لبنان
21 كانون الأول 2021, 12:15

المطران ابراهيم في قدّاسه الأوّل بعد التّولية: لا تخافوا، بعد الألمِ يأتي الفرج!

تيلي لوميار/ نورسات
بعد توليته رئيسًا لأساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك، احتفل المطران ابراهيم ابراهيم بقدّاسه الأوّل في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة- زحلة، بمشاركة المطران عصام يوحنّا درويش، وراعي أبرشيّة بعلبك المطران الياس رحّال، وراعي أبرشيّة بيروت وجبيل وتوابعهما المطران جورج بقعوني، وكهنة الأبرشيّة، بحضور الرّئيسة العامّة للرّاهبات المخلّصيّات الأم تريز روكز، والأمين العامّ لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان الأب كلود ندره، وفعاليّات رسميّة وحزبيّة واجتماعيّة وعسكريّة وشعبيّة.

بعد دخوله إلى الكاتدرائيّة محاطًا بالكهنة، ألبس المطران درويش المطران ابراهيم قلادات الذّخائر المقدّسة. وبعد الإنجيل كانت للمطران درويش كلمة ضمّنها وصيّة لخلفه، قال فيها بحسب إعلام المطرانيّة:  

"أخي الحبيب المطران ابراهيم  

هذا اليوم هو من الأيّام الجميلة الّتي مرّت في حياتي، ففيه أختمُ مسؤوليّاتي في الأسقفيّة، كما أطوي صفحةً من حياتي، وأُسلّمكَ قيادةَ هذه الأبرشيّةِ العزيزة، أبرشيّةِ الفرزل وزحلة والبقاع.

خلالَ عشرِ سنواتٍ خلت، كانت حياتي في زحلة خدمةً متواصلةً للأبرشيّة والكنيسة. أنجزتُ خلالَها، ما قدَّرني اللهُ عليه، في سنواتٍ أعتبرُها من أصعبِ السّنوات في تاريخ لبنان.

منذ اليوم الأوّل أدركتُ، حقَّ الإدراك، ثِقلَ هذه المسؤوليّة، وكنتُ عالمًا بما كان ينتظرني من مصاعب، لاسيّما أنّ آباء أساقفة صنعوا قبلي مجدها وكتبوا تاريخَها المجيد.  

اليوم وبعد أن حقّقتُ الكثير من الإنجازات والمشاريع والخدمات في جميع الحقول، أُرحّب بك، سيّدنا ابراهيم، بكلِّ فرحٍ ومحبّة. وأسلّمكَ الأمانة: هذه الأبرشيّة الغالية، أبرشيّةً زاهية بمؤسّساتها الدّينيّة والإنسانيّة والتّربويّة والصّحّيّة المتنوّعة، وبأبنائها الطّيّبين، متأكّدًا أنّكَ ستزيدها جمالاً وفاعليّةً بما أعرفه فيك من قدرة وإيمان وحبّ وتضحية.

لمّا استلمتُ الأبرشيّة من سلفي المثلّث الرّحمات المطران أندره حدّاد عام 2011 قال لي في كلمة التّسليم: "أستودعُك مواقفَ تاريخيّة تميّزتْ بالصّراحة والجرأةِ مع كلّ الجهاتِ المسؤولةِ على اختلاف مستوياتِها وانتماءاتِها، مواقفَ طالما عرّضَتّني للنّقد واللّوم من فئاتٍ ذاتِ مواقعَ مهمّة. ولكن الشّعبَ البريءَ المسالمَ والفئاتَ الشّعبيّةَ المسالمةَ غمرتني بمحبّتها وبثقتِها غير المحدودة، لأنّها وجدَتْ في راعيها الحمايةَ من كلّ المخاطر.

اليوم أقولُ لك الكلامَ ذاته، فلا تهتمّ بما يتفوُهُ به بعضهم، بل انتبه إلى الفقراء والمحتاجين والمسالمين، انتبه إلى كِبَرِ العائلات الزّحليّة الصّامتة، فهي تعرفُ صوتَ راعيها وتُحبُّه وتقدّرُه وتتبعهُ وتشاركهُ همومَه وتُباركُ عمل يديه.

أسلّمك الأمانة وأنت أهلٌ لها، فتاريخُك حافلٌ بالعطاءِ والتّضحيةِ. وما أنجزتَهُ في الولايات المتّحدة وفي كندا يشهد على ذلك.

أمامكَ وأمامَ الحاضرين أودُّ أن أشكرَ إخوتي الكهنة، وفي مقدّمتهم النّائب العامّ للأبرشيّة على تعاونهم وخدمتهم ومحبّتهم.

