المطران إبراهيم من جب جنين: لا تعتقدوا أنّ هناك حلم أكبر وأجمل من حلم البقاء في لبنان
بعد الإنجيل المقدّس كانت كلمة للأب رزق رحّب فيها بالمطران إبراهيم، شاكرًا محبّته الأبويّة ومتمنّيًا له التّوفيق.
ثمّ كانت عظة للمطران ابراهيم قال فيها: "أنا سعيد جدًّا أن أكون معكم اليوم في جبّ جنين، هذا الصّوت الرّنان في اسم البلدة وكأنّه مطلع قصيدة تحمل في داخلها مشاعر التّاريخ، العراقة، الأصالة، التّجذّر في الأرض والإيمان.
عندما كنّا تلاميذ كنّا نأتي إلى دير عين الجوزة حيث كان الآباء يشيرون إلينا إلى بلدة جبّ جنّين والبلدات المجاورة ولكن للأسف لم تتح لنا الفرصة لزيارتها من قبل، لكن كنّا دائمًا نشتهي هذا النّهار الّذي نأتي فيه لزيارة جبّ جنين. ومرّت الأيّام والله دبّر أن أكون اليوم بينكم كراعٍ لهذه الأبرشيّة، وتحقّق حلم الشّباب بأن زرنا كنيسة القدّيس جاورجيوس في جبّ جنين الّتي بنيت عام 1860 في الزّمن الصّعب، وما زلنا حتّى اليوم في الزّمن الصّعب، وعلى ما يبدو كلّ زمن في لبنان هو زمن أصعب من الزّمن الّذي سبقه. هذا البلد محطّ أنظار العالم، أنا دائمًا أقول إنّ الغزاة والفاتحين ليسوا اغبياء لأنّهم يرون أين هو البلد الأغنى في العالم من حيث الأرض ويغزونها. أرض لبنان أرض مقدّسة، هذه الأرض المزروعة بيد الله، المزيّنة بالجمال والأصالة والعراقة هي مع الأسف محطّ أنظار ليس فقط من هم في امتداد الخير لكن أيضًا من يسعون إلى الشّرّ. ونحن كنّا ندفع دائمًا الضّريبة، ضريبة الفتوحات والغزوات والحاكمين والطّغاة الّذين مرّوا على أرضنا، واليوم خرّبناها بأيدينا لأنّنا لم نعرف عبر السّنوات أن نبني فكرًا إنسانيًّا وفكرًا مستقلّاً وفكرًا سياسيًّا، أربعماية عام من الحكم العثمانيّ نزع من شراييننا الفكر السّياسيّ والاجتماعيّ والمدنيّ وأصبحنا كما علّمونا أن نكون، كلّ واحد مخبرًا على الآخر لكي ينجو بنفسه ويعيش مع الّذين يحيطون به وهكذا تقسّمنا كلّ واحد منّا، ولو رمزيًّا، إلى ولاية مستقلّة، كلّ بيت دولة مستقلّة عليها تأمين الكهرباء والمياه وباب رزقها. هذا الوطن لا يمكن أن يتقدّم إلى الأمام بهذه العقليّة الّتي زرعها فينا الطّغاة والغزاة. علينا أن نبني الإنسان من جديد، نبني ذواتنا، أن نكون مع بعضنا البعض كما صلّى يسوع في إنجيل اليوم "ليكونوا واحدًا كما أنا وأنت واحد" كما يسوع والآب واحد، ليس واحد فقط مع من يشبهونه لأنّها وحدة مزيّفة، أمّا الوحدة الحقيقيّة للإنسانيّة فلا تميّز بين إنسان وآخر، بين دين وآخر، بين لون وآخر أو عرق وآخر، والطّبيعة الإنسانيّة هي واحدة في ذاتها لبسها السّيّد المسيح كاملة في التّجسّد، لذلك نسمّيه الحامل خطايا البشر وهو لا دخل له بها. عندما نقول إنّ الله خلق الإنسان على صورته ومثاله يعني أنّه في البداية خلق طبيعة إنسانيّة على صورة الطّبيعة الإلهيّة، طبيعة موحّدة بذاتها تقسّمت بسبب الخطيئة. كلّما زاد عمل الخير والإيمان والصّلاح في هذا العالم، كلّما أصبحت الإنسانيّة في وحدة أفضل، أمّا إذا زاد الشّرّ فهو يزيد على الطّبيعة بأجمعها. هذا الفكر اللّاهوتيّ يجعلنا نسعى إلى الوحدة وتحقيق رغبة يسوع في إنحيل اليوم بأن نكون موحّدين مع بعضنا البعض.
