المطران ابراهيم في قدّاسه الأوّل في مقام سيّدة زحلة والبقاع: لها أجدّد اليوم تكريس حياتي
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران ابراهيم عظة جاء فيها:
"سيادة المطران عصام يوحنّا درويش الكلّيّ الاحترام،
قدس الأرشمندريت إيلي أبو شعيا، كاهن مقام سيّدة زحلة والبقاع المحترم،
قدس ألارشمندريت عبدالله عاصي وقدس الأبوين اليان أبو شعر وشربل راشد المحترمين،
أيّها الأخوات والإخوة الأحبّاء، بنات وأبناء سيّدة زحلة والبقاع الّتي ترتفع فوق هذا السّهل وهذا السّفح جُنديّةً قاهِرة ومَلكةَ العِزَّةَ الّتي لا تُحارَب. أجيء إليها للمرّة الأولى بعد تسلُّمي مشعال الرّعاية كخادم لأبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع لأضع بين يديها شخصي الضّعيف كي تقويني في حمل الصّليب وتمنحني فرح العطاء وتكون لي كما كانت على الدّوام أُمًّا وقائدة لحياتي وحامية وشفيعة.
منذ أن أقام المثلّث الرّحمات هذا المقام سكنت العذراء مريم عيون المؤمنين الّذين وجدوا فيها ملاذًا لهم كما كانت ملاذًا للكلمة الإلهيّ في حشاها. ولأنّ هذا المُرتفع صار تاجًا لهذه المنطقة الفسيحة إسمه مريم هكذا صار بيتًا للرّبّ السّاكنِ فيها. مريم علّةُ الفرح، صارت للّذين يلجؤون إليها علّة الفرح والسّرور. إنّ هذه الأكمّة صارت لنا ينبوع استنارة ونبع أمان وحنان. فالابن الّذي أخضع الخليقة كلّها لوالدة الإله مريم، أخضع عندنا بنوع خاصّ هذه المدينة المقدّسة زحلة وسائر البقاع للسّيّدة الّتي تنجّينا بشفاعتها وتعتقنا من أصنافِ الشّدائد".
وأضاف: "في الواقع، إنّ هذا المسكن اللّائق بالله، كما يسمّيها القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ، والينبوع غير المنقوب بيدٍ الّذي يتدفّق منه الماء الغافر الخطايا، والأرض غير المحروثة المثمرة الخبز السّماويّ، والكرمة الّتي أعطت خمر الخلود دونما سقاية، وزيتونةَ رحمةِ الآب الدّائمة الاخضرار ذات الثّمار البهيّة، تقيم معنا وبيننا ناظرة إلى كلّ قلب من قلوبنا، تمسحُ دموعنا وتقودنا بثقة إلى ابنها يسوع، مخلّصنا وفادينا.
فإذا كانت زحلة عروسة البقاع، وأنا أسمّيها عروسة الشّرق، فإنّ سيّدة زحلة والبقاع هي سيّدة الشّرق ونجمة الصّبح وأمّ الله، نورُ مساءنا وشمسُ حياتنا والكرمة الحقّ الحاملة عنقود الحياة، والمنارة الذّهبيّة، وتابوت العهد، وعصا هارون، وبابُ الخلاص، ومدينةُ الله، والسّماء، الثاّنية وأمُ الكنيسة، أمُّنا جميعًا.
كانت زحلة منذ نشأتها تتمتّع بالمناخ المعتدل والمياه والزّراعة والصّناعة والتّجارة ...
لكنّها لم تسلم من النّكبات، ففي سنة ١٨٤٠ حَدث هجوم مسلّح من خمسة آلاف جنديّ تقريبًا (من الأتراك وأعوانهم) على زحلة وعدد شباب زحلة كان حوالى ٥٠٠ مسلّح. هرب المهاجمون وهم يردّدون: لولا السّيّدة اللّابسة أبيض وأزرق زتّت رماد على عيوننا كنّا احتلّينا زحلة.
سنة ١٨٦٠ أعيدت الكرّة وهجم حوالى سبعة آلاف جندي وفي زحلة حوالى ٧٠٠ شابّ مسلّح. أرسل شباب زحلة ٣ أشخاص لطلب المساعدة من يوسف بك كرم الّذي كان احتلّ المناطق من شمال لبنان إلى صنّين. وقع الشّباب الثّلاثة في أيدي الأتراك الّذين رفعوا الرّايات البيضاء طالبين من هؤلاء الشّباب أن يرتّلوا تراتيل دينيّة قرب حاجز الرّاسيّة، ظنّ الزّحليون أنّ جنود يوسف بك كرم وصلت. هذه الخدعة ساهمت بقتل عدّة أشخاص ومنهم ٥ رهبان من اليسوعيّين وحرق بيوت زحلة كلّها، وكنائسها ونجت كنيسة السّيّدة من الحريق ودعيت لهذا السّبب بكنيسة سيّدة النّجاة.
سنة ١٩٥٨ حدثت ثورة ٥٨ وطالت أكثر مناطق لبنان، ولكنّها لم تصل إلى زحلة، فقام المطران افتيميوس يواكيم ببناء مقام للسّيّدة لأنّها لم تسمح بوصول الحرب إلى زحلة وكان مقام سيّدة زحلة والبقاع الّذي آتي إليه اليوم كأحد الحجّاج الّذين يسلّمون أمر حياتهم بين يدي العذراء. لها أجدّد اليوم تكريس حياتي وأعلنها من جديد ملكةً على قلبي وفكري وكلِّ كياني.
أقول اليوم مع خوري آرس، القدّيس جان ماري فيانيه، إنّ مريم العذراء هي حبّي الأقدم، أحببتها حتّى قبل أن أعرفها."
هذا القول يحملني إلى فكر شاعرنا الكبير اللّاهوتيّ سعيد عقل، ابن هذه المدينة عروس الشّرق زحلة، الّذي كتب قصيدة رائعة يتغزّل فيها الله بمريم العذراء. تقول القصيدة:
"هنّي؟ بحبن، بس إنتي كتر ما تجمّع بعينيكي حلا
من قبل ما بهالكون كنتي كنت صلّيلك صلا
ولمّن تدحرجتي عشلقة شي نجم
عن إيد ربّ ملغشني، وعم يوجعك إنّك حلم
وما كان بعد بيلتقا
ولا زنبقة تلعب معك
لقوطت نِتفي من الفجر
ومن لون خدك هالنّقيّ
هالقال للشّمس اشهقي
ومن ريف عينيكي العم يوعّي الدّهر
وعملت شي إسمو الزّهْر
بركي ان ضعتي بقلب وردة بتلتقي."
وإختتم المطران ابراهيم عظته قائلاً: "أيّها الرّبّ يسوع يا رجاءَنا الوحيد، أنتَ تعرفُ ما نحتاجُ إليه. نطلب منك أن تقبل شفاعة أمّك البتول مريم الّتي لنا ملئ الثّقة أنّها ستساعدنا، كما في قانا الجليل، كي يعود الفرح والعيد، وتنتهي هذه المحنةُ الّتي يتخبّط فيها لبناننا الحبيب.
يا أُمَّ المحبّةِ الإلهيّة، ساعدينا لكي نقبلَ إرادةَ الآب، ونعملَ بما يقولُه لنا يسوع، الّذي أخذَ على عاتقه معاناتِنا، وحمَل عنَّا آلامَنا، ليقودَنا، عَبر الصّليب، إلى فرح القيامة. آمين."
بعد القدّاس، التقى المطران ابراهيم بأعضاء لجنة المقام والمؤمنين في قاعة الكنيسة .