المطران ابراهيم من أزهر البقاع: نستطيع السّير معًا نحو النّور الّذي ينتظرنا في آخر النّفق
وكان للمطران ابراهيم كلمة قال فيها بحسب إعلام الأبرشيّة: "نحن اليوم في قمّة الفرح لأنّ الأخ يزور أخاه، فالزّيارة ليست بحاجة الى تبرير ولا أسباب. كلّما أتينا إلى هذه الدّار نأتي انطلاقًا من الشّوق، وبين الإخوة لا يوجد بروتوكولات لأيّ زيارة ممكن أن تحصل في أيّ وقت كان. من هذا المنطلق أقول لكم سماحة المفتي المحبوب، أنتم أخ عزيز، وأنتم لستم فقط سيّد الأزهر لكن أنتم أيضًا من أسياد هذه المنطقة، وعندما تأتون إلى سيّدة النّجاة في زحلة فأنتم لستم زوّارًا، أنتم من أهل هذه الدّار وتأتون ساعة تشاؤون.
نحن منفتحون على بعضنا البعض خصوصًا في هذا الظّرف الصّعب، لأنّ التّضامن المدعوّون إليه هو أساسيّ في استنهاض الهمم وإنهاض النّفوس إلى مستوى هذه الأزمة لكي نواجهها بوحدة القلوب ووحدة الأفكار ووحدة الإرادات، وهكذا نكون عائلة واحدة كما نحن اليوم ونبقى على الدّوام. نستطيع السّير معًا نحو النّور الّذي ينتظرنا في آخر النّفق.
صحيح أنّ لبنان يعيش ظلمة الأحداث الّتي تجري في قطاع غزّة، ونحن نتضامن مع إخوتنا الفلسطينيّين الّذين يعانون من هذا العنف المفرط ضدّهم، وهذا شيء لا يقبله الفكر ولا العقل ولا الضّمير، والعالم ينتفض كما نرى وسينتفض أكثر إذا ما تمادى العنف ضدّ الفلسطينيّين. هذه القضيّة العادلة هي قضيّتنا لأنّنا شعب واحد وعائلة واحدة في هذه المنطقة، نسعى إلى السّلام، نريد أن يعيش الجميع بسلام وأن نبني الحاضر والمستقبل على حجر الزّاوية الّذي هو السّلام، والسّلام هو كنز الكنوز، وإذا حلّ السّلام في هذه المنطقة ستكون المنطقة الأهمّ والأجمل في كلّ المسكونة. منطقتنا على كلّ ما تعانيه هي منطقة الحضارات والتقاء الأديان ونشأتها ونموّها عبر التّاريخ، هي أرض مقدّسة وأرض غالية ومنطقة رائعة ومنطقة متجلّية، وفيها حصل التّجلّي، نحن نؤمن بأنّ الله يسكن أرضنا ويباركها ويبارك شعبنا ونفوسنا وأفكارنا ونيّاتنا وإراداتنا كي نبقى في مسيرة وحدة وتضامن وتكافل وتفاهم من أجل خير الإنسان لأنّ مبتغى الله الأوّل والأعظم هو خلاص الإنسان. عندما نقف أمام الإنسان المتألّم نقف وقفة احترام وتقدير وتضامن ووحدة، وكلّ من يسقي أحد إخوتنا هؤلاء الصّغار كأس ماء بارد ينال الحياة الأبديّة، فكم بالأحرى في هذه الأيّام الصّعبة، علينا أن نمدّ الذّراع، ذراع العمل الاجتماعيّ والتّعاون وخلق الفرص لأبنائنا كي يلغوا من عقولهم فكرة الهجرة.
لأبنائنا نقول دائمًا بأنّ الهجرة هي حلم زائف، ليس هناك أجمل من هذه البلاد الّتي أعطانا إيّاها الله. لبنان هو فعلاً جوهرة إلهيّة أعطيت لأبنائه، وعلى أبنائه أن يعوا أهمّيّة هذه الجوهرة ويحافظوا عليها بكلّ ما أوتوا من مواهب وقوّة وذكاء، ونحن اليوم نعيش في عصر الذّكاء ولو كان بعضه اصطناعيًّا، لكن هذا الذّكاء يساعدنا في التّعرّف على ذاتنا قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء، هذا الذّكاء هو ذكاء التّأقلم الإيجابيّ مع الأوضاع الّتي نحن فيها كي ننتج عالمًا أفضل، عالم يعيش فيه كلّ إنسان بحرّيّته وكرامته ابتداءً من منطقتنا في البقاع الغالي وانطلاقًا من وطننا الأوسع من حدود الأوطان مجموعةً، لبنان على صغره، وإن تعرّض لكلّ أنواع القهر والعقوبات الّتي توضع على أبنائه مباشرةً أو غير مباشرةً، كلّ ذلك لا يثني أيًّا منّا عن التّفكير والقناعة بأنّ لبنان هو أمانة في أعناق اللّبنانيّين وهو جوهرة يجب التّمسّك بها."
