لبنان
14 آذار 2022, 11:20

المطران ابراهيم في زيارته الأولى إلى الفرزل: هي قلعة الكثلكة ومدينة العذراء

تيلي لوميار/ نورسات
قام رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بزيارة هي الأولى إلى بلدة الفرزل منذ تولّيه السّدّة الأسقفيّة، واحتفل بالذّبيحة الإلهيّة في كنيسة سيّدة النّياح بمشاركة النّائب الأسقفيّ العامّ الأرشمندريت نقولا حكيم، وكهنة الفرزل طوني أبو عراج وجوزف جبّور والأب شربل راشد، فيما خدمت القدّاس جوقة القدّيس يوحنّا فمّ الذّهب، بحضور فعاليّات البلدة وأبنائها.

بعد الإنجيل المقدّس، كانت كلمة للمطران ابراهيم أعرب فيها عن سروره بزيارة بلدة الفرزل "قلعة الكثلكة" وقال :

"أرحّب بكم جميعًا، أرحّب بالآباء الأحبّاء الّذين يحتفلون معي بالذّبيحة الإلهيّة، أرحّب بالصّغار والكبار، وبنوع خاصّ أرحّب برئيس البلديّة ملحم الغصان وبسعادة النّائب ميشال ضاهر الصّوت الأقوى في المجلس النّيابيّ الّذي نفتخر به في طائفتنا ونتمنّى أن يكون هناك نوّاب كثر من الّذين يمثّلون الشّعب في لبنان على مثال أستاذ ميشال.

أيّها الأحبّاء في المسيح!

منذ الطّفولة صار في قلبي مساحة محبّة كبيرة للفرزل. صارت جزءًا من عائلتي وأنا بعدُ في مطلع العمر. ثمّ صار لي منها في مدرسة دير المخلّص آباءٌ وإخوةٌ وأصدقاءُ. زرتُها منذ أكثر من ثلاثين عامًا قريةً كبيرةً يُعانقُها الجبل عناقًا أبديًّا، كما ينحني السّهلُ أمامها إجلالاً وكِبَر لما هي عليه من عَظَمَةٍ في تاريخها وجغرافيّتها وفوق كلّ شيء في إنسانها. وها أنا آتيها اليوم بعدَ طولِ غيابٍ لأراها مدينةً فتيّة رغم تاريخها المتجذّر في هذا البقاع الخصيب، مدينةً لا أخال البقاع من دونها ولا أخال شجاعة ورجولة من دون أبنائها الأشاوس. وأنا أرى أنّ أجملَ ما فيها ارتماؤها كطفلة مدلّلة في حضن مريم العذراء الّتي تقيم بينكم في سيّدة النّيّاح وفي سيّدة البشارة. وإذا كان أحدُ ألقاب السّيّدة العذراء أنّها "مدينة الله"، فإنّي أرى الفرزل اليوم تستحقُّ أن يُطلقَ عليها لقب "مدينةُ العذراء" "مدينة العدرا" إضافة إلى "قلعة الكثلكة". هنا أنتم في حِضنِ أمّ الله، في حِضنِ مريم، في حِضنِ الشّفاعة والحنان. أنتم مدينةُ مريمَ، أمِّ الله. فلو كان لمريم العذراء أدوارٌ وألقابٌ كثيرة، لكنّها مريمُ الواحدة: إنّها سيّدة النّياح وسيّدة البشارة وسيّدة النّجاة وسيّدة زحلة والبقاع. إنّها سيّدةُ قلوبنا الّتي لا تنبُضُ من دون مريم وسيّدةُ عقولنا الّتي لا تستنيرُ من دون مريم. أنا أراني اليومَ في مدينةٍ مريميّةٍ. هذا يجعلُ من أبرشيّتنا أبرشيّة مريميّةً، إذ لنا في مريم، أمٌ وشفيعة. إنّها الجُنديّةً القاهِرة ومَلكةَ العِزَّةَ الّتي لا تُحارَب. نحنُ في كنفها نصيرُ في أمان وسلام وثبات."

وأضاف "في الواقع، إنّ هذا المسكن اللّائق بالله، كما يسمِّيها القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ، والينبوعُ غيرُ المنقوبِ بيدٍ الّذي يتدفّق منه الماء الغافر الخطايا، والأرضُ غيرُ المحروثةِ المثمرةُ الخبزَ السّماويَّ، والكرمةُ الّتي أعطت خمر الخلود دونما سقاية، وزيتونةَ رحمةِ الآب الدّائمةُ الاخضرار ذاتُ الثّمارِ البهيّة، تقيمُ معنا وبيننا ناظرةً إلى كلّ قلب من قلوبنا، تمسحُ دموعنا وتقودُنا بثقة إلى ابنها يسوع، مخلّصنا وفادينا.

إنّها مريم، أمُّ الفرزل وكلّ فرزلي ونجمة الصّبح وأمّ الله، نورُ مسائنا وشمسُ حياتنا والكرمة الحقّ الحاملة عنقود الحياة، والمنارة الذّهبيّة، وتابوت العهد، وعصا هارون، وبابُ الخلاص، ومدينةُ الله، والسّماء الثّانية وأمُ الكنيسة، أمُّنا جميعًا.

