لبنان
17 كانون الثاني 2024, 09:45

المطران ابراهيم في عيد مار أنطونيوس: علينا أن نتعلّم منه تقديس يومنا الحاضر

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بعيد أب الرّهبان القدّيس أنطونيوس الكبير، وترأّس قدّاسًا عشيّة العيد في كنيسة دير القدّيس أنطونيوس الكبير في زحلة التّابع للرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة، عاونه فيه النّائب الأسقفيّ العامّ الأرشمندريت نقولا حكيم، الأرشمندريت عبدالله عاصي والأب طوني الفحل وخدمته جوقة القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ بقيادة أسعد بشارة بمشاركة المرنّم الأوّل جورج رياشي، بحضور المدير العامّ لوزارة الزّراعة المهندس لويس لحّود ومؤمنين.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران ابراهيم عظة تحدث فيها عن القدّيس أنطونيوس وضرورة عيش فضائله في أيّامنا الحاضرة، وقال بحسب إعلام المطرانيّة:

"في يومٍ كهذا من كلّ عام، نحتفل بعيد أبو الرّهبان القدّيس أنطونيوس الكبير، وقد سمّي الكبير لأنّه صغّر نفسه وتواضع، لأنّه ترك كلّ المجد وقَبِل أن يكون صغيرًا وأصبح كبيرًا على مدى التّاريخ، الرّجل الّذي لا يزالُ أَثَرُ بَصْمَتِهِ العميق على جبين الكنيسة وقلبها وفي تاريخها الطّويل يترُكُ لنا علامة رهبانيّةً فارقة وتُراثًا إيمانيًّا قيِّمًا لا يُقدّر بثمن. إنّ حياته المليئة بالصّلاة والصّمت والعمل في طلب القداسة تعكس مسيرةً روحيّة استثنائيّة، وتعلّمنا منه الكثير عن أهمّيّة التّفتيش عن الحقيقة والتّقرّب من الله.

القدّيس أنطونيوس الكبير، الّذي عاش في القرن الثّالث الميلاديّ، كان رمزًا للزّهد والتّعبّد. ولد في صعيد مصر نحو سنة 251 مسيحيَّة. وعندما مات والداه، تخلّى عن ثروته وأملاكه وانسحب إلى الصّحراء بحثًا عن الله. في الصّحراء، أمضى حياته في الصّلاة المتواصلة والتّفكير العميق، وكان يعيش ببساطة فائقة. كان يعتبر الصّمت هو أحد أهمّ وسائل التّأمّل في الله. التّأمّل في الله لا يحتاج إلى الكثير من الكلمات، يحتاج الى الكثير من الصّمت والإصغاء، وقد كتب القدّيس أنطونيوس أيضًا العديد من الرّسائل والأقوال الّتي تعكس حكمته وإدراكَه الطّريقَ إلى الله. إنتقل إلى السّماء في السَّابع عشر من كانون الثّاني سنة 356، وله من العمر مئة وخمس سنين.

واحدة من أبرز الدّروس الّتي نستفيد منها من حياة القدّيس أنطونيوس هي أهمّيّة تقديس اليوم الحاضر، لا أن نفكّر في الغد أو نقدّس البارحة، فالأمس لا يعود والغد لم يأتِ بعد، دعونا نقدّس اليوم. فوقتنا ليس مُلكًا لنا لكنّه مُلكُ الله، نحنُ لسنا إلّا مجرّدَ وكلاء، نديرُ وقتَنا ولا نملكهُ. ليس من الضّروريّ طبعًا أن نعيش في الصّحراء لنكون قريبين من الله، بل يمكننا أن نجد الله في كلّ لحظة وفي كلّ مكان إذا كنّا مستعدّين للتّفكير العميق والتّأمّل والصّلاة.

