لبنان
23 كانون الأول 2025, 06:55

المطران ابراهيم في رسالة الميلاد :ميلاد المسيح هو دعوة لنكون نورًا في حياة الآخرين

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم رسالة الميلاد إلى الكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات ومؤمني ومؤمنات وأصدقاء الأبرشيّة، وجاء فيها:

"المسيح ولد! فمجّدوه.

في هذا الزّمن المقدّس، حيث تلتقي السّماء بالأرض في مغارة فقيرة في بيت لحم، نحتفل بميلاد يسوع المسيح، الكلمة الّذي صار بشرًا، ليحلّ بيننا ويمنحنا الحياة بوفرة. في هذا العيد، لا نحتفل فقط بذكرى تاريخيّة، بل بسرّ دائم: سرّ حضور الله بين شعبه، وسرّ النّور الّذي لا يبهت وسط ظلمات العالم.

لقد شاء الله أن يولد ابنه في زمن يشبه زمننا: زمن قلق، فقر، وتيه سياسيّ واجتماعيّ. في تلك اللّيلة الباردة، لم يجد مخلّص العالم موضعًا في الفنادق، فاختار مذودًا حقيرًا ليصير عرشه. هذا الاختيار الإلهيّ لا يزال يدعونا كلّ عام إلى التّأمّل في معنى التّجسّد، وإلى رؤية الله الّذي لا يأتي في مظاهر القوّة، بل في بساطة الحبّ، وفي تواضع القلوب الّتي تفتح له الباب.

أيّها الإخوة والأخوات،

إنّ أبرشيّتنا المباركة، الممتدّة من الفرزل إلى زحلة إلى مشغرة وسائر بلدات البقاع، تعيش مثل باقي لبنان آلامًا وتحدّيات كثيرة. الجوع والبطالة، المرض والوحدة، الهجرة واليأس، صارت وجوهًا مألوفة في يوميّاتنا. ومع ذلك، لا شيء من هذا يستطيع أن يطفئ نور الإيمان. ففي كلّ ركن من أبرشيّتنا، هناك عائلات مؤمنة تضيء الشّموع في بيوتها رغم العتمة، ورهبان وكهنة يخدمون بإخلاص رغم التّعب، وشباب يزرعون الأمل رغم الصّعوبات. هؤلاء هم نجوم الميلاد الحقيقيّون الّذين يعلنون أنّ الله ما زال حاضرًا في وسطنا.

في هذا العيد المبارك، أودّ أن أشارككم فرحًا خاصًّا يميّز عيد الميلاد في زحلة عن باقي المناطق. فرغم الصّعاب الّتي يمرّ بها وطننا، تضيء زحلة المدينة بألوان الميلاد البهيّة، وتعلو أصوات التّرانيم والقداديس في كنائسنا، فتملأ أجواء المدينة فرحًا وسكينة. الشّوارع تتزيّن بالأنوار والزّينة، وتكتسي البيوت بلمسات الميلاد الجميلة، فتتحوّل كلّ زاوية في المدينة إلى لوحة نور ومحبّة. إنّ هذه الأجواء الميلاديّة تجعل من زحلة منارة أمل في قلب لبنان، ومثالًا حيًّا على قدرة الإنسان على نشر الفرح والنّور رغم كلّ التّحدّيات.

أيّها الأحبّاء، لنجد في هذا الميلاد الفرح في أبسط الأشياء: ابتسامة طفل في الشّارع، كلمة طيّبة لشخص محتاج، زيارة للمريض في المستشفى، أو مجرّد لحظة صمت وتأمّل في قلبك تشكر الله فيها على نعمه. فلنجعل هذا الميلاد مناسبة لتجديد إيماننا، ولنعمل معًا على نشر الخير والمحبّة في كلّ بيت وفي كلّ حيّ، ولنعمل على تعزيز روح التّضامن والتّآزر بيننا.

