لبنان
26 آذار 2025, 12:15

المطران ابراهيم من الفرزل: البشارة دعوة مفتوحة لكي نكون أواني مختارة في يد الله

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بالذّبيحة الإلهيّة في كنيسة سيّدة البشارة في الفرزل، بمناسبة عيد بشارة الفائقة القداسة والدة الإله الدّائمة البتوليّة مريم، بمشاركة النّائب الأسقفيّ العامّ الأرشمندريت نقولا حكيم، الأرشمندريت أنطوان سعد، كهنة البلدة طوني أبو عرّاج وتوفيق عيد والأب إيلياس ابراهيم، وخدمت القدّاس جوقة الرّعيّة بمشاركة المرنّمين جوزف الحارس وجورج رياشي وطوني سيدي، بحضور عدد من الفعاليّات وحشد من أبناء البلدة.

بعد الإنجيل المقدس، ألقى المطران ابراهيم عظة جاء فيها: "نلتقي اليوم في هذا البيت المقدّس، في كنيسة سيّدة البشارة، الّتي تحمل في اسمها سرّ التّجسّد الإلهيّ، ذاك السّرّ الّذي أشرق نور الرّجاء في العالم وأعاد للإنسانيّة وجهها الحقيقيّ، بعد أن غمرها ظلام الخطيئة. في هذا اللّقاء المقدّس، لا نكتفي بالاحتفال بالحدث التّاريخيّ للبشارة، بل نفتح قلوبنا لتأمّل معانيه العميقة، ونسعى لنعيش حقيقة هذا السّرّ في حياتنا اليوميّة.

البشارة هي دخول الله في تاريخ البشر بطريقة غير مسبوقة. عندما أرسل الله رئيس الملائكة جبرائيل إلى العذراء مريم، لم يكن ذلك مجرّد تبليغ رسالة، بل كان تدخّلًا إلهيًّا حاسمًا في تاريخ البشريّة. يقول القدّيس كيرلّس الإسكندريّ: "في لحظة البشارة، لم تعد السّماء بعيدة عن الأرض، بل صارت السّماء في أحشاء العذراء، وصار الإله إنسانًا لكي يؤلّه الإنسان."

هذا الحدث، أيّها الأحبّاء، يذكّرنا بأنّ الله ليس إلهًا بعيدًا، بل هو القريب، هو "عمّانوئيل" أيّ "الله معنا" (متّى 1: 23). هذا الحضور الإلهيّ في وسطنا يدعونا إلى إعادة النّظر في إيماننا، وإلى التّأمّل في مدى استعدادنا لاستقبال الله في حياتنا كما استقبلته مريم في أحشائها الطّاهرة.

إنّ أعظم ما يلفتنا في البشارة هو موقف مريم. لم تسأل كيف ولماذا، بل سلّمت أمرها كلّيًّا لله قائلة: "هَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ". (لوقا 1: 38).

بهذه الكلمات، قلبت العذراء مريم موازين التّاريخ، لأنّها جعلت نفسها أداة في يد الله، مقدّمةً مثلًا فريدًا للطّاعة في الإيمان. إنّ الطّاعة هنا ليست مجرّد انقياد أعمى، بل هي ثقة مطلقة بمشيئة الله. وكما يقول القدّيس أغسطينوس: "لقد حَمَلت مريم المسيح في جسدها، ولكن قبل ذلك حملته في قلبها بالإيمان."

فما هو موقفنا نحن أمام دعوة الله؟ هل نمتلك هذا الإيمان العميق الّذي يجعلنا نقول مع مريم: "ليكن لي بحسب قولك"؟ أم أنّنا نتردّد، ونضع شروطًا على دعوة الله في حياتنا؟

التّجسّد ليس مجرّد فكرة لاهوتيّة، بل هو الحقيقة الّتي تفسّر معنى الحياة البشريّة. لقد صار الله إنسانًا لكي يصالح الإنسان مع نفسه ومع خالقه. يقول القدّيس إيريناوس: "صار ابن الله ابن الإنسان، لكي يجعلنا نحن أبناء الله."

وهذه الحقيقة تعني أنّنا لم نعد عبيدًا للخطيئة، بل أبناء لله بالإيمان بيسوع المسيح (غلاطية 4: 7). هذه البُنُوَّة الإلهيّة تدعونا إلى التّغيير، إلى عدم الاكتفاء بحياة فاترة، بل إلى عيش المحبّة الحقيقيّة الّتي دعا إليها المسيح، لأنّ الله عندما تجسّد لم يأتِ ليعلّمنا فقط، بل ليغيّرنا، ليجعلنا نشترك في طبيعته الإلهيّة (٢ بطرس 1: 4).

في عالمنا اليوم، حيث يسيطر القلق واليأس، تُذكّرنا البشارة أنّ الله ما زال يعمل في التّاريخ، وأنّ رحمته تتخطّى كلّ حدود. إذا تأمّلنا في تاريخ الكنيسة، نجد أنّها عاشت عبر العصور تحدّياتٍ كثيرة، من اضطهاداتٍ وصعوبات، ولكنّها بقيت صامدة، لأنّها تأسّست على صخرة الإيمان والرّجاء.

القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ يقول: "المسيحيّ ليس من ينظر إلى الظّلام، بل هو من يرى النّور حتّى في أحلك اللّيالي."

وهذا ما نتعلّمه من البشارة: أنّ النّور أقوى من الظّلام، وأنّ صوت الله هو الأصدق وسط ضجيج العالم.

إنّ سرّ البشارة لا يقتصر على حدث حصل منذ ألفي عام، بل هو حقيقة تطلب منّا أن نحياها يوميًّا. وهذا يتمّ من خلال:

1.الصّلاة العميقة: لكي نستمع لصوت الله كما استمعت إليه مريم.

2.الطّاعة في الإيمان: بأن نقبل إرادة الله في حياتنا حتّى عندما لا نفهمها.

3.الخدمة والمحبّة: بأن نكون نحن أيضًا مبشّرين، نحمل بشارة الرّجاء لكلّ متألّم وحزين.

4.الإلتزام الأخلاقيّ والرّوحيّ: بأن نعيش حياتنا بشفافيّة أمام الله، مبتعدين عن كلّ ما يفصلنا عن محبّته.

أيّها الأحبّة، إن سرّ البشارة هو دعوة مفتوحة لنا جميعًا لكي نكون أواني مختارة في يد الله، كما كانت مريم. فلنطلب شفاعتها، هي الّتي أطاعت الله بكلّ كيانها، لكي نستطيع أن نعيش الإيمان بفرح، ونشهد لمحبّة الله في هذا العالم.

فلنرفع قلوبنا قائلين: "يا ربّ، أعطنا إيمان مريم، ورجاءها، وطاعتها، لكي نستحقّ أن نكون أبناء حقيقيّين لك." بشفاعة العذراء مريم، ولإلهنا المجد إلى الأبد، آمين."

بعد القدّاس، التقى الحضور في صالون الكنيسة وتبادلوا التّهاني بالعيد.