سوريا
17 نيسان 2020, 11:50

المطران جنبرت في رسالة الفصح: قفوا ولا تخافوا!

تيلي لوميار/ نورسات
عايد راعي أبرشيّة حلب للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران يوحنّا جنبرت أبناء رعيّته بعيد الفصح، فكتب:

"أيّها الأبناء الأحبّاء،

لا يسعني في هذا اليوم المبارك إلّا أن أتوجّه إليكم بالتّهنئة بالعيد، وبكلمات رجاء أنقلها إليكم عن الّذي قام وقال لنا أنا معكم فلا تخافوا.

التّهنئة أوّلاً، بعِيدكم الأعظم، عيد الفصح الّذي عبر فيه الإنسان المؤمن من الموت إلى الحياة، عيدٌ هو عيد الأعياد وموسم المواسم، نحتفل فيه بقيامتنا وتمتّعنا بخليقة تتجدّد وحياة إلهيّة تحلّ فينا بالمسيح يسوع. إنّ هذا الحدث كما تعلمون يا أيّها المؤمنون الأكارم، هو حدث مفصليّ في تاريخ البشريّة وهو الأساس في انتمائنا المسيحيّ، فإمّا أن نؤمن بأنّ المسيح قد قام ليقيمنا معه وإمّا أن نبقى كالمشاهدين الغرباء الّذين يرقبون من الخارج أحداثًا خارقة، فيها عجب واستفهام للبعض وفيها حيرة للغالبيّة العظمى ممّن لم يعرفوا المسيح المخلّص، الّذي بقيامته الحياة انتظمت، وبانتصاره لم يبق للموت سلطان. من الآن وإلى الأبد.

إنّ الإيمان بيسوع الكلمة الّذي يعطي الحياة للّذين يقبلون إليه، وكما تعلمون، هو حجر الزّاوية في بنية كياننا الجديد الّذي تحقّق بالكلمة، ابن الله المتجسّد. ولولا اعترافنا بقيامة المسيح لكان إيماننا فارغًا من مقوّماته الأساسيّة كما يعلّمنا بولس الرّسول، وأن نكون مسيحيّين يعني أوّلاً وأخيرًا أن نكون أبناء القيامة، الّذين لا من لحم ولا دم وإنّما من الله ولدوا لحياة جديدة خالدة، فيها بنوّة لله مفعمة بالنّعمة، نعمة إلهيّة، يستمدّ منها المعتمدون كلّ يوم محبّة خالصة تثمر فينا رحمة وصدقًا ووئامًا وسلامًا نسعى إليه خيرًا للمجتمع. هم خلعوا إنسانهم القديم ليلبسوا الجديد، بالمسيح يسوع سيّد الخليقة وباريها، ليسلكوا مسلكه وينعموا معه بحياة البنوّة الإلهيّة.

وأمام الوباء، المرض المميت المستشري حاليًّا في العالم كلّه، وفي الأوضاع العصيبة الّتي نمرّ بها اليوم في بلادنا، أودّ أن أذكّركم بأنّ المسيح معنا كما سبق وقال قفوا ولا تخافوا. لقد مرّت بنا في حلب أحداث رهيبة لم يسبق لها مثيل تحمّلناها بنعمته وتخطّيناها سالمين، بقدرة الّذي حمانا وخلّصنا من عبث الإرهابيّين القتلة الأشرار وتعدّياتهم الظّالمة، يومًا بعد يوم وطيلة السّنين التّسع المشؤومة الماضية، حيث كان المخلّص يمدّ يده في كلّ مرّة ليسكّن العواصف الّتي كانت تهدّدنا وينجّينا من أهوالها، وفي هذا، ولا ريب، إعجاز ليس بعده إعجاز! وعندما أعود لأستذكر أحداث تلك الأيّام القاسية الرّهيبة الّتي مرّت علينا، لا أستطيع إلّا أن أرفع عينيّ إلى السّماء لأنشد نشيد شكر إلى الرّبّ يسوع الّذي نجّانا وحفظنا سالمين. وأنا اليوم أقف لأطلب إليه، واثقًا من رحمته الواسعة، أن يديم علينا نعمته في هذا الظّرف الخطير، حيث وباء فيروس كورونا يتفشّى في كلّ مكان مهدّدًا.

لقد مرّت احتفالات الشّعانين المباركة والقيامة المجيدة هذه السّنة دون البهجة الّتي تضفيها عليها مشاركتكم الحميدة، غير أنّني واثق من أنّكم صلّيتم خاشعين ثمّ تابعتم في منازلكم، أنتم ومن حولكم عيالكم الغالية، تلك الطّقوس الجميلة المنقولة على شاشات التّلفزة، متوجّهين إلى الرّبّ الفادي بآيات الشّكر والتّسبيح والدّعاء، ولعلّ في ذلك ثواب كبير وبركة للجميع، وهو السّميع المجيب. ونحن بدورنا، إخوتكم في المسيح وآباؤكم في الكهنوت، لم نشأ أن ينقطع هذا التّقليد المبارك فيخبو نور هذا الأسبوع العظيم المقدّس في أبرشيّتنا العريقة، ولذلك عقدنا العزم على ترتيب احتفالات خميس الأسرار وزيّاح جنّاز المسيح وسبت النّور وأحد القيامة في كنيستكم الكاتدرائيّة، حيث اجتمعنا كلّنا، أسقفًا وكهنة أفاضل، وصلّينا متّحدين صلاة حارّة على نيّة بلادنا العزيزة وعلى نيّة الأبرشيّة وعلى نيّة كلّ واحد منكم، طالبين إلى الرّبّ الإله أن ينجّي بلادنا من وباء كورونا ومن كلّ أذى وأن يحفظ كنيسته بسلام وأمان، جاعلاً منها مرساة خلاص لعالم متخبّط بألوان البلايا والعنف والحروب. وبهذه المناسبة عبّرنا للرّبّ عن رغبتنا الصّادقة بأن نكون محافظين على وديعة الإيمان الّتي أنعم بها علينا، طالبين إليه أن يمدّنا جميعًا، أنتم ونحن، بنعمته لكي نخلص له في حياتنا ومقتدين به في السّخاء والرّحمة وفي ممارساتنا المجتمعيّة وتعاطينا الصّادق مع من حولنا من النّاس.

وليكن هذا العيد المجيد عيدًا مباركًا لكلّ واحد منّا، ولننشد معًا نشيد الانتصار مبتهجين، لأنّ المسيح قد قام وأقامنا معه لحياة جديدة منوّرة بإشعاعات محبّته الّتي لا حدّ لها"