أعرف أنّ كثرًا منكم، وأنا أتذكّر ذلك كثيرًا، يقضون ساعات كثيرة في كنيسة مار نوهرا وهم يصلّون. هم مثل القدّيس نوهرا اختاروا أن يجعلوا من الكنيسة الّتي نحن فيها، الصّحراء الّتي يلتقون فيها بالرّبّ يسوع لتمجيد اسمه.
أمّا الفكرة الثّانية الّتي سأتأمّل بها معكم، هي أنّ مار نوهرا هو شفيع البصر. نحن في أيّامنا هذه، النّاس تصلّي كي لا ترى ما يحصل هنا وهناك، لكنّنا نأتي إلى كنيسة مار نوهرا طالبين من هذا القدّيس أن يجعلنا نرى وجع بعضنا البعض، حتّى نحمل وجع بعضنا البعض. ولنرى فرح بعضنا البعض، لنفرح معًا من دون أن نحسد الفرحين بفرحهم. نطلب من مار نوهرا أن يجعلنا نرى الصّغير، الّذي نمرّ في بعض الأوقات، بجانبه ولا نراه ولا ننتبه إليه. لنرى المسنّ الّذي يعتقد البعض أنّه شاخ وكبر في العمر ولا نحتاج إليه.
معكم أصلّي، في هذا اليوم الفرح ليحفظ لنا مار نوهرا نعمة البصر لنرى جيّدًا بعضنا البعض ولنحمل بعضنا بصلاتنا وقلبنا ولندعم بعضنا في أيّام التّجربة والصّعوبات والقلق، من دون أن نميّز بين الكبير والصّغير وبين من هو في منصب ما وبين من لا مناصب لهم. علينا أن نرى في كلّ إنسان أمامنا وجه الرّبّ في قلبه. كنيسة مار نوهرا وأهلها أعزّاء على قلبي. والأيّام المقبلة ستكون شاهدة على محبّتي لهذه الكنيسة. شكرًا للجميع على الجهود المبذولة في الكنيسة لتكون أجمل. أشكر كهنة الرّعيّة الّذين خدموكم ويخدمونكم من كلّ قلبهم. فلنلتق معًا دائمًا حول الرّبّ يسوع بالأفراح وحتّى في الأحزان الّتي تحمل الرّجاء، لأنّ اّذي يعيش مع يسوع المسيح لا يعرف الحزن ولا يعرف اليأس ولا البغض والحقد، بل يعيش دائمًا بالفرح والرّجاء والمحبّة".