المطران ابراهيم بعيد مار جاورجيوس في تربل: عيشوا العيد كالتزام جديد تجاه رعيّتكم وكنيستكم
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران ابراهيم عظة هنّأ فيها المحتفلين بعيد القدّيس جاورجيوس شفيع الرّعيّة، وقال :
"أيّها الأحبّة، أبناء تربل الأعزّاء، المسيح قام! حقًّا قام!
في هذه اللّيلة المباركة، ونحن نتهيّأ للاحتفال غدًا بعيد شفيعكم وشفيع هذه الكنيسة المباركة، القدّيس جاورجيوس العظيم في الشّهداء، تتعانق في قلوبنا نغمة الفصح المجيد الّتي ما زالت تتردّد منذ يوم أمس، مع ترنيمة الدّمّ والبطولة الّتي رنّمها هذا القدّيس الشّهيد، الّذي ما زال صوته يعلو في كلّ الأزمنة صارخًا: "الحقّ لا يُباع، والإيمان لا يُساوم عليه، والمسيح هو الحياة، حتّى لو كلّفني الموت!".
لقد دخلنا زمن القيامة، والقيامة ليست حدثًا ماضيًا، بل هي نورٌ حاضر، يمنحنا قوّة الانبعاث رغم الصّليب، ويفتح أمامنا أبواب الشّجاعة وسط الألم. وهكذا عاش مار جرجس، لا كجنديّ في بِلاط الإمبراطور فقط، بل كجنديّ في جيش المسيح، يحمل صليب الشّهادة ويرتدي دِرعَ الإيمان. لم يتراجع أمام التّهديد، لم يساوم على ولائه للمسيح، ولم يتنازل عن الحقّ، ولو كلّفه ذلك تعذيبات لا يُحتمل ذكرها.
من هو مار جرجس؟ إنّه أيقونة الشّجاعة النّابعة من المحبّة، ومرآة للكاهن الحقيقيّ الّذي يحمل رعيّته على كتفيه، ويبذُل ذاته يومًا بعد يوم، بصمت الخدمة، وعرق الصّلاة، ودم القلب.
أودّ اليوم أن أقف معكم عند هذا المفترق اللّاهوتيّ العميق بين مار جرجس الشّهيد والكاهن الّذي يعيش في قلب الرّعيّة. فكلاهما مدعوّ إلى أن يكون شهيدًا: مار جرجس قدّم دمه، أمّا الكاهن فيُدعى لأن يقدّم ذاته كلّ يوم في مذابح الخدمة. الكاهن هو شهيد المحبّة، وأحيانًا ضحيّة المحاربات، وسوء الظّنّ، والأحكام المسبقة الّتي تُطلق عليه من دون أن يُعطى فرصة الدّفاع أو التّبرير.
أجل، يا إخوتي،
الكاهن أو حتّى الأسقف ليس ملاكًا بلا خطيئة، لكنّه أيضًا ليس خصمًا أو غريبًا عن أبناء رعيّته. هو أبٌ وأخٌ ورفيقُ درب. قد يُرهَق، وقد يتعثّر، لكنّه لا يتوقّف عن الصّلاة من أجل رعيّته، ولا يتوقّف عن كسر الخبز لهم، حتّى عندما يُكسر هو في داخله.
وأنتم، يا أبناء بلدتي تربل المباركين، قدّمتم للكنيسة كهنةً ورعين وتعرفون قيمة الكاهن. أنتم تعلمون أنّ الكاهن يكبر برعيّته ومسيرته لا تكتمل إن لم تلتفّوا حوله بمحبّة وصلاة ودعم. إنّ مار جرجس لم ينتصر وحده، بل انتصر لأنّ الكنيسة كانت تصلّي له وتشدّد عزيمته. وهكذا أنتم مدعوّون اليوم لأن تكونوا ركيزة صلاة لكاهنكم، لا مجرّد مشاهدين أو ناقدين. الكاهن هو مرآة رعيّته، إن كنتم له سندًا كان لكم أبًا حقيقيًا، وإن أهملتموه سقطت معكم خدمته. عندما استلمت ككاهن خدمة رعيّة كليفلند في ولاية أوهايو الأميركيّة كنت أردّد أنّ الكاهن ليس هو من يصنع الرّعيّة، بل الرّعيّة هي الّتي تصنع الكاهن وترفعه إلى مستوى انتظاراتها. الكاهن هو صورة رعيّته بقدر ما الرّعيّة هي صورة كاهنها. والجميع يجب أن يعلنوا: نيّال الخوري اللّي بيخدم هيك رعيّة.
مار جرجس كان صورة عن سيّده الّذي قدّم ذاته فدية عنّا على الصّليب. مار جرجس كان صورة عن الكنيسة المصلّيّة والملتزمة حتّى الموت، موت الشّهادة.
يا مار جرجس، في هذا العيد الّذي يحمل اسمك، نحن نطلب منك أن تزرع في قلوبنا غيرتك على الإيمان، وشجاعتك في وجه الاضطهاد، وقدرتك على الغفران والمثابرة. علّمنا أن نحبّ الكنيسة لا من بعيد، بل من الدّاخل. علّمنا أن نحبّ كهنتنا رغم ضعفهم، لأنّهم خدّام الأسرار، ومثلما احتملتَ الجَلْد لأجل الحقّ، علّمنا أن نحتمل مع بعضنا البعض لأجل المحبّة.
في عيد شفيعكم، عيشوا هذه اللّيلة لا فقط كذكرى، بل كالتزام جديد تجاه رعيّتكم، وكنيستكم. فالحياة الرّعويّة ليست مسؤوليّة شخص واحد، بل مسؤوليّة جماعة تسير معًا نحو السّماء. لنكن شهودًا للقيامة، كما كان مار جرجس، ولنحبّ بعضنا بعضًا كما أوصانا المسيح، ولنُصلِّ من أجل كاهننا كما صلّت الكنيسة من أجل بطرس عندما كان في السّجن، فحدثت الأعجوبة. آمين."
وفي نهاية القدّاس بارك المطران ابراهيم القرابين وانتقل الحضور بعدهها إلى صالون الرّعيّة حيث تبادلوا التّهاني بالعيد وأقيم كوكتيل للمناسبة.