المطران سويف في افتتاح السّنة اليوبيليّة المقدّسة: لنعمل معًا مسلمين ومسيحيّين من أجل كرامة الإنسان
حضر القدّاس جمهور واسع من كهنة الرّعايا، و المعاونين لهم، وعدد من الرّاهبات والرّهبان، إلى جانب حشد من العلمانيّات والعلمانيّين، ولجان من الأبرشيّة، وكلّ الرّوابط الرّوحيّة والاجتماعيّة والمدنيّة والثّقافيّة.
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران سويف عظة جاء فيها بحسب مكتب إعلام الأبرشيّة: "يسرّني أيّها الأحبّاء في هذا الأحد المبارك ومن مدينة طرابلس، وفي أبرشيّة طرابلس المارونيّة، أن أعلن بالاتّحاد وبالشّراكة والمحبّة، شراكة الإيمان مع قداسة البابا فرنسيس مع غبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الرّاعي ومع كلّ الأساقفة والكنيسة الجامعة في لبنان والعالم افتتاح اليوبيل المقدّس لعام ٢٠٢٥ " يوبيل حجّاج الرّجاء" مبروك لهذه المسيرة اليوبيليّة.
نعم أحبّائي، هذا الأحد هو أحد مقبول للرّبّ وكما الأبرشيّة من وحي موضوع اليوبيل "الرّجاء لا يخيّب" من روما ٥ الآية ٥ وبإطار دعوة البابا فرنسيس للكنيسة الجامعة في كلّ العالم نحن حجّاج الرّجاء، أبرشيّتنا استوحت من هذا اليوبيل هذه الآية الكتابيّة الّتي تقول "أعلن سنة مقبولة للرّبّ" ما معناه أن يكون هذا اليوبيل مقبولًا لدى الرّبّ.
نعم إخوتي الرّجاء لا يخيب، وهذا هو الموضوع والمحطّة الأساسيّة حيث نحن مدعوّين للتّأمّل فيها نقف أمام الرّبّ لأنّ اليوبيل هو وقفة أمام اللّه والسّبت الّذي من خلاله سنترتاح، هو الأحد يوم الرّبّ الّذي من خلاله نقف أمام الرّبّ ونعيش فعل التّقدمة الحقيقيّة في كلّ قدّاس، هو كلّ أيّام الأسبوع الّذي من خلالها نشكر نعمة الرّبّ على عطيّة الرّجاء، وعلى موهبته لا بل على كلّ المواهب الّتي سكبها في كلّ إنسان منّا، هذه العطيّة الّتي تملأ حياتنا فرحًا ومن يكون مع الرّبّ يحيا بالفرح الحقيقيّ، والدّاخليّ، ويشعر أنّه مدعوّ لمشاركة أخوته البشر هذا الفرح فرح، اللّقاء بيسوع المسيح الّذي هو رجانا، والمسيح لا يخيب.لأنّ الرّجاء هو يسوع المسيح.
في هذه الأجواء الميلاديّة وفي مطلع السّنة، وفي الوقت الّذي ندخل فيه عيد الدّنح، أيّ الغطاس، معموديّة الرّبّ، على نهر الأردنّ، ومن خلال الرّتبة الّتي احتفلنا فيها في مطلع القدّاس من خلال صلوات اليوبيل نحن مدعوّين كي نجدّد مواعيد المعموديّة، وننشد في كلّ يوم من حياتنا، مع الملائكة والرّعاة، والبشريّة جمعاء، "المجد للّه في العلى وعلى الأرض السّلام، والرّجاء الصّالح لبني البشر"، الإنسان الممتلئ من الرّجاء لا يمكن إلّا أن يكون إنسانًا يبني السّلام في العالم، ويكون علامة رجاء في حياته وحياة العالم الّذي يحتاج أكثر فأكثر إلى رجاء، وإلى علامات الرّجاء،
من هنا أدعو نفسي قبل أن أدعوكم حتّى تكون هذه السّنة وكلّ أيّام حياتنا علامات رجاء.
