لبنان
29 حزيران 2018, 07:47

المطران درويش يدعو إلى الوحدة في عيد الرّسولين بطرس وبولس

ترأّس راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران عصام يوحنّا درويش قدّاس عيد القدّيسين بطرس وبولس، في كنيستهما في كسارة، عاونه فيه خادم الرّعيّة الأرشمندريت عبدالله عاصي والأب الياس ابراهيم.

 

بعد الإنجيل، عايد المطران درويش المؤمنين المشاركين في الذّبيحة الإلهيّة، طالبًا شفاعة القدّيسين الرّسولين لأجل اختبار حضور يسوع. وقال للمناسبة:
"لقد أتينا اليوم كثيرين نصلّي معًا ليمنَّ الله علينا بنعمته لنكون أمناء لإيماننا وللكنيسة ولتعاليمها على مثال شفيعي هذه الكنيسة القدّيسين الرّسولين بطرس وبولس، فإيماننا يرتكز على تعاليم هامتي الرّسل.
إنّ كتّاب الأيقونات المقدّسة يصوّرون القدّيسيَن معًا، والتّقليد المسيحيّ لا يفصل بينهما، فهما يشكّلان معًا أيقونة الكنيسة الواحدة الجامعة، لكن من السّهل جدًّا إذا ما نظرنا إلى أيقونتهما أن نُميّز بينهما، فبطرس يحمل دومًا بيده المفتاح، بينما بولس يحمل السّيف.
يرمز المفتاح إلى تفويض المسيح لبطرس مفاتيح السّموات بعينها، فالرّبّ قال له: "كلُّ ما ربطته على الأرض يكونُ مربوطًا في السّموات، وكلُّ ما حللتَهُ على الأرض يكون محلولاً في السّماوات" (متّى 16/19). أمّا سيف بولس فيرمز أوّلاً إلى اتّقادِ غيرته الّتي جعلته، على حدّ قول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ، يطير إلى السمّوات ويرتفع فوقَ الملائكةِ. ويرمز السّيف أيضًا إلى شجاعته الفائقة، فلا أحد تألّم من أجل المسيح أكثر منه، ولا أحد أحبَّ أعداءه أكثرَ مما أحبَّهم، فالمحبّة عندهُ هي أصل الفضائل كلّها.
يُذكّرنا إنجيل اليوم بأنّ بطرس هو الصّخرة وبأنّ المسيح يريد أن يبني كنيسته على هذه الصّخرة، لقد أتى هذا التّوكيل بعد أن اعترف بطرس بأنّ يسوع المسيح هو ابن الله الحيّ، لذلك منحه الله مهمّةً راعويّة وأوكلَهُ بقطيعه، هو وباقي الرّسل ليصبحوا جماعة المؤمنين به، فكانت معهم بداية الكنيسة. إنّ اعتراف بطرس بأنّ يسوع هو الله الحيّ، دعوة لنا لنذهب نحن أيضًا إلى عمق الإيمان، وجدّيةِّ أن نعيش اعترافنا به بأنّه ابن الله الحيّ، فكثيرون منّا لا يعرف يسوع على حقيقته كالرّسول فيلبّس في بداية إيمانه عندما قال له يسوع: "منذ زمن بعيد وأنا معكم ولم تعرفني يا فيلبّس؟" (يوحنّا 14/9).

الكنيسة ليس عندنا فيها آراء مختلفة عن يسوع فنحن كلّنا نتبنّى جواب بطرس: "أنت المسيح (مرقس 8/29)، "أنت المسيح ابن الله" (متّى 16/16). "أنت قدّوس الله" (يوحنّا 6/96).
هذا ما اكتشفه بولس الرّسول على طريق دمشق عندما ظهر له يسوع فنور المسيح الّذي سطع حوله كان كافيًا لينهي رسالة الاضطهاد الّتي جاء من أجلها ليبدأ مسيرة إيمانيّة جديدة. ، لقد غيّر يسوع النّاصريّ كلّ قناعاته في رؤية سماويّة جعلته ينصاع طوعًا ويبدّله فُيصبح حُبَّهُ للمسيح فوقَ كلِّ حبّ، هذا الحبّ الّذي حصل عليه هو نعيمُه وحياتُه، هو العالم والملائكة والسّموات والحاضر والمستقبل والملكوت.
بعد هذا الانقلاب لم يبقَ عند بولس إلّا حقيقة واحدة: يسوع المصلوب والقائم من بين الأموات. لقد أدرك أنّ المسيح صار حيًّا فيه: " لست أنا أحيا بعد بل المسيح يحيا فيّ" (غل 2/20). قال له الرّبّ اذهب، اخترتك ودعوتك لتحمل اسمي إلى الوثنيّين والملوك والعالم كلّهُ (أع 9/16). فقضى ثلاثين عامًا في البشارة: سفر طويل، طرقٌ وعرة، سُجنَ، ضُرب، بالعصي، رُجمَ وسيق مُقيّدًا، ووقع مرّاتٍ كثيرة تحت رحمة اللّصوص والسّيول، وفي أسفاره البحريّة لطالما تكسرّت السّفن الّتي كانت تقلّه.. إنّه موسوعة من الأتعاب والسّهر والألم والمعاناة. والأجمل من ذلك أنّه اعتبر هذه المشقّات فخرًا له! لأنّ الّذي يحمل اسم المسيح ويؤمن به يتّسم بالقوّة والفرح والرّجاء.
إنّ التّكامل بين الرّسولين بطرس وبولس هو طريق الكنيسة إلى الوحدة، فعلاقتهما الأخويّة رغم التّباين بينهما في الثّقافة والفكر والرّؤيا قدّما لنا صورة عن الأخوّة الحقيقيّة الّتي تتحقّق دومًا بالمسيح. فاتّباع المسيح فقط يقود إلى هذه الأخوّة الجديدة وهذه هي الرّسالة الأساسيّة الّتي يقدّمها لنا العيد، والّتي تنعكس أهمّيّتها في بحثنا الدّائم عن المحبّة الّتي تجمعنا وعن الشّركة الرّوحيّة الّتي توحّدنا. وكلّنا يطمح إلى هذه الوحدة الّتي عاشها بطرس وبولس."
هذا ودعا في عظته الزّحليّين إلى الوحدة والتّرفّع عن السّجالات "فهي لا تفيد أحدًا ولا تُعطي شرعيّة ولا قوّة لأحد. القوّة بأن نكون موحّدين وشهودًا لحضور المحبّة فيما بيننا."

وفي الختام، بارك المطران القرابين ووزّعها على المؤمنين.