كما أشكرُ المجلس الرّاعوي العامّ والجمعيّةِ الخيريّةِ الكاثوليكيّة واللّجانِ الأخرى بما فيها مستشفى تل شيحا، والمدارس، ولجنة المرأةِ، والعائلةِ، والشّبيبة، وميداد والكشّافة... أشكر فريقَ عملي من كهنة وعلمانيّين وقد كانوا السّندَ لي في كلّ المناسبات.

والآن وقد حان وقتُ راحتي، أترك الكلام لك، يا صاحب السّيادة".

بعدها ألقى لمطران ابراهيم عظة شكر فيها الجميع على الاستقبال والتّرحاب وممّا قال :

"أخي صاحب السّيادة المطران عصام يوحنّا درويش الفائق الاحترام،

إخوتي الكهنة الأحبّاء والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات الأفاضل.

أيّتها الأخوات والإخوة بالمسيح يسوع،

أشكركم من كلّ قلبي على حفاوة الاستقبال الرّائع الّذي نظّمتموه البارحة. لقد كان شهادة لا ريب فيها عن عراقة هذه الأبرشيّة وطيبِ معدنِ أبنائها. لقد رأيتُ في كلِّ واحدٍ منكم كرمَ مرتا وضيافتَها ونصيبَ مريمَ الصّالح الّذي لا يُنزعُ منها. شكري الّذي لا يُوصف أقدّمه من عمقِ كَياني إلى سيّدنا عصام الّذي رافقني منذ صباي إلى يومنا هذا وكان أكثر من أبٍ روحيٍّ ومرشدٍ وصديق. لقد كان هو هو في كلّ الفصول، محبّةً لا تَنضَب وحنانًا لا يتوقّف وحكمةً متجسّدة. سيّدنا عصام سلّمني البارحة وديعةً ثمينةً ومسؤوليّةً كبيرة وشرفًا رفيعًا، وفوق كلِّ هذا، قدّم لي عهدًا أنَّه سيبقى لي ولكم ملاكًا حارسًا يرافقنا بحرصِ الأبِ الّذي لا تاريخَ انتهاء لأبوّته. وأنا مع إخوتي الكهنة وأبناءِ وبناتِ هذه الأبرشيّة الرّائدة في الأصالة نعاهدُ سيّدنا عصام أنّنا بعاطفة البنين الّذين لا تاريخ انتهاء لبنوَّتهم نبادله المحبّةَ والوفاء على الدّوام أيضًا. سيّدنا عصام الأبرشيّةُ ستبقى لك بيتًا وعائلةً وفيّة عاجزةً عن أن تفيكَ حقّكَ من الإكرام الواجب وهي تحتاج صلاتَكَ ونُصحَكَ وإرشاداتك وخبراتك.

ما شهِدتُهُ البارحة في الاستقبال من مشاركة الأطفال والشّباب بأعدادٍ كبيرة رغم المطرِ والبردِ ومن روعةِ التّنظيم والتّرنيم أكّد لي أنّ عاصمة الكثلكة ورعايا الأبرشيّةِ العامرة ما يزالون بألف خير وأنّ المستقبلَ لنا. فلنبدأ كما قُلتُ البارحة مسيرة متابعة البنيان، خصوصًا بُنيان الإنسان الّذي من أجله تجسّد الله والتصق بناسوتنا كي نلتصق نحنُ أيضًا بلاهوته.

من أجمل ما في إنجيل هذا الأحد، أحد النّسبة وعيدِ أبي الآباء ابراهيم، ورودُ كلمة "الله" ("ثيوس" في اليونانيَّة) لأوّل مرَّةٍ في العهد الجديد ملتصقةً بالإنسان: "الله معنا" (مت 1: 23). فيقولها متَّى بِبَدءِ الإنجيل: إنَّه "عمّانوئيل" الّذي تفسيره "الله معنا". لم يعد من فاصل بين الله والإنسان. الله لا ينفصل بعد اليوم عن الإنسان بل يلتصقُ به! نحن الأساقفة والكهنة، على مثال معلّمنا "عمّانوئيل" يسوع المسيح، يجب أن نلتصق بإنسان هذه الأبرشيّة في رعايانا كي نصبح معه واحدًا في كلّ شيء، في أفراحه وأحزانه حتّى إذا ما تألّم عضوٌ تتألّمُ معه سائر الأعضاء.