القدّيس أنطونيوس الكبير يتشابه في الكثير من الجوانب مع القدّيس العظيم شربل، الرّاهب اللّبنانيّ الّذي عاش في القرن التّاسع عشر. إنسحب شربل إلى الجبال بدل الصّحراء وعاش حياة بسيطة وقداسته الشّخصيّة خطت صفحاتِ مجدٍ كبير للكنيسة والبشريّة جمعاء. وكان هو أيضًا رمزًا للتّفكير العميق والزّهد في الحياة الدّنيا.

الاختلاف الرّئيسيّ بين هذين القدّيسين يكمن في الزّمن الّذي عاشا فيه. فأنطونيوس عاش في الزّمن القديم للمسيحيّة، زمن مختلف في تحدّياته ومحنه عن تلك الّتي عاشها مار شربل في زمانه بعد مرور حوالي 1542 سنة. مع ذلك، فإنّ رسالتهما كادت تكون توأمان لا ينفصلان يذكّرانا بأهمّيّة البحث عن الله والتّفكير العميق والتّقرّب منه في النّسك والصّمت.

في هذا اليوم المبارك، نُمسك بخطّ التّاريخ المتواصل بين صحراء أنطونيوس وعنّايا شربل. من حياتهما نستوحي مسيرة نخطوها بالثّبات نحو عمق الحياة. نتذكّر أهمّيّة التّواضع والبساطة، وأهمّيّة التّفكير العميق والصّلاة المستمرّة. نحن في بلد كلبنان نعتقد بأنّ السّلاح قد يخلّصنا لكن في الحقيقة وحدها الصّلاة المستمرّة هي الّتي تخلّصنا. دعونا نسعى جميعًا للتّقرّب من الله والسّعي نحو القداسة في حياتنا اليوميّة، ولنكن قدوةً للآخرين بالعيش وفقًا لقيم الإيمان والزّهد. فلنكن مثل القدّيسين العظيمين أنطونيوس الكبير وشربل في سعينا نحو الله والحقيقة.

نشكر الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة الّتي أنجبت لنا بنعمة الله وشربل مخلوف. نشكرها على محافظتها على مجرى القداسة الّذي ينبع من المسيح ويصبّ في أنطونيوس وشربل وباقي القدّيسين. نشكر الرّهبانيّة أيضًا على وقوفها أمام التّحدّيات الّتي يواجهها لبنان، والّتي يواجهها الوجود المسيحيّ في لبنان خصوصًا، والمأساة الّتي من الممكن أن يعيشها المسيحيّون هي نوع من القرصنة، قرصنة الوجود والحضور والدّور المسيحيّ في لبنان، وهذه مسألة بحاجة إلى صلاة لأنّ لبنان يتعرّض لتغيّرات اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وديموغرافيّة. أملنا في كلّ أصحاب الإرادات الطّيّبة والخيّرة لكن بنوع خاصّ نعوّل على دور الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة، وأنا مقتنع بأنّ مستقبل لبنان هو رهن دور الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة في بناء مستقبل مستدام لهذا الوطن العظيم. فلنصلّ للرّهبانيّة بقدر ما نلقي عليها من مهمّات ومسؤوليّات كي يباركها الله في هذه المهمّة السّامية.

أعايد الأب الرّئيس وجمهور هذا الدّير وكلّ المُسمّين باسم شفيعهم أنطونيوس، متمنّيًا لهم دوام الصّحّة والقداسة."  

وفي نهاية القدّاس كانت كلمة شكر لرئيس دير القدّيس أنطونيوس الكبير في زحلة الأب جوزف شربل جاء فيها: "تكرّمتم فشرّفتمونا يا صاحب السّيادة المطران ابراهيم ابراهيم، راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الكاثوليك السّامي الاحترام، واحتفلتم بهذه الذّبيحة الإلهيّة مع حضرة الآباء الأفاضل المحترمين. نشكركم بإسم الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة ورئيسنا العامّ الأباتي هادي محفوظ على محبّتكم وعاطفتكم النّبيلة النّابعة من قلبكم الكبير، راجين لسيادتكم الصّحّة والقداسة والنّجاح وطول العمر."