لبنان
18 آب 2020, 05:55

المطران رحمة: يكفي ولاء للأشخاص والزّعماء وللسّياسيّين والأحزاب

تيلي لوميار/ نورسات
على نيّة ضحايا انفجار مرفأ بيروت وشفاء الجرحى، ترأّس راعي أبرشيّة بعلبك ودير الأحمر المارونيّة المطران حنّا رحمة قدّاسًا إلهيًّا تزامنًا مع عيد انتقال السّيّدة العذراء، في عيناتا ودير الأحمر وبشوات، ألقى خلاله عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام":

"العذراء مريم تقول تبتهج روحي بالله مخلّصي، ويسوع تهلّل وابتهج بالرّوح القدس، وهذا الفرح الدّاخليّ والابتهاج يعطينا حضور الرّبّ في حياتنا.

العذراء مريم آمنت وعاشت طفولتها في الهيكل، وعندما بشّرها الملاك وحلّ عليها الرّوح القدس، أصبحت فعلاً ممتلئة من الرّوح القدس، وأصبحت أمّ كلّ النّعم والمراحم والشّفاعات، وأصبحت أمّ كلّ إنسان، والعذراء مريم امتلأت من التّأمّل بالله، ولم تعش رفاهيّة في حياتها، بل تألّمت وعاشت التّهجير فتركت أرض القدس لتهرب إلى مصر مع ابنها يسوع ومار يوسف، وكذلك على الصّليب رأت أبشع مشاهد الذّلّ والألم والقهر والجلد وإكليل الشّوك والصّلب لابنها يسوع، لكنّها لم تتردّد ولم تشكّك ولم تخف، بل كان عندها الإيمان القويّ لأنّها عاشرت كلمة الله وحلّ عليها الرّوح القدس، وحلّ في أحشائها المخلّص يسوع المسيح، وأصبحت مريم العذراء مثالاً لكلّ المؤمنين، وأصبح الفرح والسّلام الدّاخليّ والحضور الإلهيّ هو الثّابت، والتّهجير والخوف والظّروف الصّعبة هي الثّانويّة.

لقد انتصرت مريم بالنّفس والجسد، وهذا ما آمنت به الكنيسة من أوّل مرحلة من تاريخها، وإنّنا نقول عن نياحة العذراء وليس عن موتها، وكأنّها استراحت من عبء لتكمل من جديد، والعذراء لم يجدوها في قبرها بعد دفنها، فانتقلت بالنّفس والجسد إلى السّماء كما انتقل ابنها يسوع المسيح، لذا كلّ ظهورات العذراء بالجسد الممجّد.

يأتي عيد انتقال السّيّدة العذراء في مرحلة صعبة جدًّا ودقيقة من تاريخنا، من تاريخ البشريّة ككلّ، وتاريخ اللّبنانيّين بشكل خاصّ، أكيد جائحة كورونا والأزمة الاقتصاديّة هزّت المجتمع اللّبنانيّ، واليوم أتت كارثة انفجار مرفأ بيروت لتظهر للكثيرين منّا الرّعب الحقيقيّ الّذي عاشه اللّبنانيّون في لحظات اعتقدوا خلالها أنّ الدّنيا قد انتهت، وهذا اختبار مهمّ لنا لنقطف منه ثمارًا إيجابيّة، لنعلم أنّ هذا الكون لا يوجد أيّ شيء باق فيه، أخوتنا في بيروت الّذين نصلّي على نيّتهم اليوم، خلال لحظات فقدوا كلّ أملاكهم، والكثير فدوا حياتهم أو أعضاء من أجسادهم، وهذا الشّيء يدعونا إلى التّضامن معهم بكلّ الوسائل الاقتصاديّة والمعنويّة، قولاً وفعلاً.

إنّ هذه الكارثة الكبيرة الّتي حلّت على اللّبنانيّين، وعلى أبناء بيروت بشكل خاصّ، دفعت كلّ لبنانيّ أصيل ومخلص للبنان إلى الاتّحاد والتّعاون والانفتاح على أخيه اللّبنانيّ، لنتضامن جميعًا ضدّ الفساد والاستهتار والفلتان، لنجعل من وطننا صحيحًا، والإنسان يبدأ الخطوة الأولى من بيته وحياته، والمطلوب منّا كمسيحيّين أن نكون المثال الصّالح أمام الجميع بالتزامنا الكنسيّ والرّوحيّ والدّينيّ، وبالتزامنا الوطنيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ.

المفروض أن نعلن جميعًا ولاءنا للبنان، يكفي ولاء للأشخاص والزّعماء وللسّياسيّين والأحزاب، فهذا ما جعلنا اليوم مقصّرين ومستهترين بوطننا ودولتنا، ولو أنّ اللّبنانيّين منذ 30 سنة حزموا أمرهم وبنوا دولتهم، وعملوا ضدّ الفساد، لما كنّا اليوم بحاجة إلى أيّ إنسان، ولم نكن نرى اليوم على شواطئنا كلّ هذه البوارج الحربيّة وتدخّلات الدّول الأجنبيّة."

وأضاف: "إذا كانت هذه الفاجعة والكارثة لم تستطع جمع كلمة السّياسيّين على اتّخاذ قرارات إنقاذيّة لوطننا من محنته وواقعه الأليم، فعلى الشّعب أن يتوحّد في مواجهة الفساد والفاسدين، ولتكن العودة للنّاس من خلال انتخابات نيابيّة جديدة، يختارون من خلالها ممثّليهم الحقيقيّين في النّدوة البرلمانيّة، فالشّعب هو مصدر السّلطات"، متمنّيًا في الختام "أن تشفع السّيّدة العذراء لنا وتحمينا من كلّ شر، وأن تشمل لبنان واللّبنانيّين بفيض محبّتها ورعايتها، وأن تهدي السّياسيّين إلى الخلاص من طريق الفساد، فماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه".