المطران ابراهيم من أبلح: الأوطان لا يمحوها الفساد أو الأزمات إنّما الإحباط والاستسلام
في نهاية الصّلاة، كانت كلمة للمطران ابراهيم دعاهم فيها إلى التّمسّك بالأمل والرّجاء، فقال :
"الأب فادي الفحل، الأرشمندريت عبدالله عاصي، الأب شربل راشد، رئيس البلديّة والمختار وكلّ القيّمين على هذه البلدة الّذين يقدّمون من جهدهم واهتمامهم لكي تستمرّ مسيرة هذه البلدة في خدمة أهلها وخدمة الإنسان، والشّعار الّذي رفعناه منذ يوم التّولية هو إعادة بناء الإنسان على الأسس الّتي تضعه على طريق الله طريق الفضائل والحقّ وألّا نكون مجموعة من الضّالّين إذا ابتعدنا عن الرّبّ وشرائعه. أعتقد أنّ هذه البلدة الّتي اصبحت مدينة، مشهورة بتقوى أهلها وهذه التّقوى لمسناها من خلال الخبرة الّتي عشناها في إكليريكيّة دير المخلّص بنوع خاصّ، مع إكليركيّين كثر من أبلح أصدقاء وأحبّاء البعض منهم سلك في طريق الكهنوت والبعض الآخر اختار طريقًا أخرى مهمّة في هذه الحياة.
في دير المخلّص التّلاميذ الإكليركيّون يشعرون بأنّهم عائلة واحدة، يتربّوا على محبّة الرّهبانيّة ومحبّة الكنيسة لدرجة أنّهم كانوا يعلّمونا بأنّ الدّرجات محفورة بأقدام الآباء الّذين سبقونا عبر الأجيال بينهم كثر من القدّيسين وعلى رأسهم الأب بشارة أبو مراد. يجب أن نربّي أولادنا على محبّة الكنيسة حتّى بناء الكنيسة ليس فقط ألإنسان لأنّ الكنيسة هي مكان عبادة، في كلّ صلاة هناك العديد من الصّرخات تنبع من عمق المؤمنين من عمق الإنسان تعبّر عن وجعه وألمه وجراحه وأزماته وهمومه. "يا ربّ القوّات كن معنا" هذه الصّرخة العظيمة الّتي صرخها ملايين الأشخاص عبر العصور واستجاب الرّبّ صلواتهم كلّ على طريقته . الرّبّ حاضر دائمًا لسماع تنهّداتنا ومسح دموعنا وشفاء جراحنا وأفضل مثال على ذلك في الإنجيل هو السّامريّ الصّالح الّذي شاهد الإنسان المجروح فاهتمّ به وضمّد جراحاته وأخذه إلى نزل وطلب أن يهتمّوا به ويعيدوه إلى سابق صحّته. هكذا نتحوّل على صورة الله وعلى صورة السّامريّ الصّالح لبعضنا البعض .
ما نفع أن يكون لدينا رعيّة وأبناؤها يضعون المتاريس في وجه بعضهم البعض لا سمح الله ينتظرون بعضهم على غلطة أو هفوة. كيف نسمّيها رعيّة إذا لم تكن القلوب مجموعة. العالم اليوم لا يستحقّ انقسامنا وخلافاتنا، ما نجني منه هو محبّتنا لبعضنا البعض، عندما نتحوّل إلى مدينة الله، إلى بلدة الله، كلّ رعيّة تصبح بلدة لله، بلدة سماويّة، علينا أن نتذوّق مسبقًا طعم السّماء من هنا لذلك علينا أن نهتمّ ببعضنا البعض كلّما اجتمعنا مع بعض بالمحبّة نصبح قادرين على العبور إلى النّور الحقيقيّ، وكما نقول في الصّلاة "السّالكين في ظلمة الموت وظلاله يشرق عليهم نور" وهذا النّور لا يشرق من تلقاء نفسه، هذه الشّمس الوحيدة الّتي تنتزع انتزاعًا ونسرقها إلى بيوتنا وقلوبنا وأطفالنا، هي الشّمس الوحيدة الخاضعة لنا، شمس الوحدة والمحبّة والاجتماع، وعلينا أن نجمع بشكل خاصّ شبابنا وصغارنا، فالكنيسة يجب أن تجمع الكبار والصّغار وفي أيّ وقت كان، ولكي يرتاح الصّغار في الكنيسة عليهم أن يروا شهادة من الكبار تشجّعهم على الانخراط أكثر في الكنيسة. نحن أمام جيل صادق لا يحبّ الازدواجيّة في المعايير ولا الازدواجيّة في الحياة، لذلك إمّا يكون صادقًا مع نفسه إلى حدّ الفساد أو يكون خارج المنظومة كلّها سواء كانت دينيّة أم مدنيّة. نحن أمام جيل صادق وواضح علينا أن نترك لهم مكانًا ونعطيهم دورًا، نعطيهم فرحًا وشهادة صادقة بأنّنا لدينا فرح في الكنيسة. الكنيسة الأساسيّة هي في البيت، صحيح أنّه لا تعطى فيها الأسرار لكن تعطى فيها التّنشئة المسيحيّة الصّحيحة الّتي بواسطتها يبدأ الولد العيش بإيمان. وأنا أكرّر دائمًا أنّ الولد يجب أن يتربّى في الكنيسة على صوت التّرانيم، على الأيقونات المقدّسة، على رائحة البخّور وصوت المبخرة، على صوت المؤمنين ووجوههم المصلّية، نريد الكنيسة شعنينة دائمة للأولاد، عيد دائم للأولاد والشّباب والكبار.
أنا سعيد جدًّا أن أكون معكم وأعتبر أنّ هذه البلدة لو لم يكن فيها عائلات مشعّة بإيمانها الصّادق، وأناس تملأ الطّيبة والمحبّة الصّادقة قلوبهم، ما كنّا لنرى في دير المخلّص وإكليركيّات أخرى أعدادًا كبيرة من أولادهم يفتّشون عن دعوتهم، هذه علامة على أنّ هذه البلدة هي مشتل دعوات ومشتل للأدمغة والأذكياء مشتل للنّاس زرعت فيهم الكرامة والفرح ولا أحد يستطيع أن يسلبهم إيّاهم مهما طالت الأزمات ومهما صعبت الأيّام، علينا أن نتذكّر دائمًا أنّه ليس سعر الدّولار هو من يقرّر بقاءنا في أرضنا وبيوتنا وكنائسنا أم لا، يجب أن نتذكّر دائمًا أنّ الأوطان لا يمحوها الفساد أو الأزمات الاقتصاديّة، ما يمحو الأوطان هو اليأس والإحباط والاستسلام. "
بعد الصّلاة، التقى المطران ابراهيم الحاضرين في صالون الكنيسة.