دعونا نتذكّر أنّ ميلاد المسيح هو دعوة لنكون نورًا في حياة الآخرين، أن نمدّ يد العون لكلّ محتاج، ونزرع بذور السّلام والوئام في كلّ مكان. فحتّى في أصعب الظّروف، يمكن لقلب مليء بالمحبّة والإيمان أن يبدّد الظّلام، ويصنع الفارق في حياة من حوله. لنجعل من هذا العيد عيدًا للفرح الحقيقيّ، ولنعمل على نشر الأمل والإيمان في كلّ بيت وزاوية من أبرشيّتنا ومن زحلة، لتبقى مدينتنا الحبيبة منارة نور في وطننا لبنان.

إنّ زحلة، بعراقتها وإيمانها، تبقى قلب الأبرشيّة النّابض، لكن شعلة الميلاد لا تضيء فيها وحدها. إنّها تمتدّ إلى قرانا ومدننا في البقاع الشّرقيّ والغربيّ، حيث يرتّل الأطفال ترانيم الميلاد في كنائس صغيرة، ويجمع المؤمنون ما لديهم ليشاركوا المحتاجين. هناك، يتجسّد المسيح في صمت العطاء الخفيّ، وفي دموع الفرح الصّافية، وفي قلب يعرف أنّ النّور أقوى من اللّيل.

ليكن ميلاد الرّبّ مناسبة لنستعيد عمق رسالتنا كمؤمنين: أن نكون شهودًا للنّور وسط الظّلمة، وجسورًا بين المتخاصمين، وسندًا للفقراء والمتألّمين. إنّ المسيح لم يولد ليغيّر الظّروف فحسب، بل ليغيّر القلوب. فكلّما تجدّد القلب بالمحبّة، تجدّد وجه الأرض.

أيّها الأحبّاء،

فلنفتح مغارة قلوبنا ليسكنها يسوع. لنصغ إلى صوته الوديع القائل: "سلامي أترك لكم، سلامي أعطيكم". ولنحمل هذا السّلام إلى كلّ بيت في أبرشيّتنا: إلى العائلة المفكّكة، إلى الشّيخ المنسيّ، إلى الطّفل الّذي ينتظر فرحة العيد، إلى المهاجر البعيد الّذي يحمل لبنان في قلبه. فالميلاد ليس زينةً على الشّرفات، بل حياة متجدّدة بالحبّ والعطاء.

أسأل الله العليّ القدير أن يحفظكم، ويقوّيكم، ويمنحكم الصّحّة والسّلام الدّاخليّ، وأن يبارك عائلاتكم، ويجعل قلوبكم مملوءة بالإيمان والطّمأنينة. وأدعوكم أن تبقوا ثابتين في الإيمان، صابرين في المحن، وناشرين للخير والمحبّة كما علّمنا مخلّصنا يسوع المسيح. لتكن أفعالكم وكلماتكم مصدر فرح لمن حولكم، وسراجًا منيرًا في زمن كثرت فيه التّحدّيات.

أيّها الأحبّاء، دعونا نجعل من هذا العيد دعوة للتّضامن والعطاء، ونبادر بمساعدة المحتاج، وزيارة المريض، ومواساة الحزين، لنثبت أنّ الرّوح المسيحيّة الحقيقيّة لا تتوقّف أمام أيّ عقبة، بل تزداد قوّة ونورًا. ولنحتفل جميعًا بروح الميلاد، في منازلنا وكنائسنا وأحيائنا، ولننقل هذا الفرح لكلّ من حولنا، ليكون عيدًا مليئًا بالمحبّة والوئام والأمل.

ليبارككم الله جميعًا، ويحفظ أبرشيّتنا ووطننا لبنان الحبيب من كلّ سوء، وليجعله عامًا مليئًا بالسّلام والخير والبركة لكلّ بيت ولكلّ قلب.

فلنضع على مذبح الميلاد كلّ ما نحمله من هموم وآمال، ولنقل مع العذراء مريم: "ليكن لي بحسب قولك". عندها فقط يولد المسيح فينا حقًّا، ويصبح كلّ واحد منّا مغارة حيّة لله الحيّ.

عيد ميلاد مجيد، وسنة جديدة مليئة بالنّور، الرّجاء، والمحبّة.

أعاد الله عليكم هذا العيد بالسّلام والصّحّة والفرح.

المسيح ولد! فمجّدوه."