المركز الكاثوليكيّ للإعلام يعلّق على "التّربية الاجتماعيّة المعاشة في عالم اليوم"
شارك في النّدوة: مدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الخوري عبده أبو كسم، ورئيس الأويسكو "المنظمة العالميّة لحوار الأديان والحضارات" البروفيسور الشّيخ مخلص الجدّة، وأستاذ الفلسفة وعلم النّفس التّربويّ في الجامعة اللّبنانيّة الدّكتور الياس الحاج، والنّقيب السّابق للمدارس الخاصّة في لبنان الشّيخ سامي الهاشم، والدّكتور بديع أبو جوده، وحضور رئيس مركز "الكلمة للحوار في العراق" العلّامة السّيّد صالح الحكيم، ورئيس "المركز الدّوليّ للدّراسات الاستراتيجيّة والإعلام" سويسرا- جنيف القاضي الياس عيد، الأكاديميّة والباحثة الدّكتورة مرسيل جوينات من الأردنّ، رئيس حزب البيئة العالميّ الدّكتور دوميط كامل، الأديبة والشّاعرة وفاء الأعور، والإعلاميّة والكاتبة جيزيل هاشم زرد، والمؤرّخ والكاتب فارس الغول، ورئيس "نادي الشّرق لحوار الحضارات" إيلي السّرغاني، وأعضاء من اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، ومن الإعلاميّين والمهتمّين.
أبو كسم
بداية رحّب الخوري أبو كسم باسم رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران بولس مطر بالحضور، وقال: "نستقبل اليوم نخبة من رجال الفكر والقلم لنتكلّم على مفهوم التّربية الاجتماعيّة المعاشة في عالم اليوم، ونحن في حاجة إلى تعزيز التّربية في مجتمعاتنا.
فالتّفلت الإعلاميّ عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ، والانحلال الأخلاقيّ، والتّفكّك الأسريّ، وتنامي الفقر وظاهرة التّسوّل، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة بين الشّباب اللّبنانيّ، ومنافسة اليد العاملة الأجنبيّة، وبالإضافة إلى كلّ هذه المشاكل الّتي تهدّد المجتمع. هناك آفة الفساد المستشري في إدارات الدّولة وبوقاحة لم نشهد لها مثيلاً".
وأنهى: "كلّ هذا دفعنا إلى إقامة هذه النّدوة، لنضع الأصبع على الجرح، ولكي ننير الرّأي العامّ على المشاكل الّتي تهدّد مجتمعنا، ونؤسّس لمقترحات بسيطة بعيدة عن الإيديولوجيّات".
الحاج
ثمّ كانت كلمة للدّكتور الحاج عن "واقع التّربية"، فقال: "الإنسان التّربويّ المنشود، الّذي سعت إلى بنائه أديان وفلسفات وعلوم ومدارس على طريق الانقراض، محلّيًّا وعالميًّا. ومتى تنازل الإنسان عن مبادئ تربويّة وساوم طمعًا في حطام، على أخلاقه وإيمانه والجبين، سقط هو بالكلّيّة، وحكمًا حتمًا، يعقبه سقوط الوطن. إذا سألتني ما حقيقة الأزمة اللّبنانيّة اليوم فورًا أجيب غياب التّربية عند معظم السّياسيّين".
أضاف: "منظومة القيم، وحدها، شريعة كلّ العلائق بين الإنسان والإنسان، بين الإنسان والمجتمع. وحضن الأمّ، مقلع البطولات التّربويّة، احملوا معي مصباح ديوجين وفتّشوا في البيوت. وظاهرة تلفتني، كثرت الجامعات والمدارس وفي معظم الخرّيجين، جوع، بل نهم إلى مثل وقيم، وابحثوا معي".
وتابع: "كحبيس في الصّفوف الجامعيّة والثّانويّة، وبعد مسيرة 50 عامًا وعلى مسؤوليّتي أقول "يا معلّمًا تلطّيت في صفوف لاعتياش إن لم تكن مربيًّا وكفؤًا، فانكفئ. ويا أمًّا، أنجبت ولا جلد لك على اجتراح أعجوبة التّربية، كان خيرًا لك ولطفلك ولنا، لو لم تنجبي. ويتفلسفون يأتي الإنسان مثقلاً بالشّرور، وأقول الشّرّ في الإنسان من حضن أمّه والبيت ثمّ من المجتمع. وتبقى العائلة الحلقة التّربويّة الأولى والرّئيسيّة للمجتمع وللوطن".
