سوريا
24 آب 2022, 10:20

المطران الخوري: كيف نخاف بعد أو نضطرب، كيف نقلق ولنا سفيرة الأرضيّين في السّماء؟

تيلي لوميار/ نورسات
هي مريم العذراء أمّ الزّنّار الّتي "تتقن عملها جيّدًا" متشفّعة بالمؤمنين أمام يسوع، والّتي أسهب راعي أبرشيّة حمص وحماه وطرطوس وتوابعها للسّريان الأرثوذكس المطران تيموثاوس متّى الخوري، بوصفها في كلمة ألقاها لمناسبة افتتاح المقام الجديد لزنّار السّيّدة العذراء في حمص في عيد انتقال مريم العذراء بالنّفس والجسد إلى السّماء، ببركة وحضور بطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثّاني.

وفي تفاصيل الكلمة، قال راعي الأبرشيّة: "يقول القدّيس مار سويريوس الكبير تاج السّريان: حينما أريد أن أنظر إلى العذراء والدة الإله وأتأمّل في شخصها يبدو لي لأوّل وهلة أنّ صوتًا من الرّبّ يأتي صارخًا بقوّة في أذنيَّ، لا تقترب إلى هنا، اخلع حذاءك من رجليك، لأنّ الموضع الّذي أنت واقف عليه أرض مقدّسة.  

أيّها الأحبّاء، إنّها مريم، تجمعنا اليوم مجدّدًا في هذه الكاتدرائيّة التّاريخيّة كما تجمع الأمّ أبناءها من حولها، مريم الّتي تفنّن الآباء في وصفها، ولا أخالَهم بلغوا كامل سرِّها، مريم بحر الآلام والعلقم الّتي سارت وفق مشيئة الله ليذوق عالمنا طعم الحلاوة بل ليشبع منها، مريم المنتقلة بجسدها الممجّد إلى السّماء لتشفع فينا على الدّوام، وكأنّها تصرخ بإلحاح أمام يسوع ابنها، بأنّ ليس لهم خمرٌ. فكيف نخاف بعد، أو نضطرب، كيف نقلق ولنا سفيرةُ الأرضيّين في السّماء وأنّها تتقن عملها جيّدًا. مريم الّتي وهبت البشريّة زنّارها المقدّس بطريقةٍ فريدة، كعلامة طلبها القدّيس توما ليؤكّد لبقيّة التّلاميذ أنّ جسدَها نُقل إلى السّماء، وليبقى الأثر المادّيّ الوحيد المتبقّي منها على الأرض، وكأنّه (أيّ الزّنّار) لم يُنه رسالته بعد، تخيّلوا معي إخوتي بأنّ هذا الزّنّار قد يكون نفسه الّذي انتقلت به العذراء من النّاصرة إلى بيت لحم عندما ولد يسوع في مزود، وهو نفس الزّنّار الّذي هربت به العذراء مع يسوع الطّفل ويوسف النّجّار إلى أرض مصر وعانوا هناك ما عانوه من اضطهاد وتشرّد وتعب، هو نفس الزّنّار الّذي تبلَّل من دموع مريم وهي تبكي تحت الصّليب، هو نفس الزّنّار الّذي حلّ الرّوح القدس عليه مرّتين يوم البشارة ويوم العنصرة، هو نفس الزّنّار الّذي كان مع توما ومع كنيسة المشرق في الهند مشجِّعًا ومقوّيًا، بل شاهدًا على الشّهادة الّتي قدّمها توما والمسيحيّون الأوائل هناك، وقد تنقّل الزّنّار بإلهام من الله في رحلةٍ طويلة من الهند إلى الموصل فالرّها، حتّى وصل إلى حمص وبقي مختفيًا في هذه الكنيسة قرابة الأربعة عشر قرنًا. نعم أحبّائي، إنّ رحلة هذا الزّنّار مُتعبة جدًّا، ولا أستطيع أن أفهمها إلّا على ضوء حياة مريم، الّتي قالت يومًا ها أنا أمةٌ للرّبّ فليكن لي بحسب قولك. وبعد أن أكتشف الزّنّار في هذه الكنيسة في شهر تمّوز عام 1953 وذاع صيتُه في جميع أنحاء العالم، وشُيّدت العديد من الكنائس على اسم أمّ الزّنّار تيمّنًا بهذه الكنيسة، وبعد قرابة السّتّة عقود تقريبًا، يعود الاضطهاد والتّشرّد مجدّدًا لهذا الزّنّار المضطهد فينتقل من مكان إلى مكان وكأنّه لم يُنه جهاده بعد.  

أحبّائي هذا الزّنّار، نعم انفصل عن جسد مريم، ولكنّه لم ينفصل أبدًا عن مريم، مريم بحر الآلام والأوجاع، وكإنّي به جزء لا ينفصل أبدًا عن مسيحيّتنا المشرقيّة المعذّبة والمضطهدة في كلِّ زمان ومكان، منحته مريم للبشريّة لنتذكَّر أنّها معنا دائمًا، أعطتنا إيّاه كي لا ننسى أنّ نهاية الطّريق الضّيّق قيامةٌ مبجّلة، وكأنّها تريد أن تقول لنا منطقوا أحقّاءكم أيّ كونوا مستعدّين دائمًا للإجابة عن سبب الرّجاء الّذي يضرم قلوبَنا.

