المطران درويش: الكنيسة هي أوّلًا كنيسة الفقراء إلى الله
"القيامة تبدّل حياتنا وتغيّر نفسيّتنا وتجعلنا نشعر بفرح روحيّ عميق، لأنّ فصح الرّبّ خبر سارٌّ لجميع الشّعوب، فقيامة المسيح أعطتنا رجاءً جديدًا وشعورًا بأنّنا نحن أيضًا انتصرنا.
ننتصر أوّلًا على الخوف الموجود فينا، الخوف من الآخر، الخوف من ضعفنا، وأحيانًا الخوف من الله.. القيامة تجعلنا نتخطّى هذا الخوف، لأنّها تعطينا الشّجاعة لنسير في طرق جديدة يفتحها لنا الله. وهي تساعدنا لنستعيد قدرتنا على ضيافة الله وضيافة الإنسان الآخر فنكون كرماء مع الله ومع النّاس.
هذه السّنة وبسبب الوباء كانت مناسبة لنختلي بأنفسنا، ونشترك بالصّلوات ونحن في بيوتنا، وكانت مناسبة لكثيرين أن يعيشوا فترة فرح عائليّ.
ورغم أنّ فرحتنا لم تكتمل في هذا العيد، إلّا أنّ يسوع لم يتركنا وحدنا بعد قيامته، إنّه معنا وبخاصّة مع الّذين يحتاجون إليه: "إن عطش أحد فليأت إليَّ ويشرب". أظنّ أنّ من يريد أن يعرف يسوع عليه أن يعرف الفقراء والمحتاجين، ويسوع أظهر حنوَّهُ على الفقراء، أحبّهم حتّى أنّه قال: "الفقراء يُبشَّرون (لو7/22) فهم الأقرب إلى قلب المسيح، لذلك هم الأكثر قدرة على إعطائنا الله، علمًا أنّهم لا يعرفون ذلك.
الفقراء يقدّمون لنا رسالة فريدة من خلال حالتهم الصّعبة ومن خلال آلمهم والحرمان الّذي يعيشونه، لذلك نحن ككنيسة ملتزمون بهم ولا يمكننا الاستغناء عن مساعدتهم. وهم بضعفهم وفقرهم يعطون الله، يساعدوننا لنكون أقرب إلى الله، يفجّرون فينا طاقة المحبّة ويساعدوننا لنعيش التّطويبات.
البابا بولس السّادس كتب يومًا: "إنّ الفقير هو علامةٌ سرّيةٌّ لحضور المسيح". ويسوع يذكّرنا دومًا بما قاله عنهم: "الحقّ الحقّ أقول لكم: كلَّ مرة عملتُم هذا لواحد من إخوتي هؤلاء الصّغار، فلي عملتموه، (متّى25/40).
نحن بعملنا مع الفقراء، لا نقول أبدًا إنّنا سنهتمّ بهم أو سنفيدهم.. لكنّنا نريد أن نتماهى معهم، أيّ أن نتماثل بهم، فعمل الخير إن لم ينبع من قلبنا ومن محبّتنا يكون دينونة لنا.
نحن لا نعمل مع الفقراء من أجل العدالة الاجتماعيّة فحسب، لكنّنا نريد أن نحرّرهم ونحرّر أنفسنا من عبوديّة المادّة، ونشعرهم بأنّهم محبوبون ولا غنى عنهم.
أحببت في هذا القدّاس الإلهيّ الفصحيّ أن ألفت انتباهكم بأنّ الكنيسة هي أوّلًا كنيسة الفقراء إلى الله، هي كنيسة الخدمة الفرحة. وإستطرادًا لذلك أريد من الّذين يخدمون فقرائنا، إن في طاولة يوحنّا الرحيم أو في مشاريع أخرى، أن يعرفوا بأنّ اللهَ يهبُ ذاته لنا عبر هؤلاء الصّغار، وبأنّنا بعملنا المجّانيّ معهم، نختبر نعمة الله.
أيّها الأحبّاء، زمن الكورونا هو زمن الرّحمة والرّأفة، فرحمته أدركتنا ورأفته غمرت قلوبنا وخدمتنا الفقراء هي زمن عنصرة المحبّة ويمكن أن نجعله بمحبّتنا زمنَ ربيعٍ جديد للكنيسة. شكرًا للّذين يخدمون بفرح وابتهاج. المسيح قام!".