والأجملُ، لأوَّلِ مرَّة أَيْضًا، يُفسَّر اسم يسوع في الإنجيل نسبةً إلى خطيئة الإنسان، فيقول الملاك ليوسف: "ستدعو اسمه يسوع، لأنَّه هو الّذي يخلِّص شعبَهُ من خطاياهُم". (مت 1: 21).

الرّبُّ عندنا، أحبَّائي لا يتعالى. لا يسكن قصرًا عاجيًّا في أعالي السّماوات، بل يتنازلُ، ينصب خيمتَهُ بين خيَمِنا. يعرف مسكنتنا، فيلتصق بخطيئتنا كي يزيلها من أساسها، ويقتلِعُها من جذورها.

الرّبُّ يأتي من سلالةٍ هشَّةٍ، من إنسانيَّةٍ ضعيفةٍ ومجروحة. بارُّها بالجهد يخلصُ، وشرِّيرها يقترفُ الشّرَّ حتَّى الثّمالةِ. من هذه الإنسانيَّة الدَّؤوبِ، وُلِد يسوعُ. طَلَعَ من خطايا النّاس وضَعفِهم، من الشّرِّ والخير اللّذين ارتكبوهُما تحت الشّمس. إلهنا لا ينظر إلينا من عليائه. لا ينساب علينا من العُلى، بل يخرج من صميم معاركنا وجهادنا.

مَن هم إبراهيم وإسحق ويعقوب؟ مَن هما داود وسليمان؟ من هما حزقيَّا وزربَّابل وغيرُهُما من أجداد المسيح الّذين قرأنا أسماءهم اليوم في السّلالة؟ هم أناس اختلط فيهم الخير بالشّرُّ. بشرٌ رقصوا وحزنوا وبَكَوْا وفرحوا واشتغلوا وشربوا وأكلوا وتحاربوا وتحابُّوا... هم نموذج عن البشريَّة بأوجهها كافَّةً. هم نماذج عنَّا، نحن الّذين من رَحِمِهِم أَيضًا. ومِن هشاشتنا وفرحنا وحزننا، ومن دموعنا وابتساماتنا أيضًا يولد يسوعُ.

الميلاد هذه السّنة (مُكَلَّلٌ بِالشَّوكِ)، خالٍ عند كثيرين من كلِّ مظاهرِ الزّينة والأضواء والبهرجات، لنعيشه متساوين في الفقر والوداعة والبساطة مع يسوع المولود في المذود. فيا له من (ميلاد)! إنّه الأقرب إلى فقر طفل المغارة، إنّه الأقرب إلى الميلاد الحقيقيّ.

الميلاد هذه السّنة تضامنٌ مع كلِّ مهمَّش ومتروك ومجروح ومنبوذٍ. على صورة السّلالة، هو ميلادٌ ينبع من الضَّعف ليلمُسَ كلَّ ضعيف.

أحبَّتي، يسوع لم يهجُرِ الأرض. لا يأتي إلينا، لأنَّه قد أتى أصلًا. إنِّه معنا هنا. حاضرٌ، ومحفور في ضمائرنا ووِجْداننا، وفي كلِّ خليَّة من خلايانا. نحن المعمَّدين بإسم الرّبِّ، مَن ذا يستطيعُ محوَ اسمِ "يسوع" من خلايانا! لا أحدٌ. لا إنسانٌ، ولا خطيئةٌ ولا ضعفٌ. يسوعُ منقوشٌ فينا نقشَ الحجرِ.

إن كنَّا نعاني اليوم الآمًا! لا تخافوا، بعد الألمِ يأتي الفرجُ. ماذا قال متَّى في إِلْمَاعَةٍ منه في ختامِ سلالته؟ "ومن السّبي إلى المسيحِ أربعةَ عشرَ جِيلًا" (مت 1: 17). الطّريق إلى المسيح تمرُّ أحيانًا عبر مرارة السّبي والألم. هناك دائمًا مرحلةٌ "بعد السّبي"، وأملُنا أن يخرجَ بلدُنا الحبيبُ لبنانُ من سَبيهِ ويعودَ إلى مجد عزِّه.

نسأل الرّبَّ المزمعَ أن يولدَ من مريمَ العذراء، سيّدة زحلة والبقاع، سيّدة النجاة، أن يشملَنا برحمته، ويُهطِلَ عليكم وعلينا نِعَمَهُ وافرةً. آمين."

وبعد القدّاس انتقل الجميع إلى قاعة يوحنّا الحبيب حيث تلقّى المطران ابراهيم التّهاني وإلى جانبه المطران درويش.