وقال: "كلّ مدرسة، تحاول أن تعلّم من غير أن تربّي فلتقفل. وليكن سباق الأجيال على دروب الإنسانيّة لا على دروب "الأنا أو لا أحد". فأين التّربية، والإنسان في القرن الـ21 بعد يذبح عن تعصّب جارف أعمى، يقتلون باسم الدّين، وفي يوميّاتهم لا ممارسة لشيء من الدّين، أين التّربية وعلى الأرض بعد حروب وحروب؟".
أضاف: "إن لم ير الإنسان إلى نفسه، على أنّه قيمة، فهو حقير، وعمره نكبة عليه وعلى كلّ آخر. وللمدمنين على الفسق والفجور والهدم في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ارعووا وعوا، فالمطلوب إنهيار إنسان القيم الّذي فيكم".
وسأل: "أيّ تربية، أذنت للضّمائر بتعميم التّلوّث القاتل، بالنّفايات وفي الأنهار؟ ويروي خضارنا وأشجارنا المثمرة، بالمياه المرضيّة الوسخة؟ وحدّثني عن تربية الرّوح الرّياضيّة، في كلّ مرّة تدمّر الملاعب، بعد عراك عنيف بين اللّاعبين والمناصرين".
وإختتم: "متى صلح الإنسان، صلحت الأوطان، فيا أيّها المربّون، تربية العقل مهمّة وواجبة، وتربية الأخلاق أهمّ وأوجب. ماذا ينفع الحياة ولبنان، إذا كان كلّ النّاس أينشتاينات علوم، وشياطين أخلاق؟!"
أبو جوده
ثمّ كانت كلمة للدّكتور أبو جوده، قال فيها: "أجمل ما قرأت من وصايا الإمام علي، "المعلّم والمربّي" جاء فيها: "راع أباك يرعاك ابنك" و"من لانت كلمته وجبت محبّته". وصحّيًّا وبيئيًّا "كثرة الطّعام تميت القلب، كما كثرة الماء تميت الزّرع". واجتماعيًّا "ما جاع فقير إلّا بما متع به غني". وسياسيًّا "أشقى الرّعاة، من شقيت به رعيّته".
وتابع: "أمير الشّعراء أخذ أحمد شوقي المعنى حيث يقول: "إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا" و"علّموهم صيد السّمك، ولا حاجة بعد، لأن تهدوا إليهم سمكًا".
أضاف: "الإمام علي يقول: "هامة المرء همّته وقيمته" وفي التّربية "لا تكرهوا أولادكم على أخلاقكم لأنّهم خلقوا لزمان غير زمانكم." وما أبلغه وأسماه وأعمقه يجمع بين الحياتين الدّنيويّة والآخرة "أعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدًا. وفي العتاب والمحبّة "عاتب أخاك بالإحسان إليه وأردد شرخ بالإنعام عليه" ويعلّمنا أن نكون مثله القدوة والمثال!
وأنهى: "عفوك يا إمام، فنصحك وتوجيهاتك أثمن ما وهبت!"
الهاشم
ثمّ تحدّث الشّيخ الهاشم، فقال: "التّربية والتعليم في لبنان في خطرٍ كبيرٍ، التّربية هشّة والتّعليم في إجازة. لإنقاذ الوضع الصّعب، وانطلاقًا من مسلّمات منطقيّة عديدة، ينبغي، اليوم قبل غد، وضع برنامج ونظام جديدين للتّربية والتّعليم، من أشخاص عاشوا الاثنين معًا، وخرّجوا أجيالاً مفخرة للعالم كلّه، وعرفوا قيمة البرنامج القديم والحداثة معًا، وإلّا سنفقد ثروة لبنان الحقيقيّة".
وأضاف: "لا يجوز أن يتخلّى الأهل والمربّون والمدارس عن أدوارهم التّربويّة، وعن مسؤوليّاتهم، وإعطاء التّلميذ حرّيّته الكاملة قبل أن يدرك معناها وجوهرها وحدودها، فتتحوّل حرّيّته إلى استرخاء واستهتار كاملين، ويجب العودة إلى الرّياضيّات القديمة، فهي تعطي اليوم بشكل ممسوخ، مجرّد مبادئ للحفظ غيبًا، ويجب العناية الفائقة باللّغة، بقواعدها، وأصولها وآدابها، ويجب منع التّلامذة من اقتناء أجهزة التّواصل الاجتماعيّ الحديثة واستعمالها، بالتّعاون بين الأهل والمدرسة، تلك الأخيرة الّتي أبعدتهم عن التّعليم والتّحصيل والانتباه، ويجب تشجيع المطالعة بشتّى الوسائل والطّرق، فهي أساس الثّقافة العامّة، وحسن التّعبير وتجديد ملكة الكتابة والتّأليف والإنشاء، ويجب العمل الحثيث على جعل الامتحانات الرّسميّة جدّيّة، ومحاربة الفوضى ومنع النّقل، لتصبح النّتائج مقبولة وينجح المستحقّ كي يعتبر الآخرون.
