لبنان
03 تموز 2019, 09:29

المطارنة الموارنة في اجتماعهم الشّهريّ: ينبغي أن تحتلّ المؤسّسات الاجتماعيّة الأولويّة في سُلَّم الاهتمام العامّ

عقد المطارنة الموارنة اليوم اجتماعهم الشّهريّ في الكرسيّ البطريركيّ في بكركي، برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، ومشاركة الآباء العامّين للرّهبانيّات المارونيّة. وتدارسوا شؤونًا كنسيّة ووطنيّة. وفي ختام الاجتماع أصدروا البيان التّالي:

 

"1. يُعرِب الآباءُ عن استنكارهم الشّديد للأحداث المؤسفة والمؤلمة الّتي جرت في منطقة عاليه، وأودت بحياة شخصَين، وتسبّبت بعددٍ من الجرحى والتّوتّر السّياسيّ والأمنيّ. وهم إذ يترحّمون على الضّحايا ويتمنّون الشّفاء للجرحى، يدعون السّلطة لتطبيق العدالة والقانون بحقّ المسؤولين عنها، منعًا للجنوح إلى الفلتان الأمنيّ وبروز المسلَّحين في الشّوارع، الأمر الّذي ينال من هيبة الدّولة وثقة المواطنين بقدرتها. وإنّهم يُؤكِّدون على وجوب التزام الأطراف السّياسيّين خطابًا بعيدًا عن التّحدّيات في علاقاتهم بعضهم ببعض. إنّ العنف لا يُولِّد إلّا العنف والخراب للبنان الّذي يئنُّ تحت وطأة الأزمات الماليّة والاقتصاديّة والمعيشيّة والاجتماعيّة. وحريّ بكلّ المسؤولين فيه توفير أقصى درجات الهدوء في ربوعه، والانتقال إلى المُعالَجات المُجدِية لهذه الأزمات.
2. مضى نصف العام 2019، ولا يزال اللّبنانيّون يترقّبون بتّ مشروع الموازنة العامّة، بكثيرٍ من القلق والارتياب. إنّ التّحرُّكات الشعبية، المواكبة درس هذا المشروع في لجنة المال والموازنة، تكشف مُجانَبة المسؤولين الرّسميّين وضع الإصبع على جرح النّزف الماليّ والاقتصاديّ، بمحاولتهم تكرارًا تأمين مداخيل لخزينة الدّولة من جيوب اللّبنانيّين، غيرَ مبالين بغضب البعض منهم.
3. يحذّر الآباء من التّمادي في التّعتيم على محميّات الهدر، الّتي يكفي إلغاؤها لوضع البلاد على سكّة التّعافي. فاللّبنانيّون ينتظرون حماية المال العام، وتحقيق العدالة الضّرائبيّة، مُقدّمةً للسّير في الإصلاح الماليّ والاقتصاديّ، الّذي يتخطّى شروط "سيدر" وتوقُّعاته، إلى قراءة مصير البلاد من خلال المُعالَجات المطلوبة، لا الاكتفاء بسياسة المُماطَلة والمُسكِّنات، وسط خطر الانهيار، وافتقار المواطنين تدريجيًّا.
4. يأسف الآباء لعدم اكتراث المعنيّين في الدّولة لتراجع الخدمات في المؤسّسات الاجتماعيّة، بسبب غياب الدّعم الماليّ الرّسميّ، الّذي دفع البعض منها إلى الإقفال، والبعض الآخر مهدَّدٌ به.
إنّ المؤسّسات الاجتماعيّة، ولاسيّما تلك الّتي تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصّة، ينبغي أن تحتلّ الأولويّة في سُلَّم الاهتمام العامّ. فهي تُعين بروح المحبّة الاجتماعيّة مَنْ يستحيل عليهم رعاية أنفسهم والقيام بمُستلزَمات معيشتهم، وهي تفعل ذلك مكان الدّولة، وتعكس مستوى من الرّقيّ الإنسانيّ يحرص عليه اللّبنانيون كمكوِّنٍ لمجتمعهم الحرّ والحضاريّ.
لذلك يدعو الآباء إلى استنفار الأجهزة والوزارات المعنيّة، وصولاً إلى اجتراحِ حلولٍ عاجلة لهذه المأساة، بحيث يتأمّن المال اللّازم للمؤسّسات وتُسدَّد حقوق هذه المؤسّسات عند استحقاقها لتتمكّن من تواصل نشاطها الرّساليّ الطّبيعيّ، فيما الحالاتُ الاجتماعيّةُ تتكاثر.

5. أمام الاضطراب الغالب على قطاعات الإنتاج والتّربية والتّعليم والاستشفاء، يهمّ الآباءُ التّأكيد على ضرورة نشوءِ تعاونٍ مُثمِر بين هذه القطاعات والدّولة، في ظروفٍ محلّيّة وإقليميّة ضاغطة على لبنان في اقتصاده وأهله. إنّ هذا التّعاون ممكن وواجب، ويتطلّب تفهُّمًا للأوضاع العامّة، وتحاورًا يُفضي إلى تسوياتٍ معقولة تُرضي الجانبَين، بدلاً من تفاقم التّدهور، الّذي لن يؤدّي إلّا إلى خسائر تطال الجميع.
6- تابع الآباء مجريات مؤتمر المنامة، وما تكشّف خلاله حتّى الآن ممّا يُسمّى "صفقةَ القرن". ومن دون دخولٍ في التفاصيل، يُشدِّد الآباء على أنّ القضية الفلسطينيّة، لا يمكن أن تجد حلاًّ مُستدامًا ومقبولاً لها، خارج إطار العدالة وضمان حقوق الفلسطينيِّين المعترَف بها دوليًّا. وذلك من خلال إنشاء دولة خاصّة بهم وتطبيق القرارات الدّوليّة الّتي تعطيهم حقَّ العودة إلى بلادهم. وهم يسألون الله أن ينير عقول المسؤولين عن مصائر الشّعوب في المنطقة والعالم، كي يحسنوا تصويب النّظر إلى الصّراع الإقليميّ، ويعملوا بجرأة على تسويته بروح السّلام الحقّ، والبناء الثّابت الرّاسخ.
7. في هذا الشّهر الّذي تحتفل فيه كنيستنا ببعض شهدائها وقدّيسيها من الإخوة المسابكيّين إلى مار شربل وإلى الشّهداء الثلاثمئة والخمسين وسواهم، يهمّ الآباء أن يتذكّروا مع أولادهم الرّوحيّين أنّ دعوتنا الأساسيّة في هذا الشّرق هي دعوة للقداسة وللشّهادة لإنجيل السّلام والمحبّة والغفران".