من ناحيته نوّه المفتي الغزاوي بمواقف المطران ابراهيم تجاه ما يجري في غزّة وفلسطين وممّا قال:
"يسعدني أن أرحّب بسيادة المطران ابراهيم ابراهيم، وحيث أخذ اسم ابراهيم تكرارًا وتأكيدًا، وسيّدنا ابراهيم الّذي هو أب الأنبياء اتّفقت عليه الملل وكان هذا الاتّفاق أيضًا في محبّة سيادة المطران في بقاعنا من خلال إطلالاته ومن خلال وسطيّة خطابه ومن خلال تواصله مع مجتمعنا ككلّ، إن كان في المؤسّسات الدّينيّة أو المؤسّسات الاجتماعيّة أو في المؤسّسات التّجاريّة والصّناعيّة حتّى، فكانت هذه الإطلالات إنّما هي نوع تثبيت لأهل البلد في بلدهم وللمرابطة في بلادهم."
وأضاف: "نحن كما ورث ورثنا، وكما ورث الصّلة بهذه المؤسّسة في البقاع، ورثنا الصّلة أيضًا من سماحة المفتي الميس عليه رحمة الله. من خلاله مع تواصله مع السّادة المطارنة في بقاعنا العزيز، والّتي أكّدت على أنّ هذا البقاع يعيش أهله كلّهم وكأنّ البقاع هو للكلّ كما الكلّ للبقاع، كحال نشيدنا الوطنيّ "كلّنا للوطن". ونحن في هذه الأيّام الّتي يعيش فيها جزء من عالمنا العربيّ والإسلاميّ في هذه المأساة الّتي بدأت من احتلال أرضهم ومن تهجير الشّعب إلى أرض غير أرضهم، ونحن في لبنان نالنا من هذا العقاب الّذي عوقب به الشّعب الفلسطينيّ دون أن يعلم ما سبب عقابه فخرجوا من الأرض الّتي خرجوا إليها هي في أرضنا في لبنان، وكان من لبنان ما كان حتّى في إبّان الحرب وفي أيّام السّلم، فلم يكن لبنان سالمًا من هذه المظلمة الّتي ظُلم فيها إخواننا على أرض بيت المقدس وعلى أرض كنيسة القيامة، كنيسة المهد، وكلّ هذه الأماكن الّتي نعتبرها أمانة ً في أعناقنا، ليست أمانة بمن يأتي من الغرب ليعيش في أرضنا دون أن يكون له فيها صلة إنّما هي أمانة أهل الأرض في أعناق أهل الأرض.
من هنا هذه الإطلالات وهذه اللّقاءات المتواصلة، إن كانت بسبب أو بغير سبب، أو كانت في بيت أو مؤسّسة لبعض الأحبّة من المسلمين أو المسيحيّين، إنّما هي لقاءات تزيد في آصرة الحبّ والرّحمة. فنحن بحاجة أن نفتح أبواب الرّحمة لأنّ الرّحمة تدلّ على الرّحمة، الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء."
وتابع: "أنا هنا أغتنم الفرصة لأشكر سيادة المطران ابراهيم الّذي كان له أكثر من عظة وأكثر من رسالة يقف فيها مع المظلوم في غزّة وفي فلسطين، وهنا أشكره أنا باسم أهلنا وإخواننا على هذا الموقف المتكرّر، أنّه يقف وهو المتمسّك بالرّحمة، يقف مع رحمة الأطفال ورحمة النّساء ورحمة المشافي ورحمة المساجد ورحمة الفلسطينيّين في فلسطين كلّها. ولذلك هذه المواقف المتكرّرة من سيادتكم إنّما تدلّ على هذه الإنسانيّة الّتي ينبغي أن نتمسّك بها جميعًا، فنحن إن كان من حيث الإنسانيّة ينبغي أن نرفع الصّوت من أجلهم، وإن كان بلسانٍ عربيّ، فهم عرب ونحن عرب، وإن كانوا بحقّ الجوار فنحن الأقرب إليهم جوارًا ومكانًا. ولذلك نشكر هذه المواقف منكم، وزيارتكم في هذه الأيّام لعلّها من باب التّأكيد ومن باب التّأييد على أنّ المسار واحد وعلى أنّنا ينبغي أن نتمسّك بهذه القيم الّتي ترفع مجتمعنا، فإذا كان هناك خطاب عبر الآلة فخطاب القلوب هو المقدّم، ويبقى القلب هو الّذي يخاطب القلب وتبقى الحياة الّتي نعيشها معًا، ونجالس بعضنا بعضًا، نأكل من صحن واحد ومن تربةٍ واحدة، ويرى بعضنا بعضًا حتّى نكون من خلال وجود بعضنا مع بعض يرانا الوطن واحدًا نتمسّك بمؤسّساته."
وإختتم المفتي الغزاوي "نريد من خلال وجودكم اليوم في هذه الدّار الّتي هي دار الفتوى، دار الوطن، أن نعلن تمسّكنا بإدارات مؤسّساتنا ابتداء من رئاسة الجمهوريّة إلى كلّ الإدارات، ونحيّي كل قائمٍ في مكانه على قيام دولته. والحمدالله نحن كرجال دين ما تخلّينا عن وطننا، وسيادتكم نموذجًا في الوقت الّذي يسافر فيه النّاس، أنت جئت من الغرب وأتيت إلى بلدك لتخدم مجتمعك، فنحن نقول، حتّى يبقى الوطن للجميع ينبغي أن تكتمل المؤسّسات. نحيّي كلّ إنسان يقوم على خدمة بلده ومجتمعه من خلال القيام بوظيفته.
وإلى مزيد من التّمسّك بالوطن، وإلى مزيد من التّمسّك بأنّ كلّ مواطن ينتسب إلى وطن حقّه أن يعود إلى وطنه مكرّمًا، وحقّ المغتصب أن لا تكون له كرامة".