يجب تنظيم دورات تدريبيّة إلزاميّة للمعلّمين والمعلّمات، بمعدّل دورة كلّ ثلاث سنوات، وعلينا التّركيز على التّربية الوطنيّة والمدنيّة، فلا يمكن شعبًا أن يعيش حياة كريمة، إذا لم يكن حبّه لوطنه فرضًا مقدّسًا.
هذه المسلّمات والمبادئ تتطلّب دولة قويّة ومسؤولة، ووزراة تربية قادرة على تطبيق القوانين والأنظمة لإحداث صدمة إيجابيّة في قطاع التّربية والتّعليم الّذي يعاني مشاكل كثيرة ستؤدّي إلى تخريج أمّيّين أو شبه أمّيّين، الأمر الّذي لم يعتد عليه لبنان الحضارة".
الجدّة
وإختتمت النّدوة بكلمة البروفيسورالشّيخ الجدّة فقال: "عنوان كلمتي "لا تقسّروا أولادكم على آدابكم فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم". هذه الحكمة هي من مجموعة الحكم القصّار الّتي دوّنت في كتاب "نهج البلاغة" للإمام علي بن أبي طالب. وهي الأساس السّليم للتّربية الاجتماعيّة المعاصرة والّتي تصلح للأزمنة والمجتمعات كافّة".
وأضاف: "نبّه الإمام علي الآباء والأمّهّات وأولياء الأمور والمربّين والمربّيات والّتربويّين والتّربويّات والمعلّمين والمعلّمات على المنهج التّربويّ السّليم القائم على عدم الإكراه والإجبار للأبناء والبنات على عادات الآباء والأمّهات وتقاليدهم وعلى ضرورة انتهاج التّربية المنفتحة على تطوّر أسس الأنظمة التّربويّة المستجدّة والمستدامة وأساليبها، ووجوب مراعاة البيئة الجديدة للأولاد والتّلامذة ومتابعة آخر المستجدّات في المجتمعات سواء في الأسس التّربويّة والتّعليميّة وفي وسائل التّطوّر المعرفيّ والعلميّ والتّربويّ والاجتماعيّ الشّامل لكلّ مناحي الحياة والمحافظة على سلامة البيئة والأمن الغذائيّ وأمن المجتمع وإشاعة روح الحوار وشرعة المحبّة وقبول الآخر الّذي أوصى به الإمام علي بن أبي طالب في دستوره الخالد إذ يقول "النّاس صنفان: إمّا أخ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلق" وهذه الأخوّة الإنسانيّة المطلقة".
وتابع: "إخوتنا في الدّين هم من نشترك معهم في عبارة "نؤمن بإله واحد" وهم أصحاب الدّيانات الإبراهيميّة التّوحيديّة من يهود وسامريّين وزرادشتيّين ومندائيّين ونصارى ومسيحيّين بجميع مذاهبهم من نساطرة ويعاقبة وأقباط وسريان وموارنة وآشوريّين وروم وكاثوليك وبروتستانت، ومسلمين شيعة من جعفريّة وعلويّة وإسماعيليّة بهرة وأغاخانيّة وموحّدين دروز وكاكائية وبهائيّين وعرفانيّين ومن السّنّة من حنفيّة ومالكيّة وشافعيّة وحنابلة وقاديانيّة أحمديّة ومتصوّفة وحتّى الهندوس والبوذيّين والسّيخ واللّادينيّين فهولاء نظراؤنا في الخلق وإخواننا في الإنسانيّة".
وفي الختام، قال مقبسًا عن السّيّد المسيح: "أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم"، ويقول نبيّ الإسلام محمّد "الخلق كلّهم عيال الله، فأحبّهم إليه أنفعهم لعياله". لكن تطوّر أساليب التّربية الاجتماعيّة لا تعني التّخلّي عن الإيمان أبدًا بل هي تعزّز الإيمان السّليم المبنيّ على المحبّة والانفتاح وقبول الآخر واحترام الأديان كافّة".