المطران بو جوده في يوبيل الاب نجيم: عمل طوال حياته على بث روح المحبة والتسامح في قلوب كل من أهتمّ بهم
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها: "يطيب لي أن أحتفل معكم اليوم باليوبيل الذهبي الكهنوتي للأب حليم إبن هذه الرعية المباركة التي أعطت وما زالت تُعطي للكنيسة كهنة ورهبان وراهبات يلبّون دعوة الرب ويخدمونها بروح المحبة والعطاء والتضحية. وُلد الأب حليم في رشعين في العاشر من تشرين الأوّل سنة1938 وإنتسب إلى الرهبنة الفرنسيسكانيّة، وتابع دراسته بين العامين 1959 و1966 في بيت لحم والقدس، ثمّ حصل على الإجازة في علم النفس وعلم الإجتماع من جامعة بيروت العربية سنة1972 وعلى ديبلوم في التربية وعلم النفس من الجامعة الأردنيّة في عمّان سنة1974. سيم كاهناً في التاسع والعشرين من حزيران سنة1966 وتحمّل مسؤوليّات إداريّة كبيرة في رهبنته وأصبح على عدّة دورات أميناً عاماً للمدارس المسيحيّة في الأردن ووكيلاً عاماً في حراسة الأراضي المقدّسة. ترأس دير مار أنطونيوس البادواني في حريصا ودير السانطا (Santa) في بيروت- الجميزه".
واضاف:" شارك في عدّة مؤتمرات حول موضوع حوار الحضارات والأديان وخاصة بين اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، ومن بينها مؤتمر حول "الأصولية في الديانات التوحيديّة الثلاث سنة1996، ومؤتمر في جامعة الروح القدس في الكسليك بموضوع: إنسان واحد وثلاث ديانات، ومؤتمر العائلات الفرنسيسكانيّة في لبنان بمناسبة اليوبيل المئوي الثامن لتأسيس الرهبنة الفرنسيسكانيّة. إهتمّ الأب حليم بالأمور التربويّة وإدارة المدارس والحوار المسيحي الإسلامي وفي الأبحاث التاريخيّة حول علاقة الفرنسيسكان والكنيسة المارونيّة.
تشرّب الأب حليم الروحانيّة الفرنسيسكانيّة في مدرسة القديس فرنسيس الأسيزي وعاشها بعمق وإلتزام، ويجدر بنا هنا أن نشير إلى ميزة هذه الروحانيّة وروحانيّة مؤسّسها الذي وُلد في عائلة ثرية مرموقة، لكنّ الرب إختاره ودعاه في ظروف قاسية كانت تعيشها الكنيسة في القرون الوسطى، يوم كان المسيحيّون يعيشون حروباً خارجيّة عُرِفت بالحروب الصليبية بين المسيحيّة والإسلام، وحروباً داخليّة بين المسيحيّين مع بعضهم البعض بسبب إنتشار بعض البدع الأصوليّة في بلدان أوروبا الكاثوليكيّة وبصورة خاصة في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا".
وقال:" كانت الكنيسة إذن تعيش جوّاً من الإنقسام والتشرذم كادت تؤدّي بها إلى الخراب، فسمع فرنسيس في قرارة نفسه صوت الرب يدعوه ويقول له: يا فرنسيس أصلح كنيستي ورمّمها... فتخلّى عن كل ثروته وغناه وقرّر أن يعيش الفقر الإنجيلي ويدعو غيره من الشباب والشابات إلى الإقتداء به، وتبعته في ذلك القديسة كلارا... وعندما رفض والده أن يؤيّده في مسيرته هذه وتصرفاته ترك له حتى ثيابه وقال له هذا كل ما أعطيتني إياه، فإستردّه... وهكذا وبعد محاولات عديدة إستطاع أن يقابل البابا ويحصل منه على الإذن بتأسيس رهبنة جديدة يعيش أعضاؤها الفقر الإنجيلي، فلُقِّبَ فرنسيس بالفقير الصغير: الـPoverello. وفي عز أيام الحروب الصليبيّة بين المسيحيّين والمسلمين في الشرق، وبكل بساطة وجرأة وشجاعة ذهب فرنسيس إلى مصر ليُقابل السلطان ويطلب منه أن يصبح مسيحياً... فلم يستجب السلطان بالطبع لهذه الدعوة لكنّه إحترم جرأة فرنسيس وشجاعته وأقام معه علاقات حوار مميّزة".