والفرزل هي أيضًا مدينتي وأرضُ البدايات الّتي لا تنتهي. إنّها الجوهرة الّتي ترصِّعُ تاج أسقفيّتي وتعلو اسم أبرشيّتي وتمُدُّني بالفخر والعزمِ والقوّة. فأن أكونَ مطرانَ الفرزل هو شرفٌ أثيلٌ بحدِّ ذاته لأنّي أخلف في سُدَّةِ هذه الخدمة أساقفةً قدّيسين كالمطارنة المثلّثي الرّحمة: إفتيميوس فاضل معلولي، ومكاريوس طويل، وكيرلّس مغبغب، وأفتيميوس يواكيم، ويوحنّا بسول، وأغسطينوس فرح، وأندريه حدّاد، وصاحب السّيادة عصام يوحنّا درويش أطال الله عمره.

لقد شاء الله أن أكون خادمكم وأُكملَ درب من سبقوني في مسيرة البذل والعطاء ولن تكون لي طاقةٌ على إتمام ذلك دونَكم أيّها الأحبّاء ودون أمّي العذراء مريم الّتي لها قوّةٌ عظيمةٌ على استعطاف السّيّد من أجلي ومن أجلكم، لذلك أجدّد اليوم من الفرزل تكريس حياتي لمريم العذراء سيّدة النّياح وسيّدة البشارة، وأعلنها من جديد ملكةً على قلبي وفكري وكلِّ كياني."

وتابع "أسلّم بنوع خاصّ شباب الفرزل وأطفالها وكلّ أبنائها وسائر المسيحيّين في الشّرق إلى عناية أمّهم العذراء مريم وأصرخ نحوها من عُمق كياني. يا عذراء أعينينا في زمن شقائنا. ساعدينا كي نبقى كنيسة قويّة، حيويّة وحيّة، شاهدة، متماسكة ومقدّسة. بقوّتنا لا نستطيع فِعل الكثير. أنتِ خلاصُ كلّ المسيحيّين.

يقول القدّيس العظيم ومعلّم الكنيسة توما الأكوينيّ: "كلّ من يرغب أن يحصل على نعمةٍ من عند الله، عليه أن يقترب من هذه الشّفيعة، أن يقترب منها بكلّ إخلاص، كونها أمّ الرّحمة، وتملك كلّ شيء في ملكوت عدل الله، فلا يمكنها أن ترفض توسّلك. كالبحّارة الّذين يهتدون بنجمةٍ مضيئةٍ لتقودهم صوب الميناء، كذلك المسيحيّون يهتدون بمريم صوب السّماء.""

وعن الوضع في لبنان قال "أيّها الأحبّاء، نحن في لبنان نجتاز مرحلة صعبة وحرجة تستلزم إيمانًا عميقًا وروح مسؤوليّة فائقة. إنّه زمن التّضامن والتّكاتف والتّآزر. إنّه زمن المشاركة والعطاء والتّضحيات. معًا نستطيع عبور هذا النّفق المظلم دون إحباط أو فقدانٍ للأمل. نحنُ أبناءُ الأمل والرّجاء، لذلك وضع الله مريم في طريقنا كما وضعها في طريق ابنه أُمًّا تساعده في إتمام مشروع الخلاص، وقد استجابت العذراء دائمًا لندائه بإرادة تامّة نابعة من صلاتها الّتي لا تتوقّف. مريم بعد القيامة لم تترك التّلاميذ بل كانت سند الكنيسة النّاشئة وعضدها (راجع أع 1، 14). فمريم العذراء، أمّ الله وأمّ الكنيسة، تعيش أمومتها إلى الأبد. لذلك نضع حياتنا بين يديها الطّاهرتين، كي تطرد عنّا كلّ خوف ووجع.

كيف نخافُ أو نيأس أو نُصاب بالإحباط ولنا في سيّدة النّياح وسيّدة البشارة أمًّا تنجّينا في زمن الشّدائد والمصاعب؟ فنحنُ تحتَ سِترِ حمايتِها نلتجئُ، وهي لا تغفلُ عن طَلَباتِنا في احتياجاتِنا إليها، بل تُنَجِّينا من جميعِ المخاطرِ على الدّوام، لأنّها المجيدةُ المباركة."  

وإختتم المطران ابراهيم عظته قائلاً "أيّها الرّبّ يسوع يا رجاءَنا الوحيد، أنتَ تعرفُ ما نحتاجُ إليه. نطلب منك أن تقبل شفاعة أمّك البتول مريم الّتي لنا ملء الثّقة أنّها ستساعدنا، كما في قانا الجليل، كي يعود الفرح والعيد، وتنتهي هذه المحنةُ الّتي يتخبط فيها لبناننا الحبيب.  

يا أُمَّ المحبّةِ الإلهيّة، ساعدينا لكي نقبلَ إرادةَ الآب، ونعملَ بما يقولُه لنا يسوع، الّذي أخذَ على عاتقه معاناتِنا، وحمَل عنَّا آلامَنا، ليقودَنا، عَبر الصّليب، إلى فرح القيامة. آمين.