لبنان
11 نيسان 2020, 05:45

المطران درويش في رتبة جنّاز المسيح: لا خلاص لنا إلّا بالقيامة

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران عصام يوحنّا درويش رتبة جنّاز السّيّد المسيح في كاتدرائيّة سيّدة النجاة. وألقى درويش عظة توجّه فيها إلى المؤمنين عبر وسائل الإعلام والتّواصل الاجتماعي قال فيها:

"أحيّيكم أيها الأحباء، أبناء وبنات أبرشيّتنا، الأصدقاء، الأخوات والأخوة، الذين يتابعونا عبر تلفزيون نورسات، وتلفزيون زحلة وإذاعة صوت السّما، وباقي وسائل التّواصل الاجتماعيّ. نحن نفتقد جميع الأحبّاء الذين تعوّدنا أن نراهم في رتبة جنّاز المسيح، وبدون شكّ هم أيضًا يفتقدون هذه السّنة سيّدة النّجاة. يفتقدون لحمل نعش المسيح والتّبارك منه. لقد حُرمنا هذه السّنة من الفرح والأخوة، اللّتين تليقان بهذه الاحتفالات، بوجودنا معًا، بأقدس أسبوع في حياتنا المسيحيّة. لكنّي أوكّد لهم أنكم كنتم معنا في صلواتنا، طوال هذا الأسبوع المقدس.
كلّنا نقدّر الأوضاع الخطرة التي نمر فيها، لكنّنا لا نريد "أن نحزن كباقي النّاس الذين لا رجاء لهم" (1تيم4/13). بل نريد أن نتعلّم قراءة تاريخ ما يجري في العالم، بعين الله، وكأننا "نُعاين الذي لا يُرى" (عبر11/27).
نحيي اليوم ذكرى موت يسوع المخلّص، الذي افتدانا بموته كما يقول بولس الرّسول: "أمّا للهُ فقد برهن على محبّته لنا بأنَّ المسيحَ قد ماتَ عنَّا ونحنُ بعدُ خطأة" (رو5/8). المسيح أحبّنا حتّى أنّه بذل نفسه من أجلنا، لكن كيف يمكن أن نفهم اليوم هذه المحبّة وكيف نتكلّم عن محبّة الله لنا، ونحن في حرب مع مرض اجتاح العالم، مع وباءٍ يهدّد وجودنا؟ وكيف نفهم محبّة الله ونحن نشهد كوارثَ وحروب ومآسي تملأ كوكبنا؟
الجواب، نعلنه اليوم ونحن نتأمّل الصّليب، فاللهَ نفسه موجود على الصّليب، يسوع النّاصريّ الإنسان مصلوب ومعَهُ صُلبت الإنسانيّة. وما دام الصّليب مرفوعًا والمسيح مصلوبًا عليه، ستبقى أسئلتنا بلا جواب، والألم البشريّ لن يتوقف، حتّى أنا المسيحيّ المؤمن لا أعرف الإجابة على أسئلتي هذه، إن لم أرى الخلاص معلّقًا على الصّليب وإن لم أحسب كما يقول بولس الرّسول: "أن آلامَ هذا الدّهرِ الحاضرِ لا يمكنُ أن تُقابلَ بالمجدِ المزمِعِ أنْ يتجلّى لنا" (رو8/18).
إنّ موتَ يسوع قَلَبَ كلّ المعادلات والمقاييس: مات لعازر الفقير فحملته الملائة إلى السّماء، مات لعازر صديق المسيح فقام من الموت، جاء الفرّيسيّون يرجمون المرأة الخاطئة فصارت مع المسيح مبرّرة، دخل العشارُ المعبدَ خاطئا فخرج مبرّرًا... لذلك تعالوا نذهب اليوم، إلى قبر المحيي، فنجدَ أجوبةً على تساؤلاتنا، فالإيمان بالقيامة لا يتركُ شكّا عند أحد، حتّى عند غير المؤمن، لأنّ المسيح ابن الله مات للجميع وعن الجميع.
إنّ عولمة الألم الذي نشهده اليوم جرّاء الوباء الذي انتشر في العالم، له على الأقل التّأثير الإيجابيّ علينا، فهو صار ألمُ الجميع، ويستدعي تضامنَ الجميع، ويعطينا الأمل بأنّنا جميعًا صرنا من جديد عائلة بشريّة واحدة، ومسؤوليّتنا واحدة ومشتركة وعلينا أن نتخطّى الفروقات والحواجز الموجودة بيننا.
لكن علينا أيضًا أن نفهم بأن ما يحصلُ في الكون من شرّ، ليس من صنع الله، ولا عقًابا على خطايانا، فنحن بهذا التّفكير نُجدف على الله ونهينُه، لأنّ الله محبّة، والمحبّة "لا تأتي قباحةً، ولا تفرحُ بالظّلم بل تفرحُ بالحق" (1كر13). كما علينا أن نفهم بأنّ التّكنولوجيا والعلم ليسا كافيان لإنقاذ البشريّة، فليس لنا في الضّيقات يا ألله معينٌ سواك.
فلا خلاص لنا أيّها الأحبّاء، إلّا بالقيامة، لأنّ الزّلزال الذي حدث لمّا مات يسوع وأحدث خوفًا شديدًا عند الذين صلبوه، فقد بددته القيامة، عندما دُحرج الحجر عن باب القبر وقام المسيح، فالله "أحبَّ العالمَ حتّى إنّهُ بذلَ ابنهُ الوحيدَ لكي لا يهلكَ كلُّ من يؤمنُ بهِ، بل تكونَ لهُ الحياةُ الأبديّة" (يو3/16).
فلنستعد أيّها الأحبّاء، أن نرنّم بقلب كلُّهُ رجاء، بأنّ المسيح الذي عُلِّقَ على خشبة، قامَ من بين الأموات، ونحن معه قائمون."