المطران ابراهيم: نحن لسنا طائفيّين لكن الدّفاع عن حقوق طائفتنا هو حقّ لنا
بعد الإنجيل المقدّس، كان للمطران ابراهيم عظة تحدث فيها عن دور الرّوح القدس فقال: "في الأحد الّذي يلي العنصرة يطرقُ الرّوح القدس بابَ حياتِنا مرَّةً جديدةً، فنستقبلُهُ على قَدْرِ فهمِنا له. فانشغاُلنا بأمورنا الحياتيَّةِ لم يعُدْ يسمحُ لنا بالتّأمُّلِ بحلولِ الرّوح القدس الّذي ينادينا لإخضاعِ غرائِزنا لكِبَرِ الكرامةِ الّتي لنا مِن اللهِ خالِقنا. ونسألُ ذواتِنا: هَلْ للهِ مكانٌ عندنا؟ هل لله مكان في مدينتنا؟ هل لله مكان في بيوتنا؟ هل للقداسة مكانٌ في نفوسنا؟
نعيّد اليوم لجميع القدّيسين الّذين أكملوا سعيهم، حفظوا الإيمان ونالوا البرّ من المسيح وصاروا قدّيسين، حين كان غالبيّة النّاس، وربّما نكون من بينهم أحيانًا، يطيلون الرّكوع والاحتفالات الدّينيّة، يقصدون الكنيسة في المناسبات وحياتهم تسري كأنّها وثنيّة. نكون ساعة مسيحيّين وألف ساعة وثنيّين. لا استقرار لنا ولا هدوء.
هل للقداسة مكانٌ في قلوبنا؟ للإجابةِ عن هذا السّؤالِ، يتوجَّبُ علينا فحصٌ دقيقٌ لِما يملأُ كِيانَنا في هذا العالمِ المُتباعِدِ أكثرَ فأكثرَ عنِ الإيمانِ بالله الخالق. إذا تأمّلنا بالله نتألّه، وإذا تأمّلنا بالقدّيسين نتقدّس. نحن نتحوّل إلى ما نتأمّل. في عالم صارت فيه الفضيلةُ عِبءًا ثقيلاً لا مبرِّرَ له. تغييبُ اللهِ عند كثيرين أتاحَ لهم رؤيةَ الرّغبةَ الخسيسةَ، حقًّا طبيعيًّا يجعلهم يتزوَّدونَ من اللّذَّاتِ ما استطاعوا. هذا أمر نعاني منه كثيرًا في لبنان. تغييبُ اللهِ أوجدَ أنظمةً ومجموعاتٍ مدنيَّةً ودينيّةً، وعسكريَّة أحيانًا، تدَّعي الكمالَ وامتلاكَ الحقيقة كلِّها، وتناديك: كُنْ تحت سيطرتي، وإلّا ألغيتك. إنَّها قوَّةٌ قادرةٌ على إقناع كثيرين أنَّ العالمَ الأفضلَ هو عالمٌ من دون الله. دينهم السّلطة والجنس والمال.
بينما نحنُ نؤمن، كوننا مع المسيح، أنّ العالم لا يستقيم ولا يصطلح إلّا إذا أحببنا، لأنّ إلهنا هو المحبّة. الله محبّة. والمحبّة تعني أن أجمعَ دفاعي عنِ الحقّ مع عدم اكتراثي لما يقوله النّاس عنّي. أن أجمعَ محبَّتي للهِ فوقَ كلِّ شيءٍ مَعَ قبولي لكُرْهِ كثيرين أو اضطهادِهم ليَ. أولئك الّذين لا يشاطرونني هذه المحبَّةَ وهذا الإيمانَ. أن أجمعَ بين سعيي للسّلام واستعدادي الدّائمِ بالتّضحية بسلامي في سبيل سلامِ الآخرين. الأفضل أن أكون خارج القطيع إذا كان هذا القطيع يسير باتّجاه النّار وليس باتّجاه النّعمة.
