المطران درويش في قدّاس العيد: لن يكون الميلاد ميلادًا إلّا إذا كنّا صانعي خير للنّاس وصانعي سلام بين النّاس
وتوجّه المطران درويش إلى جمهور المؤمنين في معايدة قال فيها:
"المسيح وُلد!.. فمجّدوه!..
أتمنّى لكم جميعًا في هذا النّهار السّنيّ، ميلادًا سعيدًا وسنة جديدة مباركة ومقدّسة، أتمنّى أن يولد يسوع المسيح في قلب كلّ منكم.
أشكر في بداية عظتي معاوني في خدمتي الأسقفيّة، أخوتي الكهنة والرّهبان والرّاهبات والعلمانيّين، أشكر وأعايد الّذين يخدمون هذه الكاتدرائيّة وبخاصّة الجوقة الّتي تتفانى في حضورها الدّائم. أوجّه معايدتي إلى جميع أبنائنا وبناتنا في الأبرشيّة وفي كلّ الرّعايا، أتمنّى لهم سنة جديدة مباركة، مليئة بنعم الله وأن يتمتّع كلّ واحد بوجود المسيح في حياته.
آمل أن يجلب لكم هذا العيد فرحًا وأملاً ورجاءً ومحبّةً.
الميلاد هو حضور الله في حياتنا، ودعوتنا أن نلاقيه ونتركه يدخل إلى حياتنا ويقودنا لنتجدّد ونتطهّر، لنفتح له قلوبنا فنتحرّر من كلّ ما يعيق شراكتنا معه ويجعل فينا كلَّ شيء جديدًا. الميلاد هو القوّة نحو التّغيير، فالمتجسّد أدخلنا من باب المغارة الضّيّق إلى عهد جديد، إلى المستقبل، حيث تفيض المحبّة فينا.
لن يكون الميلاد ميلادًا إلّا إذا كنّا صانعي خيرٍ للنّاس وصانعي سلام بين النّاس، لأنّ المسيح هو الخير المطلق والسّلام المطلق. فالميلاد هو يوم الإنسان وسرّ الإنسان، يوم مجيد لكلّ واحد منّا، إنّه بداية الخلاص، بداية الحياة وبداية القيامة.
لن يكون الميلاد ميلادًا إلّا إذا تسربلنا بالنّور، فالميلاد هو نور المعرفة للعالم، الآتي من العلاء، النّور الّذي ينجلي للأمم. أعطانا الميلاد نورًا لكي نكون بدورنا نورًا للآخرين، كما قال لنا: "أنتم نور العالم.. هكذا فليضىء نوركم قدّام النّاس ليرَوا أعمالكم الصّالحة ويمجدوا أباكم الّذي في السّماوات".
لن يكون الميلاد ميلادًا إلّا إذا قادنا النّجم إلى يسوع، لنتذوّق معه بهاء الألوهة وعشقنا بدورنا الكلمة المتجسّد وارتفعنا معه من المغارة إلى رحاب الملكوت، حيث الغفران وقوّة الصّفح لا حدود لها، لذلك قال: "أحبّوا بعضكم بعضًا... أحبّوا أعداءكم، صلّوا لأجل الّذين يسيئون إليكم"، فأنتم أبناء السّماء وأبناء السّماء مدمنون على المحبّة.
لن يكون الميلاد ميلادًا إلّا إذا حافظنا على كرامة الإنسان الآخر، فإذا أردنا السّلام يجب أن ندافع عن حقّ الإنسان بأن يعيش بكرامة، والكرامة ترتبط دومًا بقدسيّة الحياة، وهذا يتطلّب تضامنًا حقيقيًّا وصادقًا وشفّافًا بين المسيحيّين والمسلمين لإزالة كلِّ غبن يلحق بفريق أو بآخر. وهنا أريد أن أتوجّه بمحبّة إلى رئيس الجامعة اللّبنانيّة وأقول له إنّ جامعتك في البقاع في خطر لأنّها لم تعد تراعي مبدأ المساواة، وفيها غُبنٌ يطالُ فئة من مكوّنات شعبنا اللّبنانيّ، ونحن لا نريد أبدًا أن نعتبرها محاولة لتهجير شبابنا الّذين باعوا أرضهم ليتعلّموا في أفضل جامعات العالم.
ستبقى سيّدة النّجاة تبذل الجهد لتكون في خدمة أبنائها، سنتواصل مع الجميع لكي نتابع خدمتنا للجميع وسنبقى متضامنين مع ذوي الإرادات الطّيّبة الّذين يعملون لبشرى الإنجيل المتجدّدة والّذين يعملون لخير الإنسان ورقيّه، والّذين يسعون للتآخي والمساواة والعدالة.
إنّي أرفع صلاتي لتبيد أنوار الميلاد المجيد الغيوم السّوداء الّتي نمرّ فيها من وقت إلى آخر، أرفع صلاتي لتنير أنوار الميلاد خطوات رئيس جمهوريّتنا العماد ميشال عون وكلّ المسؤولين السّياسيّين والأمنيّين ليحافظوا على وحدة مكوّنات شعبنا، إنّنا نطلب لهم الحكمة والشّجاعة وأن يكونوا صانعي السّلام، ليس في لبنان فحسب إنّما في شرقنا العربيّ، فلبنان الرّسالة لا حدود لرسالته وهو لن يكون رسالة إلّا إذا تفاعل مع محيطه وقدّم لمحيطه خبرته الإيجابيّة في التّآخي والمحبّة، في المساواة والعدالة.
إنّنا نضرعُ إلى طفل المغارة، يسوع المسيح، الكلمة المتجّسد، لأجلكم أيّها الأحبّاء لتكونوا مباركين، فرحين متهلّلين كلَّ حينٍ، ولتكن العذراء مريم مغارتَنا الحقيقيّة نلتجئ إليها لنكتشف معها سرّ الميلاد ونعرف بأنّ يسوع ينتظرنا لنسجد له. آمين!".