المطران عبدالله والسّفير البابويّ بثّا الرّجاء في زيارتين منفصلتين إلى بلدة الكفور بعد الحرب
وللمناسبة، استقبلت المطران عبدالله، بحضور خادمها الخوري سمعان، وبمشاركة ابن بلدة الكفور الخوري جورج قليعاني ورئيس دير مار أنطونيوس للرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة في النّبطيّة الأب جوزيف سمعان، على وقع ترانيم اللّيتورجيا المارونيّة.
بداية رحّب الخوري سمعان برئيس الأساقفة وأثنى على جهوده في مواكبة العمل الجاري ودعمه خلال الأوقات العصيبة، مؤكّدًا "أنّ الزّيارة تحمل رسالة رجاء وبناء".
هذا وألقى المطران عبدالله عظة في قدّاس "الرّجاء" الاحتفاليّ، موضحًا "أهمّيّة الإيمان والرّجاء الإلهيّ في مواجهة التّحدّيات"، مشبّهًا "العودة إلى البلدة بفعل إيمان وشهادة حيّة"، مشدّدًا على "أنّ الكنيسة، الّتي بنيت بالإيمان، تدعو المؤمنين للتّمّسك بالمسيح كغاية حياتهم ولإعادة بناء النّفوس والمجتمع"، مشيرًا إلى أنّ "الكنيسة، المبنيّة بالإيمان والرّجاء، تظلّ شاهدة على عمل الله الخلاصيّ" مذكّرًا بأنّ "الحياة الحقيقيّة تبدأ عندما ترتبط بيسوع المسيح".
وفي الختام، هنّأ أبناء البلدة على عودتهم السّريعة رغم الدّمار، مؤكّدًا أنّ"وجودهم متجذّر في الإيمان".
هذا واستقبلت البلد السّفير البابويّ باولو بوجيا، بحضور رئيس البلديّة خضر سعد ونائبه طوني سمعان، قيّم عام مطرانيّة بيروت المارونيّة، الرّئيسة العامّة للرّاهبات الأنطونياّت الأم نزهة خوري، المختار الياس فاضل ورئيس دير مار أنطونيوس للرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة- النبطية.
وبعد الاستقبال، رحّب خادم الرّعيّة الخوري يوسف سمعان ببورجيا، معتبرًا هذه الزّيارة "رسالة دعم وتشجيع، وربط الحضور الإيمانيّ بمعاني الرّجاء والتّضامن، وهي "تشهد على ولادة فجر طالما انتظرناه، وليل تعبنا من طوله، لتردّد على مسامعنا كما المعلّم "أنا معكم""، وهي "علامة من السّماء لتأكيد حضور الرّبّ المعزّي والمشجّع"، مشيرًا إلى أنّها تؤكّد على الشّراكة الكنسيّة الواحدة.
بدوره ردّ السّفير البابويّ باولو بورجيا بكلمة قال فيها نقلًا عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "أحيّي كاهن الرّعيّة الخوري يوسف سمعان وأشكره على كلمته النّابعة من القلب وأشكر السّلطات الحاضرة والكهنة وكلّ الحاضرين.
أوّلًا أودّ أن أنقل إليكم تحيّات قداسة البابا فرنسيس الّذي يحملكم في قلبه كما يحمل لبنان كلّه وشعبه، وأؤكّد لكم أنّه يتابع عن كثب الوضع في لبنان والشّرق الأوسط بأكمله. هو الّذي لم يتوقّف في الأشهر الأخيرة عن تذكّر لبنان والصّلاة من أجل السّلام طالبًا من الرّبّ أن ينتهي ليل المعاناة والظّلام الّذي كان يعيشه هذا البلد، ويواصل قداسته مرافقتكم بأفكاره الأبويّة حتّى يشرق يوم جديد مليء بالنّور والأمل.
يدعوكم الأب الاقدس إلى الحفاظ على الأمل والعيش في الرّجاء خاصّة، واليوم يبدو أنّ العاصفة قد انتهت أخيرًا، ولكن لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين والتّحدّيات والعمل الّذي يجب القيام به حتّى تتمكّنون من العودة إلى الوطن وحياتكم الطّبيعيّة وأراضيكم.
كتب القدّيس بولس الرّسول في رسالته إلى الجماعة الرّسوليّة الأولى في روما قائلًا: "الرّجاء لا يخيّب لأنّ محبّة الله قد أفيضت في قلوبنا بالرّوح القدس المعطى لنا"، إنّها أيضًا دعوة موجّهة إلينا اليوم للبقاء تائبين بالرّجاء رغم كلّ شيء من التّجارب والمعاناة لأنّ محبّة الله لنا أقوى من أيّ شيء آخر.
كثيرًا ما أحبّ أن أذكر أنّ أحد أجمل وأهمّ رموز الرّجاء المسيحيّ هو "المرساة" الّتي تعبّر عن كيف أنّ الرّجاء ليس غامضًا بل متجذّرًا في الله وفي يسوع المسيح العمّانوئيل أيّ الله معنا الرّجاء المسيحيّ ليس تفاؤلًا بسيطًا وسهلًا، بل هو متجذّر مثل "المرساة" في المحبّة والإيمان بالله الّذي لا يتركنا أبدًا بل هو معنا ويريد لنا الخير، والخير فقط.