إنّ الحياة مليئة بالتّحدّيات بالرّجاء هناك تحدّيات، وفي العالم اليوميّ الّذي نعيشه، وفي لبنان المتألّم، وفي سوريا، وفي هذا الشّرق الأوسط، الّذي لا يزال يعيش نزاعات وحروب وصراعات وهجرة وتهجير، ونحن نأمل أن يدخل إلى حالة جديدة إلى حالة السّلام إلى الحوار والمحبّة والوحدة. الجوع لا يزال موجودًا فقدان الأمل والآفاق المقفلة أمام شبيبتنا اليوم، وهذا أكبر نزف يحصل في وطننا، خاصّة عند انتهاء الدّراسة وأمام انعدام فرص العمل يهاجر معظم شبابنا بحثًا عن فرص للعمل، وهذا يحصل نتيجة اليأس والإحباط الّذي تعيشه في قلبها. الحروب الّتي في معظمها عمليّة تجاريّة، ناتجة عن أطماع في أكثر سلعة تجني أرباحًا طائلة هي السّلاح. وهذا تحدّ كبير لحاضر الإنسان ومستقبله، والأبشع هو المتاجرة بالبشر، خاصّة عندما أرى الإنسان سلعة ورقم نازعًا عنّي كلّ أخلاقيّاتي وكلّ كياني الإنسانيّ والرّوحيّ وكلّ كرامة الإنسانيّة، وهذا أكبر تحدّ تواجهه البشريّة ونحن نكون من أبناء الرّجاء وعلامات الرّجاء الفاعلة والمحوّلة في المجتمع المدنيّ والمجتمع الكنسيّ وفي المجتمع الإنسانيّ عندما أنظر إلى أخي الإنسان وأرى فيه صورة يسوع المسيح، بكلّ حبّ بعيد عن التّمييز الدّينيّ والعنصريّ والاجتماعيّ والثّقافيّ… يسوع جاء كي يصالحنا جميعًا البعيدين والقريبين، مع يسوع لا يوجد يهوديّ أو يونانيّ أو وثنيّ ولا عرق أبيض أو أسود معه رجانا كلّنا أصبحنا عائلة واحدة بيسوع المسيح. والإنسان المليء بمحبّة يسوع لا يسأل أخاه الإنسان من أنت وما هو دينك ولونك وصفتك، ينظر في عينيه ويرى يسوع هو الّذي ينظر إليه، لأنّه يعطيه الحبّ ويحترم ملء كرامته الإنسانيّة.
أمام كلّ هذه التّحدّيات، علينا أن نفتّش عن الرّجاء ونسأل أين هو الرّجاء في العالم الّذي يحمل الكثير من الموت، وحزن، ويأس، في زمن أصبح فيه الإنسان سلعة، نسأل أين هو الرّجاء، دعونا نتساعد في شرح موضوع السّنة تحت عنوان حجّاج أيّ نحن حجّاج أيّ هناك سيرة، مشوار، وجاء ضمن السّينودس العامّ الّذي ختمه البابا فرنسيس، فدعونا نشبك أيدينا بعضنا ببعض، بروح الأخوّة والوحدة، بعيدًا عن الكبرياء والأنا، الّذي مزّقنا. لننظر صوب الرّجاء الحقيقيّ ونشبك الأيادي ونقود بعضنا نحو هذا الميناء ميناء الخلاص والرّجاء نحو المسيح، نسند بعضنا في هذا الطّريق، بالتّضامن الرّوحيّ والإنسانيّ والاجتماعيّ عندما يشعر الإنسان أنّ الشّخص الّذي يقف أمامه موجود، وفيه حياة، ونفرح بلقاء يسوع المسيح ونحتفل بالحبّ والحياة.
نطلب من الرّبّ في هذا الأحد الّذي تزامن مع وجود الرّبّ في الهيكل من عمر ١٢ سنة مع أهله سار في مسيرة حجّ نحو الهيكل وهو قال لنا مرّات كثيرة إنّ هذا الهيكل سيهدم ويبنى في ثلاثة أيّام يعني الهيكل الجديد ليس حجارة، كما الكنيسة الّتي ليست مؤسّسات ودوائر، والعالم ليس فقط قوانين ولكن الكنيسة والرّعيّة والمجتمع الإنسانيّ أصبحنا حجارة حيّة في الهيكل الجديد الّذي يسمّى يسوع المسيح ونحن عندما ندخل إلى الهيكل هذه السّنة نسير نحو لقاء يوميّ مع يسوع المسيح.
هنا أودّ أن أحيّي كلّ أبناء الأبرشيّة والكهنة المعاونين مع المكرّسات والمكرّسين وكلّ العلمانيّات والعلمانيّين بكلّ اللّجان وكلّ الرّوابط الرّوحيّة والاجتماعيّة والمدنيّة المجتمعين اليوم في طرابلس في كنيسة مار مارون، حتّى نزرع البذور الإنجيليّة ليتخمّر العالم والإنسانيّة كي يكون هناك سماء جديدة وأرض جديدة، لنعيشها بروح مسكونيّة وانفتاح على كلّ الكنائس، فلم يعد يحقّ لنا إلّا أن نتواصل تواصل يوميّ وحقيقيّ مع إخوتنا من كلّ الأديان الأخرى انطلاقًا من حقيقة لبنان مسلمين ومسيحيّين نعيش معًا من أجل الوطن والإنسان وكرامة كلّ مواطن. دعونا نؤمن أنّه بالرّجاء يهزم الشّرّ، ومن يؤمن بيسوع لا يجد شرًّا لا في حياته أو في مجتمعه، وعند الصّغير والكبير تمحى الخطيئة ويتجدّد الإيمان. لنعش هذه المسيرة نحو المسيح نحجّ بالمسيح من خلال لقائنا بالإنسان ترافقنا مريم أمّ الرّجاء هو الّذي لا يخيّب له المجد من الآن وإلى الأبد آمين."