سيّدي صاحب القداسة، يُكتب اليوم على صفحات التّاريخ حدثًا فريدًا، يضاف إلى ذكريات هذا الزّنّار، أنّه بنعمة الرّبّ ولمجد اسمه وببركة صلواتكم أشاد السّريان هذا المقام اللّائق بزنّار أمّ الله، بدلاً من المقام القديم الّذي دمّر خلال الحرب واحترق ولم يبق فيه حجر على حجر، فشكري لله الّذي أنعم علينا وعضدنا لنكمِّل هذا العمل، والّذي فيه يرتاح قلبي بأن أضع الزّنّار الشّريف في مكان لائق وآمن ومحميّ، والأهمّ من ذلك أن يكون قريبًا من كلّ النّاس، ومتاحًا لكل من يرغب أن يزوره ويتبارك منه.  

أذكر بالرّحمة أسلافكم العظام الطّيّبي الذّكر المطران يوليوس بطرس وهو البطريرك بطرس الرّابع الّذي في عهد مطرنته بُنيت هذه الكنيسة ونُقل الزّنّار من الكنيسة القديمة إليها، وكذلك البطريرك العلّامة مار إغناطيوس أفرام الأوّل برصوم الّذي على يديه اكتشف الزّنّار، أذكر بالرّحمة سلفيي الطّيّبي الذّكر حارسي الزّنّار مار ملاطيوس برنابا الّذي اهتم بشراء الأرض الّتي أشيد المقام الجديد عليها، والمثلّث الرّحمة مار سلوانس بطرس الّذي جدَّد بدم القلب وعرق الجبين هذه الكنيسة مرّتين، واهتم كثيرًا ليكشف عن الكنائس الأثريّة الّتي هي تحت هذه الكنيسة، ونشكر الله أنّها اكتشفت عام 2006 ورمّمت بدعم من سيادة رئيس الجمهوريّة الدّكتور بشّار الأسد، كما وضع المطران مار سلوانس حجر أساس المقام الجديد وهو على فراش المرض، والحمد لله الّذي أعاننا على إنجازه بهذه السّرعة.  

أشكر كلّ من ساعدنا وقدّم لنا يد العون والدّعم، بكلّ أشكاله، أشكر فريق العمل الّذين تحمّلوا ضغطي عليهم، وتحدّوا كلّ الصّعوبات ليكون هذا الافتتاح اليوم، أشكركم جميعًا كلّ من حضر اليوم ليشاركنا بركة وفرحة هذه المناسبة، قادمين من الولايات المتّحدة الأميركيّة وأوروبا ولبنان ومن مختلف المدن السّوريّة.  

أشكر حضور أصحاب النّيافة الأحبار الأجلّاء مار ثاوفيلوس جورج صليبا مطران طرابلس وجبل لبنان، مار موريس عمسيح مطران الجزيرة والفرات، مار أنتيموس جاك يعقوب النّائب البطريركيّ لشؤون الشّباب والتّنشئة المسيحيّة والمعتمد البطريركيّ في القدس والأردنّ وسائر الدّيار المقدّسة، مار يعقوب باباوي النّائب البطريركيّ لشؤون الرّهبان وإدارة الكلّيّة اللّاهوتيّة، مار جوزيف بالي السّكرتير البطريركيّ، وبمحبّة أرحّب بالأبوين المرشّحين إلى الرّتبة الأسقفيّة الأب مرقس والأب شيبو، أشكر مشاركة أصحاب السّيادة المطارنة والآباء الكهنة رؤساء وممثّلي الطّوائف الشّقيقة، وأخصّ بالذّكر الأخ العزيز سيادة المطران أرماش نالبنديان مطران دمشق للأرمن الأرثوذكس.

سيّدي صاحب القداسة، وكأنّني أجد نفسي أمام امتحان صعب عندما أريد أن أخاطبكم، لكوني أعلم من أنتم جيّدًا، ولكن أمام تشجيعكم الكبير لضعفي بشكل عامّ، وفيما يتعلّق بمقام الزّنّار بشكل خاصّ، والّذي لولا تشجيعكم ودعمكم وإصراركم والثّقة الّتي تغمروني فيها دائمًا لما كنت أتممت هذا العمل، فشكرًا لكم سيّدنا، بالأصالة عن نفسي وبالنّيابة عن جميع أبنائكم في الأبرشيّة إكليروسًا ومؤسّسات ومؤمنين، مقيمين ومغتربين، نشكر محبّتكم وبركتكم لنا بأن تكرزوا وتفتتحوا المقام الجديد للزّنّار، نصلّي من أجلكم سيّدنا ليمدّكم الرّبّ بالصّحّة والحكمة على الدّوام، آمين".