كندا
27 كانون الأول 2024, 09:45

المطران تابت: الميلاد رسالة لعالم يبحث عن المصالحة

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه راعي أبرشية مار مارون في كندا المطران بول- مروان تابت رسالة، لمناسبة عيد الميلاد المجيد، جاء في نصّها:

وقال: "في هذه اللّيلة المقدّسة من عيد الميلاد، نتوحّد في الفرح للاحتفال معًا بأسمى أسرار إيماننا: ولادة يسوع المسيح، فادي الإنسان. تدعونا قصّة الميلاد، كما وردت في الإنجيل، للعيش بعمق معاني هذا الحدث الإلهيّ، إذ يذكّرنا عيد الميلاد بقرب الله حِسّيًّا من الإنسانيّة، وهو قرب ملموس من خلال ولادة الطّفل في المذود.

اليوم، ونحن نتأمل بهذا الحدث، نتشارك في ثلاثة أفكار روحيّة أساسيّة، داعيًا كلّ فردٍ منّا في هذه الفترة وطوال العامّ المقبل أن يبني حياته على أساسها: الميلاد هديّة للجميع: محبّة الله غير المشروطة .

أحد الجوانب الأكثر تأثيرًا في الميلاد هو شموليّة رسالة الملاك للرّعاة: "إنّي أبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشّعب" (لوقا 2/10). يذكّرنا عيد الميلاد أنّ محبّة الله لا تعرف حدودًا، وأنّ الطّفل يسوع هو هديّة لجميع البشريّة، بغضّ النّظر عن وضعنا الاجتماعيّ أو ثقافتنا أو حالتنا. كان الرّعاة، وهم مجرّد عمّال في الحقول، أوّل من تلقّى خبر ولادة المخلّص، ممّا يدلّ على أنّ الله لا يميّز بين العظماء والصّغار في نظر العالم.

تدعونا محبّة الله غير المشروطة هذه إلى أن نفتح قلوبنا لجميع من نلتقي بهم، وأن نرحّب بهم بالرّحمة والتّعاطف. فعيد الميلاد دعوةٌ لمشاركة نفس المحبّة الّتي تلقّيناها مجّانًا، بأنّ نصبح شهودًا لمحبّة المسيح، بدءًا بمن يحتاج إليها أكثر من حولنا. فمن خلال المحبّة، نشهد حقًّا لوجود الله في حياتنا وفي عالمنا.

الميلاد رسالة لعالم يبحث عن المصالحة: دعوة إلى السّلام .

لا تزال كلمات الملائكة للرّعاة تتردّد في الأذهان: "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السّلام للنّاس الّذين يرضى عنهم" (لوقا 2/14). إنّ عيد الميلاد هو إعلان للسّلام الحقيقيّ، سلام لا يأتي من البشر، بل من الله ذاته، من خلال مجيء المسيح، أمير السّلام. هذا السّلام لا يقتصر على غياب الحرب، بل يشمل مصالحة القلوب مع الله ومع الآخرين.

في عالم تعصف به الصّراعات والانقسامات والظّلم، يحثُّنا عيد الميلاد لنكون صانعي سلام. وُلد المسيح من أجل مصالحة البشريّة مع الآب، ويدعونا لحمل رسالة المصالحة هذه. يتطلّب ذلك شفاء العلاقات المكسورة، والمغفرة الّتي لا حدود لها، والالتزام الفعليّ بالعمل من أجل عالم أكثر عدلًا وأخوّة. في الحقيقة، يدعونا عيد الميلاد لنشرِ هذا السّلام في عائلاتنا ومجتمعاتنا وأن نكون شهوده الفاعلين.  

الميلاد قاعدة ورسالة رجاء للجميع: فرح البشارة.

إحدى أولى الحقائق الّتي تكشفها ولادة يسوع هي أنّ الله اختار أن يكون حاضرًا بالكامل بين شعبه. يذكّرنا إنجيل متّى بالكلمة النّبويّة لإشعيا: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا، ويدعى اسمه عمّانوئيل، الّذي تفسيره: الله معنا" (متّى 1:23). هذا الاسم، "عمّانوئيل"، هو وعد "بالقرب". وبالتّالي، يظهر عيد الميلاد كرسالة فرح ونور ورجاء للجميع. لا يعتمد هذا الفرح على الظّروف الخارجيّة، بل هو قائم على الحقيقة العجيبة لمحبّة الله، الّتي تجلّت بمجيء ابنه إلى العالم.  

من خلال إعلان الميلاد، يقدّم لنا الله رجاءً في مستقبل أفضل، وفي مصالحة ممكنة، وفي حياة متبدّلة بمحبّته. فالميلاد دعوة لنقل الرّجاء إلى الّذين يحتاجونه، وللحفاظ على الثّقة في المستقبل، وكذلك للإيمان بوعد السّلام والخلاص الّذي يقدّمه لنا المسيح. وهذا ما يدعونا إليه قداسة البابا فرنسيس للسّنة المُقبلة بإعلان اليوبيل الّذي يحمل عنوان "حجّاج الرّجاء".

إنّ عيد الميلاد ليس مجرّد تذكار لحدث من الماضي، بل هو دعوة مستمرّة لتجديد حياتنا في المسيح. وبينما نرحّب بالطّفل يسوع في قلوبنا، تدفعنا هذه المناسبة لنتبّنى ثلاثة دروس من المحبّة غير المشروطة، والسّلام، وفرح الرّجاء. فليكن كلّ ضوء من أضواء هذا العيد علامة على محبّة الله الّتي تتألّق في حياتنا وتقودنا لنشهد لبِرِّ الله لكلّ من نلتقي بهم.  

في هذا العيد المقدّس، أبارككم جميعًا، خاصّة أولئك الّذين يمرّون بتجارب وصعوبات. ليُشرق نور ولادة يسوع على حياتكم وليملأ سلامه قلوبكم وبيوتكم".