المحبّةُ تعني لنا نحنُ المؤمنينَ أن نتنافسَ في الخير بالمَثَلِ والقولِ. الوطن ليس مكانًا للتّقاتل على منصبٍ أو مكانًا نجْتني منه المال الحرام. ألم يصر الوطن كذلك؟ تفقير للنّاس واستعباد، في حين أنّ الوطن ليس إلّا مكانَ خدمَةٍ. في البلدان المتقدّمة الخدمات هي الأساس وليس الرّؤساء. عندنا يُشلُّ البلد بكلّيّته لأنّ الفاسدين عاجزون عن انتخاب رئيس للجمهوريّة. لا يهمّهم شلل البلد، فالمهمّ لديهم هو صيانة سلطتهم.
القداسة، تعلِّمنا، أنَّ الأوَّلين يصيرون آخرين بغضِّ النّظرِ عن عددِ إنجازاتِهم المتنوِّعةِ وعَظَمتِها. أنا أؤكّد لكم أنّ المُعتَبَرين أوّلين في لبنان اليوم، سيأتيهم يومٌ يصيرون فيه آخرين على الأرض وفي يوم الدّينونة. نحنُ المأكولة والمهضومة حقوقنا، نحن مَن سيدينهم يومًا كما قال السّيّد المسيح: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ.
الإنجازُ الأهمُّ يا أخي هو تواضعُك وتقواكَ ومحبّتك للنّاس وللوطن. نحن ننجزُ عندما نتواضعُ، فيظهرُ اللهُ فينا. اللهُ لا يعملُ من خلالِ المتكبّرين ولا الفاسدين."
وعن أوضاع الطّائفة قال ابراهيم: "عندما نقف اليوم للدّفاع عن حقوق طائفتنا أو كنيستنا الملكيّة، يتّهمنا صغار النّفوس بأنّنا طائفيّون!! تخيّلوا أنّ كنيسة الرّوم الملكيّين الكاثوليك، كنيسة الانفتاح، كنيسة المحبّة، كنيسة من دون حدود، كنيسة لا تعرف التّعصّب، يتّهمونها بأنّها كنيسة التّعصّب، لماذا؟ لأنّ الوطن كلّه مبنيّ على صيغة طائفيّة ويريدوننا أن نكون أول من يستغني عن هذه الصّيغة وهم متمسّكون بها. لا نجد إلّا مسؤولين من طائفتنا مهمّشين أو محاكمين أو مظلومين. إلى أين نحن ذاهبون؟
نحن كنّا أوّل من دعا إلى قيام دولة مدنيّة تحكمها القوانين وليس الطّوائف، لكن لا يمكننا أن نسير قبل الجميع خارج الصّيغة باسم ألّا نكون طائفيّين. نحن لسنا طائفيّين لكن الدّفاع عن حقوق طائفتنا، طالما أنّ الصّيغة هي طائفيّة، هو حقّ لنا. لماذا نحن مهمّشون إلى هذه الدّرجة في هذا الوطن. إستولوا على كلّ مراكزنا المهمّة ولم يتركوا لنا شيئًا من حقوقنا. هذه هي شريعة القويّ الّذي يأكل الضّعيف. إنّها شريعة الغاب. بحيث أن أصبح لبنان غابة سياسيّة. هذه الجنّة الّتي وضعها الله على الأرض أصبحت غابة يأكل القويّ فيها الضّعيف. ونحن لسنا ضعفاء، نحن الأقوى ولذلك نحن مستهدفون، وأقول للّذين يتّهموننا بأنّنا طائفيّين: أنتم أكثر النّاس طائفيّة، ومتعصّبون وضيّقو الفكر، ونقول من هذه الكاتدرائيّة، كاتدرائيّة الانفتاح وكاتدرائيّة النّجاة: من أن يريد أن ينجو فليلتجئ إلينا لأنّ كنيستنا هي كنيسة العدل والحقّ.
وإختتم: "أطلب من الله أن يزيدنا محبّة وقداسة وأن يُكثر القدّيسين فيما بيننا. كما أطلب من الله أن يحفظَ لبنان من كلِّ مَضَرَّةٍ وأن يمطرنا ببركاته. أحد مبارك للجميع!".
وبعد العظة قدّم المطران ابراهيم هدايا عبارة عن مسابح للصّلاة من الفاتيكان لأطفال المناولة الاحتفاليّة وهنّأهم وتمنّى لهم أيّامًا مباركة، كما قدّم للسّيدة بريجيت عطا مسبحة صلاة باركها البابا فرنسيس، عربون شكر على تعبها مع أطفال المناولة الاحتفاليّة.