أنا سعيد جدًّا اليوم برؤية عدد كبير من الأطفال والشّباب موجودون في الكنيسة، شعرت بكهنوت العلمانيّين يشاركون في هذه الذّبيحة. والأطفال في الكنيسة لهم دور مهمّ جدًّا، يسوع قال "إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السّماوات" لذلك علم اللّاهوت هو علم تنازليّ، التّواضع نحو الطّفولة، عودة إلى البراءة بينما كلّ العلوم الأخرى هي تصاعديّة. الصّغار هم مستقبل الكنيسة، كنيستنا يجب أن تكون شعنينة دائمًا تحتضن الأولاد وتشعرهم أنّهم وسط عائلتهم لكي يتعوّدوا على حياة الإيمان في الكنيسة، الأولاد هم المفتاح الأساسيّ للدّيمومة.
وللشّباب أقول لا تعتقدوا أنّ هناك حلم أكبر وأجمل من حلم البقاء في لبنان، هذا البلد العظيم بالرّغم من كلّ الصّعاب الّتي يمرّ بها يبقى أعظم بلد في العالم. بعد أن قضيت 35 سنة في الاغتراب أقول لكم بأنّه ليس هناك بلد مثل لبنان. لا يجب أن ننظر إلى لبنان من منظار الحاضر، من منظار أزمة أو صعوبة، ليس هناك من أزمة محت دولاً عن خارطة العالم، لبنان باقٍ، احلموا بلبنان وهو يحلم بكم بالرّغم من كلّ المشاكل والصّعاب الّتي تمرّون بها اليوم. أنتم بناة هذا الوطن، كثيرون لم يعرفوا أن يحافظوا على لبنان، اعطوا وديعة لا مثيل لها في العالم فخرّبوها. إعرفوا قيمة هذا الوطن، حافظوا عليه، اعملوا على تنميته ليكون بلدنا، لا تسمحوا لليأس والإحباط أن يدخلوا إلى حياتكم وقلوبكم، لأنّه أصعب من أزمات الاقتصاد وأصعب من الأمن الغذائيّ المهدّد وأصعب من الفساد والتّفكّك في الأوطان هو اليأس والإحباط، نحن أبناء الرّجاء وأبناء الأمل، ولبنان مهما مرّ بصعاب يعود ليكمل مسيرته الّتي لا مثيل لها في العالم.
أشكركم على استقبالكم اليوم، هذا الاستقبال العفويّ والجميل، أشكر الأب طوني رزق على إتعابه في هذه الكنيسة والرّعيّة، الأب طوني حامل همّ الرّعايا الّتي يخدمها، نشيط ويحبّ رؤية الحياة في الرّعايا، أطلب له الصّحّة لمتابعة مسيرة الخدمة، أشكر الأب متري الحصان على حضوره اليوم بيننا، وعندما يتحدّثون عن السّعي إلى الوحدة، هذا مفهوم خاطئ لأنّ الوحدة هي الوحدة المعاشة في الزّمن الحاضر، نتخطّى كلّ الآمال ونسبقها بالرّغبة، لأنّ الرّغبة أقوى بكثير من الواقع، ونحن في الرّغبة واحد.
جب جنين رأيتها في عيون الشّوق، في عيون أبنائها في أوتاوا كندا الّذين كانوا دائمًا يستقبلوني استقبالاً يدلّ على كرم أهل هذه البلدة، وبشكل خاصّ أترحّم على نفس المرحومة حنّة صعب لأنّها كانت قدّيسة بكلّ معنى الكلمة، بمحبّتها وكرمها".
كما كانت كلمة للأب متري الحصان رحّب فيها بالمطران إبراهيم، وأكّد على عيش الوحدة بين كنائس جب جنّين، والتّمسّك بالتّعاون في ما بينها
بعد القدّاس، انتقل الحضور إلى صالون الكنيسة حيث صافح المطران إبراهيم الحضور وأقيم كوكتيل للمناسبة.