وتابع:" إلى هذه المدرسة إنتسب الأب حليم، وتشرّب الروحانيّة الفرنسيسكانيّة وهذا ما يبرّر ما عرفناه عنه من عمل في الحقل التربوي والرسولي وفي حقل الحوار بين الأديان وبصورة خاصة بين المسيحيّة واليهوديّة والإسلام، هو الذي أمضى فترة طويلة من حياته في الأرض المقدّسة Terra Santa، محاولاً قدر المستطاع الإقتداء بشفيع رهبنته في ظروف قاسية ومتوتّرة بإستمرار بين أهل البلاد وبصورة خاصة منذ إقامة دولة إسرائيل سنة1948 والحروب المتكرّرة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين. والمعروف أن للرهبنة الفرنسيسكانيّة دوراً هاماً في خلق جو من الحوار بين هذه المجموعات، وفي المحافظة على الوجود المسيحيّ في فلسطين والشرق الأوسط، ومن هنا الإسم الذي إتّخذته هذه الرهبنة في الشرق الأوسط، إسم حراسة الأرض المقدّسة".
واردف:" إلى هذه الرهبنة إنتميت منذ صباك، ومن روحانيّتها تغذّيت فقمت بدور المربّي فيها، وتحمّلت فيها مسؤوليّات كبيرة، وتميّزت بروحك الكهنوتيّة عائشاً روحانيّة القديس فرنسيس الذي يُعيد إليك في وصيّته كما سائر الرهبان الفرنسيسكان أهميّة الرابط بين الكاهن والكنيسة ويُذكّر بأن هذه الأمور كلّها ليست من واجب الكهنة فقط، أنّما هي واجب كل رجل وإمرأة في هذا العالم. وقد عملتَ طوال حياتك الكهنوتيّة على بث هذه الروح في قلوب كل من أهتمّيت بهم، إن من التلاميذ أو من الإداريّين، كي تجعل منهم معك رسلاً يعيشون روحانيّة المؤسّس التي هي الروحانيّة التي إختاره لها الله في أن يُرمّم كنيسته وبصورة خاصة على الصعيد الروحي".
وختم: "أودّ في ختام كلمتي أن أُكرّر عليك ما سمعته من حارس الأراضي المقدّسة في القدّاس الذي إحتفلت به في دير مار أنطون البادواني في حريصا حيث قال لك: لقد بدأت كلمتي بالتهاني ولكنّي الآن أُريد أن أنهيها بتقديم الشكر لك: شاكراً لك لأنّك تجاوبت مع دعوة الله لك بكل سخاء، شكراً لأنّك أجبت عليها طيلة خمسين عاماً. شكراً لك لأنّك أجبت عليها من خلال الخدمات الكثيرة التي أوكلت إليك وأتممتها بكل سخاء. شكراً من أجل السنين التي أمضيتها في خدمة مدارس حراسة الأراضي المقدّسة، وفي التعليم. شكراً للجهود التي قمت بها على صعيد الحوار بين الأديان لكي تبني جسوراً للسلام. وأنّ الرب الذي يرى في الخفية ولا ينسى أي خدمة هو الذي يكافئك ويعطيك الصحة والعافية والعمر الطويل، من أجل خير الإخوة وخلاص الإنسانيّة في هذه السنة اليوبيليّة لأن كنت رحوماً مثل الآب".
بعد القداس انتقل الجميع الى قاعة الكنيسة المجاورة، حيث كانت كلمات استهلت بكلمة المهندس طوني نجيم القاها باسم العائلة واشار فيها الى محطات واسعة من حياة الاب المكرم، لافتا الى اهم المراحل التي واكبت مسيرته الكهنوتية وتفانيه في خدمة الله والناس".
تحدث بعده الاب المكرم حليم نجيم فشكر للذين تعبوا وعملوا على تنظيم هذا الحفل التكريمي، من كهنة وعلمانيين، كما شكر للمطران بو جوده حضوره ورعايته لهذا التكريم، مضيئا في كلمته على بعض من مراحل حياته التي عاشها في رشعين بين اهله واصحابه.
وفي الختام سلم المطران بو جوده والخوري رزق الله درع التكريم الى الاب حليم نجيم وسط تصفيق الحضور، من ثم اقيم حفل كوكتيل في المناسبة.