المطران درويش :لنختبر حضور المسيح بيننا في الأزمات الّتي نمرّ بها
"خاطبت محبّتكم مرارًا خلال الأسابيع الماضية عن الصّوم والصّلاة وفوائدهما وكم من النِّعم الرّوحيّة يحصل عليها كلّ من يصوم ويصلّي. اليوم أريد أن أطلب منكم أن نكمل معًا درب الصّوم. الكنيسة تدعونا خصوصًا من خلال صلوات الصّوم لنسير مع يسوع في طريقه إلى الصّليب وعلى الصّليب تكتمل رسالة الخلاص الّتي تجسّد من أجلها. دعونا اليوم نضع كلّ همومنا العائليّة وأمراضنا وقلقنا على مستقبلنا ومستقبل أولادنا ووطننا ولنختبر حضوره بيننا، لنتأمّل وجهه، إنّه يعطينا السّلام والطّمأنينة، لنتأمّل بكلماته فهي تعطينا الجواب على كلّ ما يراودنا من قلق، كلماته تدلّنا على الطّريق الّتي توصلنا إليه. كلماته تقرّبنا إليه، تجعلنا نسكن فيه وهو يسكن فينا، كلماته تزيدنا فرحًا وانفتاحًا وتنمّي إيماننا.
يا أحبّة، هدف الصّوم أن نكون أكثر اتّحادًا مع يسوع وأن نفهم رسالته الخلاصيّة ونعيشها ونبشّر بها، ونفهم بنوع خاصّ أنّ موته على الصّليب كان من أجلنا وأنّ قيامته الّتي سنحتفل بها بعد ثلاثة أسابيع كانت أيضًا من أجل أن يتحوّل ضعفنا إلى قوّة.
نحن في الصّوم والصّلاة نتمتّع بالصّمت لنسمع كلمات يسوع تدخل إلى أعماقنا فتبدّلنا وتحوّلنا، فلا نجرؤ أمامه على الكلام إلّا عندما نشعر بأوجاعنا وخطيئتنا فنتفوّه بنعمة الرّوح القدس فنصلّي طالبين منه الشّفاء وأن يقبلنا أولادًا وإخوة له.
بصومنا وصلاتنا نجعل يسوع يفتح لنا أبواب رحمته وحنانه، بهما نحسُّ بقوّة لا تغلبها قوّة أرضيّة فنُفرغَ ذاتنا لنمتلئ من المسيح، آنذاك فقط نهدم حائط العداوة وجدار القسوة المعشّش في قلوبنا. عندما يفتح يسوع باب رحمته ندخل في شركه معه، الرّوح القدس يجعلنا أخوة وأخوات، يجعلنا جسدًا واحدًا، يجعلنا الكنيسة.
هذا الحدث الّذي تليناه على مسامعكم، شفاء الولد، يعلّمنا أنّنا بالصّلاة والصّوم يمنحنا الرّبّ السّيادة على الأرواح الشّرّيرة.
كان الولد أبكمًا، يعني أخرسًا، لا يسمع ولا يتكلّم. ربّما كان هذا أحد مشاكل إيماننا، لا نسمع كلام الله، وإذا لم نكن نسمع فكيف نؤمن؟ ربّما لا نتكلّم ولا نسمع لأنّنا لا نريد أن نصغي.
يا أخوتي الله الآب يكلّمنا باستمرار عن ابنه ويعطينا النّعمة لكي نسمع له، والرّوح القدس يدعونا دومًا لنمجّد الرّبّ. القدّيس بولس يقول لنا إنّ الإيمان يولد من سماع الله: "كيف يؤمنون ولم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون به بلا مُبشّر" (روم 10/14-17). "كلُّ من سمعَ الآب وتعلّمَ منهُ يأتي إليَّ" (يو6/45).
يسوع المسيح وضع شرطين في إنجيل اليوم، ليخرج الشّرّ من قلبنا: الصّوم والصّلاة. بهما تعود علاقة البنوّة مع الله، وتعود الرّحمة والحنان إلى قلبنا، نصير أشدّاء لأنّ الرّبّ "صخرتي وملجأي وقوّتي" فننشد بقوّة: "إنذ الله معنا فاعلموا أيّها الأمم وانهزموا لأنّ الله معنا".
أهمّ شيء نكسبه بالصّوم هو أنّنا نبتعد عن الكلام البطّال: الكلام يبني ولكنّه إذا كان باطلاً يقتل العلاقة بين العائلة الواحدة، بين الأصدقاء والأحبّاء. بلساننا نبارك الله وبه أيضًا تهدم صيت أخينا الإنسان.
صوم مبارك للجميع."
