لبنان
01 تشرين الأول 2018, 09:18

المطران درويش يحدّد شروط تعزيز المواطنة من أزهر البقاع

لبّى رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك ورئيس اللّجنة الأسقفيّة للحوار المسيحيّ-الإسلاميّ المطران عصام يوحنّا درويش دعوة أزهر البقاع، إلى النّدوة الّتي عُقدت بالشّراكة مع معهد المواطنة وإدارة التّنوّع في مؤسّسة أديان، تحت عنوان "دور الأديان في تعزيز المواطنة الحاضنة للتّنوّع"، بحضور عدد من الكهنة والمشايخ والشّخصيّات.

 

تخلّلت النّدوة كلمة للمطران درويش قال فيها: "أتوجّه بالشّكر العميق لمنظّمي هذه النّدوة: أزهر البقاع ومعهد المواطنة والتّنوّع في مؤسّسة أديان وأهنّئهم على اختيار هذا الموضوع.
المواطنة تعني انتماء المواطن إلى وطن وتسيير أمور النّاس على قدم المساواة في مناخ من الحرّيّة والعدالة.
هل يا ترى الانتماءات الأخرى كالعشيرة أو الطّائفة أو المذهب هي عائق أمام المواطنة؟ من الطّبيعيّ جدًّا عندما تنغلق الطّائفة أو العشيرة على ذاتها وتضع لها نظمًا خاصّة أو عندما تنعزل عن باقي مكوّنات المجتمع أو عندما تنتفي المساواة بين المواطنين، تتعثّر المواطنة لأنّ المواطنة هي انتماء المواطنين إلى وطن وليس إلى طائفة أو دين.
الطّائفة هي طبعًا دعوة سماويّة لتنتظم الجماعة الواحدة التّابعة للطّائفة للعبادة وللمحافظة على تراثها الدّينيّ، والتّنوّع في الطّوائف هو غنى للمجتمع، مثل لوحة فنّيّة تكتمل وتتجمّل بألوانها، شرط أن تتناغم هذه الطّوائف مع بعضها البعض وتتكامل لتؤلّف وطنًا واحدًا، يتطلّع جميع أبنائه باتّجاه مستقبل واحد ليصلوا إلى رؤى مشتركة تعزّز مفهوم المواطنة وتدعمها.
لذلك ستبقى مجتمعاتنا مشوّهة طالما هي تعتمد على الانتماء الطّائفيّ أو المذهبيّ أو القبليّ في الحكم وطالما لا تعمل القوانين للمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ففي غياب المواطنة الواحدة من السّهل جدًّا أن نجد أشخاصًا يعملون على الشّحن الطّائفيّ وهذا يُنتج مناخًا نفسيًّا عدائيًّا كما أنّه ينمّي العداء تجاه الطّوائف الأخرى.
يقول بعض علماء الاجتماع بأنّ المواطنة هي علاقة الفرد بالدّولة أو بالوطن، أنا شخصيًّا أقول بأنّ المواطنة هي علاقة الجماعة بالوطن، أو الطّائفة بالوطن، هذه العلاقة يحدّدها دستور وقوانين تنبثق من رغبة الجميع وإرادتهم بالعيش المشترك في وطن يسعى دومًا إلى التّقدم وكذلك إلى المصالحة، لأنّ الشّعور بالانتماء الدّينيّ أو الطّائفيّ يولّد بعض التّضامنات داخل الطّائفة، لكنّه أيضًا يولد بعض الكراهيّات المصاحبة لها.
تتعزّز المواطنة عندما يتخطّى المواطنون المفهوم الطّائفيّ الضّيّق وعندما يلتمسون معًا رؤى بشريّة واضحة مدركة لمصيرها المشترك تجتمع حول قيم أساسيّة واحدة وعلى تنمية التّنوّع الموجود فيما بينها ليكون حافزًا لبناء سلّمٍ لأولويّاتنا.
تتعزّز المواطنة عندما نختم على ثقافة الصّراعات بين الجماعات الدّينيّة والطّائفيّة والمصالح الشّخصيّة ومن مفهوم الدّيانة المناوئة والثّقافة المناوئة والجماعة المناوئة.
تتعزّز المواطنة عندما نلجُ بامتياز مرحلة الاندماج الفعليّ والتّضامن الحقيقيّ، ونتضافر في مواجهة الأخطار الّتي تحاصرنا، وعندما نفتح أعيننا وندرك التّحدّيات والأزمات الّتي علينا أن نواجهها معًا.
تتعزّز المواطنة عندما نعبّئ أفضل ما عندنا ونضعه في خدمة الجماعة وعندما نستأصل من لغتنا ما يبعدنا عن بعضنا، وعندما ننقّي ذاكرتنا وندير ظهرنا لتراكمات التّاريخ السّيّئة.
هذه التّحفّظات الّتي تحدّثت عنها تجعلني اليوم أكثر تفاؤلاً بأنّ المواطنة يجب أن تحضن التّنوّع وأن نكون نحن القادة قدوة لكثيرين، فنكون شركاء حقيقيّين نساهم بحكمة وصفاء ذهن في بناء جيل جديد يعرف أن المواطنة هي رسالة وأمانة تلقى على عاتقنا جميعًا لاسيّما نحن رجال الدّين، لأنّ دعوتنا أن نقدّم باستمرار رؤية منفتحة لخطابنا الدّينيّ تتلاءم مع تطلّعات الحداثة.

 ما نحتاج إليه اليوم هو حوار لاهوتيّ فقهيّ متقدّم، يأخذ بجدّيّة قضايا المواطنة ويقبل التّعدّديّة الدّينيّة، والحوار هنا لا يفترض أبدًا الفهم الكلّيّ المتبادل لخصائص معتقدات الآخر، إنّما يتطلّب معرفة جيّدة للآخر وقبوله.
إنّ المواطنة لا يمكن أن تبرّر وجودها من دون توافق مسبق على مختلف الأصعدة خصوصًا السّياسيّة منها والأخلاقيّة، والحياة المشتركة الّتي هي جزء مهمّ من المواطنة لا تستمرّ من دون توافق على القيم الإنسانيّة الأساسيّة.
هل يمكن أن نحقّق المواطنة؟ نعم!.. عندما نقاوم كلّ نظرة تفرقة وكلَّ مبالاة تطال فكر الآخر وعندما نعمل معًا من أجل حياة أفضل للإنسان وعندما نردم الهوّة بين الغنيّ والفقير وعندما نقلّص التّناقضات التّقليديّة الموجودة في مجتمعنا.
هل للدّين أن يعزّز المواطنة؟ نعم وبكلّ تأكيد!.. لأنّ الدّين يحرّر الإنسان وينفتح على المستقبل لصالح المواطنين، ولأنّه يبعث الثّقة بالحياة ويعزّز التّضامن والإبداعيّة وينمّي التّجدّد الرّوحيّ ويؤسّس للسّلام العالمي.
الدّين قادر على احتضان المواطنة لأنّه قادر على إنماء القيم الإنسانيّة، ولأنّه يتمتّع بقوّة الثّورة على التّحجّر الفكريّ. نعم بوسع الدّين أن يكون سندًا لوعي سليم لهويّتنا الوطنيّة الواحدة، فالدّين بعكس الطّائفيّة، لم يكن يومًا حاجزًا يعرقل المواطنة لأنّه يرتقي بالرّوح ويهذّب الأخلاق ويرفع الإنسان إلى الخالق."