المطران بولس مطر: "الأب عفيف عسيران انتقل إلى بيت الآب برائحة القداسة"
وقبيل بدء القداس ألقى كاهن الرعيّة الخوري دومينيك لبكي تحدّث فيها عن صاحب الذكرى وفضائله وعلمه وروحانيّته.
المطران بولس مطر
وبعد الإنجيل المقدّس ألقى المطران مطر عظة، جاء فيها: في عيد مار فرنسيس الأسيزي أب الفقراء نذكر قداسة البابا فرنسيس بصلاتنا ونرى للأب عفيف عسيران صورة مسبقة محببّة عن الحبر الأعظم، لأنه هو أيضًا، كان ملفانًا في الفلسفة واللاهوت وفي التصوّف المسيحي والإسلامي معًا، وإلى ذلك اختار حياته خدمة للفقراء والمهّمشين.
المسيحيّة تُعبّر عن ذاتها،طبعًا بإيمانها وتُعبّر عن هذا الإيمان بالمحبّة لجميع الناس. الله محبّة هو ورحمة هو. وعلينا أن ندرك أن المحبّة، هي علامة حضور الله في العالم وعلامة صحة المسيحيّة والمسيحيين. فعندما تكون المحبّة حاضرة، يكون الله حاضرًا، وعندما تغيب المحبّة يغيب وجه الله عن نظرنا وعيوننا.
الأب عفيف عسيران، نفتخر به أساقفة وكهنة،أننا كنّا من تلامذته في الجامعة لسنوات، وافتخر به أنا شخصيًا، لأنه قرّر أن يكون كاهنًا من كهنة أبرشيّة بيروت، وسيم على يد سلفنا الصالح المثلث الرحمة المطران إغناطيوس زيادة الذي كان يحبّه محبّة عظيمة. هذا الإنسان الذي اكتشف المسيح وتبعه زاد حبّه لإخوته ولبني دينه وللعالم أجمع. المسيح رسّخه في الحبّ وفي العطاء المجاني. كان يقول لنا، أنتم في مؤسساتكم ومدارسكم وجامعاتكم ومستشفياتكم، تخدمون الناس، ولكنكم لقاء أجر. أُريد منكم أن تخدموا الناس مجانًا، كما أن الله يعطينا مجانًا. وكان يقول لنا، بكل صدق وعمق: الذين ليسوا من دينكم لا تجادلوهم، بل أحبّوهم. هذه هي وصيّة الأب عفيف عسيران، لنا نحن معشر المسيحيين، أن نحبّ الذين هم من ديننا ومن غير ديننا على السواء، لأن الربّ هو ربّ الجميع. ويسوع ليس ملكًا للمسيحيين. كلّنا ملكه تعالى وله المجد. كلّنا نطلب رحمته ورضاه.
الأب عفيف عسيران الذي تعلّم العلوم العاليّة، في لبنان وفرنسا وإيران وسواها، خصّص نفسه للفقراء في شوارع صيدا، يُوزّع الخبز وأكثر من ذلك. حاول البعض أن يضطهدوه، لكنهم تراجعوا عن هذا الموقف، لأنهم عرفوا أن هذا الإنسان لم يعمل سوءًا أبدًا.لماذا نضطهده وهو صانع الخير مع جميع الناس. فتح مدرسة في أبرشيّة بيروت وفي تبنين والمطران زيادة ساعده في ذلك،وخصّصها للفقراء والضعفاء يُعيد إليهم إنسانيتهم وكرامتهم، عبر أكل خبزهم بعرق جبينهم. أحبّهم حتى النهايّة لهؤلاء الصغار الذي قال فيهم يسوع المسيح، إنه هو وإياهم واحد. يُمضي ساعات طوال في الكنيسة، يناجي ربّه، يحاكيه ويجالسه ليلًا ونهارًا.
بعدما انتقل من هذه الدنيا، لم يختفِ أثره البتة، بل راح يزداد عُمقًا واتساعًا وقوّة في قلوب الذين عرفوه وأحبّوه. كُتبت عن الكتب بلغات عديدة، رأى الناس فيه إنسانًا يجمع بين العلم والعمل، بين المحبّة والتسامي. هذا الإنسان نقول عنه اليوم أنه انتقل إلى بيت الآب، برائحة القداسة. وبناء على طلب محبيه وتلامذته الذي قصدوا مطرانية بيروت، أخذنا في النهايّة الضوء الأخضر من السلطات الكنسيّة العليا، وفتحنا محكمة خاصة للنظر، بدعوى تطويبه. وأنتم تعرفون ان هذه الدعوى تمرّ، عبر ثلاث مراحل. المرحلة الأولى يُعلن فيها الإنسان مُكرّمًا، أي أنه عاش الفضائل ببطولة، نحن الآن في هذه المرحلة وربما ننتهي منها في شهر تشرين الثاني ونقدّم الدعوى إلى روما وإلى بكركي. بعد ذلك إن شاء الله ننتقل إلى دعوى طوباوي ومن ثمّ إلى دعوى القداسة. صلّوا، أيها الإخوة، ليُظهر الله قداسة الأب عفيف عسيران ويُعلن سرّ محبّته لله وللناس على حدّ سواء.
نحن معكم نصلّي هذا المساء ليلهمنا الله ما يجب أن نقوم به، حتى تُعلن قداسته ونكرّم وجهه، كما كرّمه الله الذي يصنع القديسين.
الأب عفيف عسيران ساعدنا في حياتنا في حياتنا الروحيّة، نرجو من الله أن يُساعد كنيسته كلّها وأهل الشرق جميعًا ليدركوا محبّة الله وأن مشيئة الله فينا أن نحبّ بعضنا بعضًا، بكلّ مكوناتنا وبكلّ أطيافنا ودياناتا. هذه الصورة للشرق، كما هي اليوم، ليست صورة من الله. نصّلي لأن تنجلي هذه الغيوم ونعود كلّنا نذكر الله ذكرًا حميدًا ونحيا بنعمته إلى الأبد. وليرقد بسلام الأب عفيف على رجاء القيامة وعلى رجاء أن يُعلن أنه بطل من أبطال المسيح وأبطال الإنسانيّة والمسيحيّة. طوبى لمن جعله يسيرهذا المسير وله المجد من الآن وإلى الأبد.