لبنان
04 تشرين الأول 2023, 08:45

المتروبوليت موسي يقدّم لكتاب "موجز الحقيقة في تاريخ كنيسة الله على الأرض"، فماذا يقول؟

تيلي لوميار/ نورسات
قدّم راعي أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما للرّوم الأرثوذكس المتروبوليت سلوان موسي لكتاب "موجز الحقيقة في تاريخ كنيسة الله على الأرض" الصّادر عن دير رقاد والدة الإله- حمطوره للأب. د جورج عطيه.

وجاء في هذه المقدّمة بحسب ما نقل إعلام الأبرشيّة:

"تعهُّد المؤمن للحقّ والتّاريخ والخليقة

"(...) لكي تعلم كيف يجب أن تتصرّف في بيت الله، الّذي هو كنيسة الله الحيّ، عمود الحقّ وقاعدته"

(1تيموثاوس 3: 15)

إنّ كتابًا تناول تاريخ كنيسة الله يحتاج إلى معرفة عميقة وشاملة، ولا يمكن أن تأتي وليدة بحث ما، ولو متأنٍّ، بل هي وليدة تمخّض عبر السّنوات، من خلال بحث مستمرّ ومطالعة وتدقيق، بحيث تتولّد قناعة شخصيّة بشأن الحقيقة الّتي يبحث عنها كلّ باحث. فكم بالأحرى إذا كان هذا الباحث هو تلميذ– كاتب متعلّم في ملكوت السّماوات؟ ساعتها يتّخذ هذا المخاض بُعدًا إيمانيًّا وكيانيًّا يحتاج من صاحبه كلّ يقظة وحرص حتّى لا يَنتهك الحقيقة أو تُنتهك من سواه.

الكتاب الّذي بين أيدينا هو وليدة مخاض من هذا النّوع. واضعه أستاذ متخصّص في اللّاهوت، في تعليم مادّتَي التّاريخ والعقيدة، كاهن خادم لمذبح الرّبّ، وساعٍ ليكون أمينًا لله في خدمته الكهنوتيّة، وأبوّته الرّوحيّة، وسيرته التّعليميّة البحثيّة. هذا كلّه يشكّل الخلفيّة الّتي استندت إليها شخصيّة واضع الكتاب.

مع أنّ موضوع الكتاب ليس بغريب عنّا، فالحديث بشأن تاريخ الكنيسة قديم ليس جديدًا، وواضعو ثمرة أبحاثهم في هذا المجال في مؤلَّف جامع ليسوا بقلّة. ولكن الفرادة هي أنّ هذا الكتاب يخرج إلى النّور بلغة الضّادّ، وأنّه وليد خبرة وتعليم طويل جدًّا دام عقودًا في رحاب معهد القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ اللّاهوتيّ- البلمند.

اللّافت في الكتاب مطلع عنوانه: "موجز الحقيقة". إنّه العنوان الّذي يضعك مباشرة على تماس مع ما هو أكثر وأبعد من مجرّد معلومات أو معارف حول التّاريخ الكنسيّ. يضعك أمام خلاصة وصل إليها الكاتب بشأن المواضيع الكثيرة والحسّاسة الّتي تعاطاها في خدمته لكنيسته الأنطاكيّة والنّابعة من التصاقه العميق بإيمانه الأرثوذكسيّ. نحن إذًا أمام مجاهد وباحث سعى، على قدر ما حباه الله من موهبة وقدرة واستنارة، لكي يرصد كلّ ما يتنافى مع الحقيقة المعلنة بيسوع المسيح، والّتي جاهد الآباء القدّيسون في إعلانها والشّهادة لها والتّعبير عنها والذّود عنها.

ينقسم مضمون الكتاب إلى أربعة أدوار تشكّل مفاصل تاريخيّة محدّدة ومعروفة وهي:

الدّور الأوّل، ويعرض فيه لواقع الكنيسة في عصر الإمبراطوريّة الرّومانيّة الوثنيّة، منذ القرن الأوّل حتّى العام 313 م. والّذي يتضمّن حالة الإمبراطوريّة الرّومانيّة إبّان ظهور المسيح، تأسيس الكنيسة وبداياتها وانتشارها، الهرطقات الأولى وصراع الكنيسة ضدّها، الاضطهادات ضدّ الكنيسة، والحياة الدّاخليّة للكنيسة.

والدّور الثّاني وهو مخصّص لبحث واقع الكنيسة في عصر الإمبراطوريّة الرّومانيّة المسيحيّة، والّذي يتضمّن سياسة الدّولة تجاه الكنيسة وانتشار المسيحيّة خارج حدود الإمبراطوريّة الرّومانيّة، صراع الكنيسة ضدّ الهرطقات وانعقاد المجامع المسكونيّة ونشوء الكنائس الشّرقيّة، وحياة الكنيسة الدّاخليّة مع تطوّر النّظام والعبادة الكنسيَّين.

