علوم
30 أيلول 2021, 10:00

المد والجزر منح الأرض "إكسير الحياة"

تيلي لوميار/ نورسات
كان "جريجوري ديك"، أستاذ علوم الأرض والبيئة في جامعة ميشيغان الأمريكية، قد أنهى لتوه محاضرة عامة في صباح أحد الأيام من عام 2016 عندما سأله أحد الزملاء سؤالاً، كانت الإجابة عليه بعد خمس سنوات مضمونها أن المد والجزر ساعد على زيادة كمية الأوكسجين، الذي أعطى الأرض أكسير الحياة، وتم نشر تفاصيل هذه الإجابة في عدد 2 أغسطس الماضي بدورية " نيتشر جيوساينس".

وكان "ديك" وقتها وباحثة ما بعد الدكتوراه "جوديث كلات"، يدرسان دور البكتيريا الزرقاء في أكسجة الغلاف الجوي للأرض منذ مليارات السنين، ووجدا أن حصائر البكتيريا الزرقاء الضوئية تبدأ في إطلاق الأكسجين في الماء في وقت مبكر من اليوم بعد فترة تأخير طويلة، لأنها تتنافس مع الميكروبات الأخرى على ضوء الشمس. وبينما كان "ديك" يعرض لهذه النتائج في المحاضرة، سأله أحد الحاضرين، عما إذا كان تغيير طول يوم الأرض يمكن أن يؤثر على عملية التمثيل الضوئي، وبالتالي على كمية الأوكسجين المنبعثة في الغلاف الجوي.

يقول "ديك" في تقرير نشره موقع (Eos ) المعني بأبحاث علوم الأرض والفضاء في 22 سبتمبر2021 : "لم أسمع يومًا عن تغير طول اليوم، وشعرت وقتها بالحماس حيال ذلك، وبدأت مع جوديث كلات العمل على إجابة عن السؤال، لنصل بعد خمس سنوات من الدراسة إلى نتيجة أن الزيادة في طول اليوم، نتيجة (المد والجزر)، لعبت دورًا رئيسيًا في السماح للحصائر الزرقاء من البكتيريا بضخ الأوكسجين في الهواء، ما مهد الطريق لتطور الحياة المعقدة".

وتقول "كلات"، المؤلف المشارك بالدراسة "أحد أكثر الأسئلة ديمومة في علوم الأرض هو كيف أصبحت الأرض الكوكب الغني بالأوكسجين الذي يمكننا أن نتطور، ومن الواضح أن عملية التمثيل الضوئي كانت وستظل دائمًا المصدر الوحيد المهم للأوكسجين على كوكبنا، وقد "اخترعت" البكتيريا الزرقاء عملية التمثيل الضوئي".

وعلى الرغم من أن سجلات الحفريات تشير إلى أن البكتيريا الزرقاء ظهرت لأول مرة على الأرض منذ 3.5 مليار سنة على الأقل، إلا أن الأوكسجين الموجود في الغلاف الجوي لم يبدأ في الظهور إلا منذ نحو 2.4 مليار سنة، وتساءل العلماء عن سبب وجود مثل هذا الفارق الطويل بين هذين الإنجازين.

بحثت "كلات" وزملاؤها في هذا السؤال من خلال مجموعة من التجارب المعملية والنمذجة، و، جمعوا عينات من الحصائر البكتيرية من قاع مجموعة الجزيرة الوسطى، وهو كهف من الحجر الجيري منهار في بحيرة هورون، على بعد نحو 3 كيلومترات من الساحل الشمالي الشرقي لشبه جزيرة ميشيغان السفلى. وتتقارب الظروف في هذا المكان مع تلك الموجودة في المياه الساحلية الضحلة عبر الأرض منذ مليارات السنين، حيث تتسابق طبقات الميكروبات المتنافسة على مواقعها خلال النهار، وترتفع البكتيريا الزرقاء المنتجة للأوكسجين إلى الطبقة العليا خلال ساعات الصباح.

تقول "كلات": "ربما كانت الحصائر المماثلة قد هيمنت على سواحل الأرض في معظم تاريخها وكانت على الأرجح ساحة لعملية التمثيل الضوئي المنتج للأكسجين، وفي الوقت الحاضر، لا نجد سوى الحصير الميكروبية في البيئات( القاسية )، وأحد هذه الأماكن هو حوض الجزيرة الوسطى".وفي مختبر ديك، عرّض الفريق الحصائر البكتيرية لدورات ليل نهار بأطوال مختلفة ، تتناسب مع طول يوم الأرض في أوقات مختلفة في الماضي.

ومنذ أكثر من 4 مليارات سنة بعد وقت قصير من تكوين القمر، كان اليوم مدته 6 ساعات فقط، ومع ذلك ، يعمل المد والجزر على سطح القمر كمكابح ، لإبطاء دوران الأرض وجعل الأيام أطول.ويلبغ طول اليوم الآن 24 ساعة تقريبًا، وذلك نتيجة تباطؤ دوران الأرض على مدار 4.5 مليار سنة، ويمكن ربط الكثير من هذا التغيير بالمد والجزر. فإذا كنت قد قضيت يومًا بالقرب من المحيط، فمن المحتمل أنك شاهدت ارتفاع المد والجزر على طول الشاطئ، وهذه الحركة اللطيفة على ما يبدو ترجع إلى أخذ وعطاء هائل للطاقة بين الأرض ومحيطها والقمر، فأثناء دورانه حول الأرض ، يسحب القمر المحيط بقوة الجاذبية  وتتراجع المياه، ويستجيب المحيط لهذا التجاذب في شكل مد وجزرو ما يؤدي إلى الاحتكاك بين الماء وقاع البحر الصخري تحته.

وقبل 2.4 مليار سنة - وهو الوقت الذي يتوافق مع حدث الأكسدة العظيم ، أول نبضة أكوسجين كبيرة في الغلاف الجوي - امتد اليوم إلى نحو 21 ساعة، وبقي على هذا الطول لأكثر من مليار سنة، بسبب مواجهة المد الحراري في الغلاف الجوي الذي لم يكن له علاقة بالمد والجزر القمري، وفي نهاية تلك الفترة، استعاد المد القمري السيادة، وطال اليوم مرة أخرى  ليصل إلى نحو 24 ساعة، وتتوافق هذه الزيادة مع ثاني قفزة كبيرة في أوكسجين الغلاف الجوي، والتي تعود إلى نحو 600 مليون سنة.

وأظهرت التجارب أنه على الرغم من أن إجمالي إنتاج الأوكسجين بواسطة البكتيريا الزرقاء الضوئية كان متماثلًا تقريبًا بغض النظر عن طول اليوم، إلا أن فيزياء الانتشار حدت من كمية الأوكسجين, التي تدخل الماء لمدة تصل إلى عدة ساعات بعد شروق الشمس، فلم تترك الأيام القصيرة سوى القليل من الوقت لبدء هذه العملية، ففي الوقت الذي تحول فيه مصنع الأوكسجين إلى سرعة عالية، كانت الشمس تغرب، وحان وقت الإغلاق ليلًا، لكن مع اليوم الطويل الذي تسببت فيه عملية "المد والجزر"، انتشر المزيد من الأوكسجين الداعم للحياة في الماء.

 

المصدر: National Geographic