لبنان
12 نيسان 2023, 09:30

المطران خيرالله: لبنان، هلمّ فاخرج من قبرك!

تيلي لوميار/ نورسات
في كفرحي، ترأّس راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله قدّاس أحد القيامة ألقى خلاله عظة تحت عنوان "لبنان، هلمّ فاخرج من قبرك!"، فقال:

"قرّر يسوع أن يعود، في يوم أحد قيامته من بين الأموات، إلى نواحي صور وصيدا، إلى الأرض الّتي باركها وإلى الوطن الّذي أحبّه.  

فقالوا له إنّ الوطن الّذي تحبّه مثل لعازر مريض ومشلول ومُنهك ومنهار ومنهوب وسائب للمافيات والميليشيات وفسادها وحقدها وانتقامها وحروبها. وهو بالتّالي مشرف على الموت.

فقال لهم: "إنّ هذا المرض لا يؤول إلى الموت، بل إلى مجد الله، ليُمجَّد به ابن الله".

ثمّ أضاف: "إنّ صديقنا لبنان راقد، ولكنّي ذاهب لأوقظه" (يوحنّا 11/4 و11).

ولمّا وصل يسوع رأى أنّ لبنان في القبر منذ زمن. "فجاش صدره واضطربت نفسه ودمعت عيناه" (يوحنّا 11/33).

فقال للّبنانيّين اليائسين الواقفين أمامه: "أنا القيامة والحياة، أتؤمنون بهذا؟" (يوحنّا 11/25).

ها هو لبنان اليوم، وطن الرّسالة، يمرّ في معاناةٍ صعبةٍ للغاية ولَّدت لدى أبنائه الخيبة واليأس والقلق على المصير، وكأنّ دعوته ورسالته وشهادته قد انتهت في هذا الشّرق وفي العالم.

جئناك اليوم، يا يسوع، حاملين همومنا ومآسينا اليوميّة، فحياتنا في كنف دولتنا أصبحت شبه مستحيلة حيث لم نَعُدْ قادرين على مواجهة التّحدّيات المعيشيّة والاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والأمنيّة، وبُتنا نعاني من وزرها نحن المواطنين فقرًا وجوعًا وعدم قدرة على استشفاء وطبابة وتعليم ودفعٍ إلى الهجرة، وخصوصًا هجرة شبابنا ونُخبنا، طلبًا لحياةٍ كريمة.  

ونعاني أيضًا من سوء سمعة دولتنا إذ يقول لنا أصدقاؤنا في العالم: دولتكم فاسدة ومفلسة ومنهوبة وأصبحت من عداد الدّول الفاشلة، وإذا لم يرتدع المسؤولون عندكم ويبدأوا بتنفيذ الإصلاحات فأنتم إلى الفناء صائرون. لقد وضعوكم في القبر وأصبحتم في مثوى الأموات.  

جئناك اليوم، يا يسوع، مع مرتا ومريم، لنقول لك: يا ربّ، لو كنت ههنا لما مات لبنان! لكنّنا نؤمن أنّك المسيح ابن الله الآتي إلى العالم. نؤمن أنّك أنت القيامة والحياة!  

ذهب يسوع إلى القبر ووقف أمام لبنان المائت والمدفون، وقال لنا نحن اللّبنانيّين: إرفعوا الحجر عن القبر الموضوع فيه لبنان!  

فكان جوابنا: لقد صار من عداد الأموات وأنتَنَ ورائحةُ الفشل والفساد عابقة منه !

قال يسوع: ألم أقُلْ لكم إذا آمنتم ترون مجد الله؟ ثم وقف ورفع نظره إلى السّماء وصلّى قائلاً: "شكرًا لك يا أبتِ على أنّك استجبت لي، وقد علمتُ أنّك تستجيب لي دائمًا أبدًا. ولكنّي قلت هذا من أجل الجمع المحيط بي لكي يؤمنوا أنّك أنت أرسلتني" (يوحنّا 11/42). ثمّ صاح بأعلى صوته قائلاً:  

لبنان، هلّم فاخرُجْ من قبرك!  

فخرج لبنان واستعاد عافيته وراح يؤدّي من جديد رسالته السّامية في الحرّيّة والكرامة والعيش الواحد في احترام التّعدّديّة، ويقوم بخدمته الإنسانيّة والدّينيّة والاجتماعيّة والحضاريّة.  

إخوتي المسيحيّين، إخوتي اللّبنانيّين،  

تعالوا نستقبل يسوع المسيح القائم من الموت بالفرح والإيمان والرّجاء.  

تعالوا نستفيد من هذه المناسبة لنقرأ معًا علامات الأزمنة المؤاتية لصالحنا، ونكتشف إرادة الله في حياتنا ونعيش حضوره في ما بيننا.  

تعالوا نُقلع عن التّعاطي مع عالم الأموات، عالم الفساد والغشّ والإفلاس.  

تعالوا ندحرج الحجر عن قبورنا المكلّسة الّتي تمثّل أجسادنا المائتة وأطماعنا وتقوقعنا في علّيّة خوفنا وأنانيّاتنا. تعالوا ندحرج الحجر عن قلوب السّياسيّين المتحجّرة وعن قلوبنا جميعًا الّتي تمنعنا من التّلاقي مع بعضنا البعض ومن اللّقاء بالمسيح الّذي يسبقنا إلى كلّ مكان في العالم نحن مدعوّون فيه إلى حمل رسالتنا المميّزة.  

تعالوا نتحرّر من التّبعيّة الّتي تستعبدنا لمصالحها، فنتوحّد لنقرّر مصيرنا بأنفسنا.  

لقد حرّرنا المسيح بموته وقيامته لنكون أحرارًا وأنبياء الحقّ في عالمنا.  

تعالوا نتعاون على بناء ما تهدّم من مجتمعنا ودولتنا ووطننا ونصلح ما فَسُدَ من أخلاق وما ضاع من قيَم.  

رجاؤنا كبير أنّنا سنقوم مع لبنان لنكون فيه رسل محبّة وأخوّة وسلام.

رجاؤنا كبير بأنّ لبنان، الوطن الّذي أحبّه المسيح وأقامه نموذجًا، سيقوم إلى حياة متجدّدة بفضل جهود كلّ واحد منّا، وبشفاعة والدته مريم العذراء سيّدة لبنان الّتي رافقته إلى أرضنا ولا زالت ترافقنا.  

لبنان وطن باركه الله ليكون بلد التّلاقي في الحرّيّة ومساحةً لجميع أبنائه للتّخاطب والتّحاور وبناء السّلام.  

المسيح قام، حقًّا قام!".