المطران درويش: لنجعل من كلّ بيت كنيسة ومن كلّ شخص كاهن وراهب وراهبة
"أحيّيكم جميعًا أينما كنتم، وفي هذا الظّرف العصيب وفي ظلّ أزمة الكورونا، هذا الوباء الّذي اجتاح العالم بسرعة هائلة، أرفع الدّعاء معكم ونصلّي للرّبّ لنكون مصانين من المرض.
إنّنا نذكر في هذه الأيّام الأوبئة الّتي مرّت علينا عبر التّاريخ ولاسيّما الطّاعون كيف أنّ القربان المقدّس وصلاة المؤمنين أبادا هذا الوباء.
في رسالتنا السّابقة طلبنا من أبنائنا وبناتنا، خصوصًا المسنّين منهم، البقاء في البيت. يقول الرّبّ في فم النّبيّ أشعيا: "تعالَوا اَدخُلوا بُيوتَكُم واَغلِقوا أبوابَكُم علَيكُم. توارَوا قليلاً يا شعبي، إلى أن يَعبُرَ الغضَب" (أشعيا26/10)ُ.
إنّ كلام الله يتوجّه إلينا اليوم ونكرّر النّداء "خلّيك بالبيت" هذه هي الحكمة المطلوبة منّا حتّى تعبر عنّا هذه الكأس المرّة. هذا الوقت هو وقت الرّجاء، وقتٌ نختبر به قوّة الصّلاة وقوّة الإيمان، وقتٌ نكتشف فيه أهمّيّة التّوبة والعودة إلى الله.
لا تخافوا يقول لنا الرّبّ، صلّوا ولا تملّوا. كنائسنا ستبقى مفتوحة لكم، وسنُبقس على الصّلوات كما هي، لكنّنا نريد أن تكونوا سالمين، ونقول لكم ما قاله يسوع: أَمَّا أَنتَ، فمتى صَلَّيتَ فادْخُلْ حُجْرَتَكَ وأَوصِدِ البابَ، وصَلِّ اإلى أَبيكَ الّذي في الخُفْيَة؛ وأَبوكَ الّذي يَرى في الخُفيَة هُو يُجازيك.
نريد منكم في هذه المرحلة أن تصلّوا في البيت ولا تخافوا، تابعوا معنا الصّلوات عبر صوت السّما، والمناولة الرّوحيّة، مناولة الشّوق، تجوز في هذه الأيّام وقد أوصى بها آباء الكنيسة. والبقاء في البيت مناسبة لتجتمع العائلة معًا حول كلمة الله ومناسبة جيّدة لتكونوا معًا وتقوّوا رباط المحبّة فيما بينكم، ونريد أن ينتعش الحوار بين الأهل والأولاد.
نطلب من الكهنة والرّهبان والمؤمنين والمؤمنات إطاعة أوامر السّلطات المدنيّة والرّوحيّة بما يخصّ التّوجيهات للوقاية من فيروس كورونا.
الوضع صعب وخطير جدًّا... لذلك علينا أن نأخذ خطوات جريئة فنبقى في بيوتنا، وأنا أرجوكم وأطلب منكم ذلك. علينا ألّا نضع أنفسنا في التّجارب "لا تجرّب الرّبّ إلهك". المسؤوليّة تتطلّب منّا أن نصلّي في بيوتنا، ولنجعل من كلّ بيت كنيسة ومن كلّ شخص كاهن وراهب وراهبة. كلّ مخاطرة في هذا الوقت هي من الشّيطان، وهي شرّ بحدّ ذاتها.
إخوتي الكهنة، المسؤوليّة كبيرة عليكم، وجّهوا أبناء وبنات رعاياكم ليبقوا في البيت ويصلّوا فيه.
أتوجّه بشكر كبير للعاملين في مستشفى تل شيحا وفي المستشفيات الأخرى، أطبّاء، ممرّضين وممرّضات، إداريّين وموظّفين. لقد التقيت مع بعض منكم صبيحة هذا اليوم، وشاهدتكم وأنتم تخدمون المرضى، علامات الفرح والشّجاعة والحبّ كانت بادية على وجوهكم. بارككم الله، فأنتم مثل لنا في تضحيتكم وعملكم.
أريد أن أوكّد لكم أنّنا لن ننسى أبدًا خدمتكم في هذا الوقت ولن نتخلّى عن أحد منكم مهما كثرت علينا الصّعوبات. كانت تلشيحا دومًا أسرة واحدة تعمل من أجل خير الإنسان، ونريدها أن تبقى كذلك.
أتوجّه أيضًا بشكري العميق للعاملين والمتطوّعين في طاولة يوحنّا الرحيم. صحيح أنّكم تقدمون في هذه الأيّام الصّعبة أكثر من أربعماية وجبة للمحتاجين وتوزّعوها على البيوت، لكنّكم أيضًا تقدّمون حبّكم مع كلّ وجبة طعام، وقد رأيت الفرح باديًا على وجوهكم وأنتم تعملون وتحضّرون الطعام.
منذ يومين ساعدت في توضيب وجبات الطّعام قبل توزيعها، أتى شابّ إلينا وطلب منّا خمس وجبات لأنّ عائلته جائعة ولا مورد لها... قالت له المسؤولة: لا تخف تعال كلّ يوم فالمائدة مفتوحة لكلّ محتاج. هذا الشّابّ يُظهر لنا الحاجة الماسّة لنتكاتف ونوزّع خيراتنا على المحتاجين. لذلك نتوجّه إلى مجتمعنا وبخاصّة للميسورين منهم أن يتطلّعوا بمحبّة وكرم إلى المحتاجين. هذا هو الوقت الّذي يمنحه الرّبّ لنا لنسمع صوته يقول لنا: "كنت جائعًا فأطعمتموني، كنت عطشانًا فسقيتموني.." بهذه الكلمات يرسم لنا يسوع طريق العبور إلى الملكوت، هناك ستظهر أهمّيّة لقمة الخبز وكأس الماء الّذي نقدّمه لأخوتنا المحتاجين.
إنّ طاولة يوحنّا الرّحيم بحاجة إليكم، إنّها بحاجة إلى متطوّعين وإلى مساعدات مادّيّة وعينيّة لنتمكّن من متابعة هذ المساعدة الّتي ارتضيناها لنا.
أخيرًا أصلّي معكم أيّها الأحبّاء ونستغفر الآب السّماويّ عن كلّ خطايانا ونطلب من الرّوح القدس أن يمنحنا روحَ الحكمة ويرشدنا ويُسَكِنّ عواصف قلبنا ويحرّرنا من كلّ خوف.
نصلّي لمريم العذراء، إنّها شفاء المرضى وسيّدة زحلة والبقاع وخلاصُ جميع الّذين يلتجئون إليها. نسألها أن تعيد الاطمئنان إلى نفوسنا والفرحَ إلى قلوبنا. نسألها أن تبارك المسؤولين المدنيّين والرّوحيّين الّذين يعملون لصالح النّاس، نسألها أن تنجّينا من وباء الكورونا ومن جميع المخاطر. الآب رجائي والإبن ملجأي والرّوح القدس وقائي، أيّها الثّالوث القدّوس المجد لك. آمين.".