المطران طربيه لأبناء الأبرشيّة في الفصح: "سلامي أعطيكم"
"يشكّل عيد القيامة مناسبة سنويّة لتجديد لقاء كلّ شخص منّا مع الرّبّ يسوع القائم من الموت بمجدٍ عظيم والمنتصر على الخطيئة والشّرّ. إنّه عيد حضور الرّبّ في وسط الجماعة المؤمنة، ليزرع الفرح والرّجاء والسّلام ويبدّد الخوف واليأس والاضطراب. اليوم، تتجدّد مسيرة إيماننا به لأنّه الإله الحيّ والحقّ، ومعه فقط نولد للحياة الأبديّة.
وعيد القيامة هو أيضًا عيد السّلام الّذي أعلنه الرّبّ يسوع في أوّل لقاء مع رسله بعد قيامته، إذ دخل والأبواب موصدة حيث كانوا مجتمعين وخائفين، ووقف في وسطهم وقال لهم: "السّلام عليكم..." (يو 20: 26 ). لم تكن تحيّة السّلام من الرّبّ لرسله في هذا الوقت تحيّة عاديّة إنّما حملت معها معاني القيامة والانتصار على الموت فتحوّل الحزن إلى فرح والإحباط إلى رجاء والشّكّ إلى إيمان.
هذا السّلام هو أجمل هديّة يقدّمها الرّبّ بعد قيامته ليس فقط للرّسل والتّلاميذ، إنّما أيضًا للبشريّة جمعاء. "سلامي أعطيكم ليس كما العالم يعطيه..." (يو 14: 27)، لأنّ سلام الرّبّ حقيقيّ ودائم.
هذا السّلام، الّذي استحقّه لنا الرّبّ بتقديم ذاته ذبيحة غفرانٍ على الصّليب، هو من صلب البشارة، ومن الصّفات الأساسيّة التّقليديّة للمسيحيّين بأنّهم أوّلاً رسل سلامٍ ومحبّة خاصّةً لمن لا يعرفون الرّبّ يسوع أو يضطهدونه بشكلٍ أو بآخر. لقد أصبحنا نعيش في عالمٍ خائف وضائع، في عالمٍ لم يعد يعطي مجالاً أو أهمّيّة لحضور الرّبّ فيه، وهنا تبرز الأولويّة في رسالتنا المسيحيّة وهي أن نحمل إلى إنسان اليوم سلام الرّبّ ورحمته وغفرانه.
ونعود في تقليدنا المارونيّ السّريانيّ الأنطاكيّ إلى كلمة شلومو- السّلام- والّتي تحمل معاني السّلام والمصالحة بين الله والإنسان الخاطىء، كما تعني العيش في حضرة الله.
ومن المؤكّد اليوم أنّنا بأمسّ الحاجة إلى السّلام الحقيقيّ، إلى السّلام النّابع من قلب الرّبّ القدّوس، فنجدّد العيش في حضرته مؤكّدين على روحانيّة اعتمدها القدّيسون: "الله يراني"، الرّافضة لكلّ التّيّارات والمذاهب الّتي تدعونا لكي نعيش ونعمل وكأنّ الله غير موجود. فالسّلام الّذي يعيشه أهل الأرض يبقى ناقصًا لأنّه فعل استباق وتذوّق بسيط للسّلام الكامل الحقيقيّ الّذي يعيشه أهل السّماء.
قال الرّبّ يسوع: "طوبى لفاعلي السّلام..." (متّى 5: 9)، هذا السّلام يبدأ أوّلاً مع الذّات، فنعرف أنّ عيد الفصح هو مناسبة للتّوبة عن الخطيئة والمصالحة مع الله، وبالتّالي لا يمكن فصل المصالحة مع الله عن المصالحة مع الآخرين والمبادرة لمسامحة من أخطأ إلينا، لأنّ المصالحة هي الطّريق الوحيد إلى السّلام، والمغفرة هي المسيرة الصّحيحة للتّحرّر من الانتقام والغضب. عندها نصبح صانعي سلام ونستحقّ الطّوبى الّذي تكلّم عنها الرّبّ يسوع.
وهكذا يصبح الاحتفال بعيد الفصح مناسبة لرفع صلاة شكر لله الآب الّذي أرسل ابنه فصالحنا مع أبيه وغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، دون أيّ استحقاق منّا وجعلنا أبناء وبنات له بنعمة الرّوح القدس.
أيّها الأحبّاء،
يشكّل عيد القيامة محطّة محوريّة في سنة اليوبيل الذّهبيّ، إذ نحتفل بمرور خمسين سنة على تأسيس أبرشيّتنا المارونيّة هنا في أستراليا. ويأخذ عنوان السّنة اليوبيليّة معانيه من سرّ الفصح الّذي هو دعوة مفتوحة للقداسة: "الموارنة في أستراليا: مسيرة قداسة وانفتاح"، هذه المسيرة نجدها في حياة القدّيسين، ونعيشها اليوم من خلال استقبال ذخائر القدّيسين إلى رعايانا المارونيّة لتجديد إرث القداسة والتّأكيد على استمراريّة رسالة كنيستنا المارونيّة.
كما نتطلّع بشوقٍ كبير إلى زيارة غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى ليحتفل بقدّاس اليوبيل في هومبوش (نيو ساوث ويلز) نهار الأحد الواقع فيه 24 ايلول 2023.
وفي الختام، أصلّي معكم ومن أجلكم جميعًا ليحلّ سلام الرّبّ يسوع في نفوسكم وعيالكم، وأصلّي من أجل وقف الحرب وسفك الدّماء في أوكرانيا، كما نصلّي معًا من أجل شعب لبنان المعذّب والمقهور في لقمة عيشه، والخائف على مستقبل أولاده والقلق على مصير وطنه، ونطلب من الرّبّ القائم من القبر أن ينهض شعب لبنان من مأساته ويمنّ عليه بالسّلام، لأنّ العيش بسلام هو النّتيجة الحتميّة والطّبيعيّة للإيمان بقيامة المسيح من بين الأموات:
المسيحُ قام.... حقًّا قام!
ونحن شهودٌ على ذلك!".