أمّا الدّور الثّالث فيتمحور حول واقع الكنيسة في عصر المشادّة بين الشّرق والغرب، وهو يتضمّن العوامل الّتي ساعدت على بروز الانشقاق بينهما كالعوامل السّياسيّة والحضاريّة والعوامل العقائديّة، بالإضافة إلى الحوادث الّتي مهّدت لحصول الانشقاق والحوادث الّتي أدّت إلى حصوله.

وأخيرًا، في الدّور الرّابع، حديث حول وضع الكنيستَين الشّرقيّة والغربيّة بعد الانشقاق، فيتعرّض لواقع الكنيسة الغربيّة لجهة صراع البابوات وملوك الغرب حول السّلطة، والحياة الدّاخليّة في الكنيسة، والإصلاح الدّينيّ في الغرب. أمّا بشأن واقع الكنيسة الشّرقيّة، فيتحدّث عن وضع الكنيسة الأرثوذكسيّة بعد سقوط القسطنطينيّة، وحياتها الدّاخليّة، ونشاطات الكاثوليك والبروتستانت في الشّرق. ويختم بلمحة عن أهمّ الأحداث في تاريخ أنطاكية الحديث.

إن شئنا أنّ نعرّف عن واضع الكتاب، فهو في مطلع العقد الثّامن من العمر، متزوّج وله ثلاثة أولاد، وحامل شهادة في الهندسة المعماريّة، كما ويحمل إجازة في اللّاهوت من معهد اللّاهوت- بوخارست (رومانيا) ودكتوراه في العقائد من جامعة أثينا (اليونان). عرف معهد القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ اللّاهوتيّ- البلمند منذ افتتاحه في العام 1970 حيث كان مسؤولًا عن الطّلّاب ومحاضرًا فيه. وهو درّس فيه، منذ العام 1979، مادّة اللّاهوت العقائديّ بالإضافة إلى مواد أخرى من بينها التّاريخ الكنسيّ العامّ. يخدم حاليًّا في أبرشيّة طرابلس والكورة وتوابعهما.  

صدر للكاتب عدد من الأبحاث، نذكر منها: مناظرة علنيّة مع شهود يهوه؛ الحوار الكاثوليكيّ الأرثوذكسيّ بين الماضي والحاضر؛ الإيمان الأرثوذكسيّ كحياة وتسليم ولاهوت؛ جماعة المتجدّدين: نظرة أرثوذكسيّة؛ الكون بين الأسطورة والعلم والكتاب المقدّس؛ نظرة أرثوذكسيّة لجماعة المتجدّدين (الإنجيليّين المعمدانيّين)؛ مناظرة علنيّة مع المتجدّدين (المعمدانيّين)؛ شهود يهوه: مَن هم. كما نَشر عددًا كبيرًا من الأبحاث والمقالات اللّاهوتيّة في مجلّات أرثوذكسيّة، وقدّم عددًا كبيرًا من المحاضرات والأحاديث في سائر أنحاء الكرسيّ الأنطاكيّ.

أن يتعهّد المؤمن التّاريخ والخليقة أمر واجب بحسب سفر التّكوين. فالله وضعه وكيلًا له في الخليقة لينمو فيها وينميها. وما كشفه يسوع في بشرى الإنجيل أعطاه هو الآخر أن يحمل أمانة ما بعدها أمانة، ألا وهي كلمته وبشارته وتدبيره الإلهيّ. وبما أنّ الكنيسة هي مكان هذا التّدبير وهذه البشرى وحاضنتهما في التّاريخ البشريّ، بات على المؤمن أن يكون متعهّدًا الحقّ في التّاريخ والخليقة على حدّ سواء. أَفلا يصحّ هنا أن نقتفي الأثر الّذي عبّر عنه بولس الرّسول إلى تلميذه: "(...) لكي تعلَم كيف يجب أن تتصرّف في بيت الله، الّذي هو كنيسة الله الحيّ، عمود الحقّ وقاعدته" (1 تيموثاوس 3: 15)؟  

أرجو أن يساعد هذا الكتاب القارئ في مسعاه إلى تعهّد الحقّ. لا شكّ أنّ هذا الكتاب مفيد وضروريّ، ليس فقط ككرّاس جامعيّ يعتمده طلّاب اللّاهوت أو الدّارسون في مدارس التّنشئة المسيحيّة الّتي يرعاها عدد من أبرشيّات الكنيسة الأنطاكيّة، بل أيضًا لكلّ مؤمن. لقد شاء رئيس دير رقاد والدة الإله– حمطورة، قدس الأرشمندريت يعقوب (حنّا)، أن يحتضن الدّيرُ طباعةَ هذا الكتاب من أجل تحقيق هذه الغاية. نرجو أن تصيب هدفها، وهدف الكاتب أيضًا منها، الّذي نكنّ له كلّ احترام، ونبدي له الشّكر والتّقدير لمسعاه هذا، إذ سهر على وضع هذا الكتاب ليكون في خدمة الكنيسة وأبنائها، تحقيقًا للغاية من وضعه، ألا وهو إيفاء الحقيقة حقّها."