وكتب القدّيس بولس إلى أهل روما: إن كان الله لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين فكيف لا يهبنا معه كلّ شيء، إذا كان حبّه قويًّا لهذه الدّرجة فكيف يمكنه أن يتخلّى عنّا. من يستطيع أن يفصلنا عن محبّة المسيح إذا بذل نفسه لأجلنا على الصّليب: الألم، الاضطهاد، المجاعة، العريّ، الخطر؟ ولكن في كلّ هذه الأمور نحن أعظم من الغالبين بالّذي أحبّنا وخلّصنا، وهو معنا. الّذي يشدّدنا ويقوّينا والقادر على أن يغيّر الأوضاع ويليّن القلوب.
أعلم جيّدًا أنّكم متعبون كما التّلاميذ على بحيرة الجليل، أنتم متعبون ممّا حدث وغير متأكّدين من المستقبل، لكن كونوا مؤمنين وافتحوا نفوسكم للأمل لأنّ الله لا يترككم وحدكم لأنّه أب ويحبّكم كأبنائه. وكم من محبّة الله لكلّ إنسان مهما كان. لا يمكن لأحد أن يشعر أنّ الله منسيّ لأنّ الله يريد أن يخلّص كلّ إنسان كما قال يسوع لنيقوديمس.
أيّها الإخوة والأخوات، إنّ الرّجاء يتطلّب الكثير لأنّه كما قال القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني في زيارته إلى لبنان عام 1997، إنّ الرّجاء هو الالتزام. والأمل يبني دائمًا الحاضر من خلال النّظر إلى المستقبل نحو مستقبل أفضل نبنيه معًا.
أعتقد أنّ الوحدة هي الكلمة الأساسيّة لهذا الحاضر والانفتاح على مستقبل أفضل. العمل معًا لبناء الحاضر مع التّطلّع إلى المستقبل. ولكن ما هو الحاضر الّذي نريد أن نعيشه، وما هو المستقبل الأفضل الّذي نريده لأطفالنا وبيئتنا وكنيستنا؟
بالتّأكيد، نريد إعادة الإعمار والتّرميم، وتريدون استئناف أنشتطكم وإعادة فتح مدارسكم والعودة إلى أعمالكم، ولأجل ذلك نطلب من الجميع التّعاون والتّضامن من أجلكم ومن أجل جميع المتضرّرين من الحرب، ومع ذلك هناك شيء آخر في نفس القيمة وهو الاستمرار بالعمل كلّ يوم، وقد قال قداسته في لقاء مع البطاركة والأساقفة المسيحيّين في روما قبل عامين، إنّ لبنان كان ويجب أن يبقى مشروع سلام. ودعوته أن يكون أرضًا للتّسامح والتّعدّديّة واحة للأخوّة، حيث تلتقي الدّيانات المختلفة، حيث تتعايش المجتمعات المختلفة والمتنوّعة للعمل من أجل الصّالح العامّ. نحن نؤمن بأنّ الله يشير فقط إلى طريق واحد على الأرض وهو طريق السّلام الّذي يجب أن نبنيه معًا بالتّعاون لبناء الأخوّة.
الرّبّ خطّط من ـجل السّلام، معًا من أجل لبنان، هذا ما قاله البابا.
رغم الصّعوبات والتّحدّيات، يجب علينا دائمًا أن نستمرّ في العمل من أجل السّلام، والصّلاة من أجل السّلام وطلب السّلام والعدالة من الله والعدل، الحرب والصّراع يجلبان دومًا المعاناة والموت بينما السّلام يجلب الحياة والله يريد الحياة لأنّه إله الحياة".
وإختتم كلمته قائلًا: "ليبارككم الرّبّ ويحفظكم، أنتم مجتمع صغير لكن تأكّدوا أنّ الله لا ينسى أحدًا، بل على العكس هو يراقب بشكل خاصّ أولئك الصّغار والعزّل، ويجعل نفسه درعهم وقوّتهم. أنا متأكّد من أنّ الرّبّ سيكون من خلال شفاعة سيّدة النّجاة سيكون دائمًا إلى جانبكم، وعنايته ستملؤكم بالنّعمة والبركات".
وإحتفل بورجيا بالقدّاس الإلهيّ عاونه فيه كهنة الرّعيّة وأعطى بركة توبة وغفران بتوجيه خاصّ من البابا فرنسيس، ثمّ التقى بأهل القري واستمع الى شؤونهم وشجونهم ومعاناتهم، وزار بعدها مدفن الشّهيد الخوري خليل سمعان حيث رفع الصّلاة ووضع إكليلًا من الزّهر.
هذا وتفقّد بورجيا المنازل والأضرار مشيًا على الأقدام وصولًا إلى الكنيسة الأثريّة.