لبنان
08 نيسان 2018, 14:00

المتروبوليت عوده: الفصح هو تحرّر، عبور من الظّلمة إلى النّور، من الموت إلى الحياة، من الخطيئة إلى البر

إحتفالًا بقيامة المسيح من بين الأموات، ترأّس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عوده خدمة الهجمة وقدّاس الفصح، في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين. وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى عوده عظة جاء فيها:

«الـمــســيــح قــام مــن بــيــن الأمــوات ووطــئ الــمــوت بــالــمــوت ووهــب الــحــيــاة لـلــذيــن فــي الــقــبــور.
الــيــومَ يــومُ الـــقـــيـــامـــة فــلــنـــتــلألأ أيــّـهـــا الــشــعــوب، لأنّ الــفــصــحَ هـــو فــصــحُ الــرب، وذلـــك لأنّ الــمــســيــحَ إلــهَــنــا قــد أجــازنــا مـــن الـــمـــوتِ إلـــى الـــحـــيـــاة، ومـــن الأرضِ إلـــى الـــســـمـــاء، نـــحـــن الـــمـــنــشـــديــــن نـــشـــيـــدَ الـــنـــصـــر والــــظــــفــــــر».
هـــكـــذا رتّـــلـــنـــا فـــرحـــيـــن بـــعـــد الـــهـــجـــمـــة ودخـــولـــنـــا إلـــى الـــكـــنـــيـــســـة، لأنـّــنـــا نـــحـــن الـــمـــؤمـــنـــيـــن، نـــعـــي فـــي أعـــمـــاق أعـــمـــاقــــنـــا أنّـــنـــا بـــقـــيـــامـــة الـــمــــســــيـــح قـــد عَــــبَـــرْنـــا مــــن الـــمـــوت إلــــى الــــحــــيــــاة، مـــن الــــخـــطـــيــــئـــة إلــــى الــــنـــعـــمـــة، مــــن الــــعـــبـــــوديــــــة إلــــى الــــحـــريـــة الــــمـــطــــلَـــقَـــة لأنّ حـــمـــلَ اللـــه، الــــربَّ يـــســـوع الــــمـــســيــــح، حـــمـــلَ خـــطـــايـــا الـــعـــالـــم وقـــدّمَ نـــفـــسَـــه ذبـــيـــحـــةً عــــنــــا لـــيــعـــتـــقَـــنـــا مــــن بــــراثــــن الــــمــــوتِ والــــفــــنــــاء ويــــرفــــعَـــنــــا مـــعــــه إلـــــى يــــمــــيـــن مـــجـــد اللّــــه.
نـــحـــن نـــعـــيّـــدُ الـــيـــومَ لـــفـــصـــح إلـــهـــنـــا، لـــكـــنّ هـــذا الـــفـــصـــحَ الأرضـــي لـــيـــس ســـوى تـــهـــيـــئـــة لــلــعـــبـــور الأخـــيــــر، لـــذلـــك الـــفــــصـــح الـــمـــرتَـــقَـــب فـــي الــيــوم الأخـــيـــر، حـــيـــن يـــأتــــي الـــمـــســـيـــحُ فــــي مـــجـــيـــئـــه الـــثـــانـــي الــــرهـــيــــب ويـــقـــيـــمُ الأبـــرارَ عـــن يـــمـــيـــنـــه لـــيـــشـــاركـــوا فـــي الـــولـــيـــمـــة الـــســمـــاويـــة الـــتــــي نـــحـــوهـــا يـــســـيـــر كـــلُّ مـــؤمـــن، بـــالـــرجــــاء الـــــذي يـــحـــيـــا فـــيــه.
الـــفـــصـــحُ هـــو إذًا تـــحـــرّرٌ، عـــبـــورٌ مــــن الـــظـــلـــمـــة إلــــى الـــنـــور، مــــن الـــمـــوت إلــــى الـــحـــيـــاة، مــــن الـــخـــطـــيـــئـــة إلــــى الــــبِـــرّ والــــتـــوبــــة. إنــــه ولادةٌ جــــديــــدةٌ نــــمـــوتُ فــــيــــهـــا مــــع الـــمــــســـيــح، ونــــقـــومُ مــــعــــه إلــــــى الــــنــــور الأبـــدي الـــذي لا يعـــــروه مـــســاء، شـــرط أن نـــحــــافـــظَ عـــلـــى نـــقـــاوة الـــحـــالــــة الــــتــــي صـــرنـــا إلـــيــــهـــا.
الـــفـــصـــحُ هـــو الـــيـــوم الـــذي تـــحرّرَ فـــيــــه آدمُ مـــن عـــبـــوديــــةِ الـــخـــطـــيــــئـــة وانـــعـــتــــقــــتْ حـــواءُ مــــن حـــزنــــها. إنـــــه الـــيـــومُ الــــذي ارتـــعــــدَ فــــيــــه الـــمـــوتُ الـــظـــالـــمُ وحُـــطّــــمــــتْ أبـــوابُ الـــقـــبــــور وانــــفــــتــــحـــــتْ أبـــوابُ الــــفــــردوس بــــنــــهــــوض الـــمـــســــيــــح الــــرب، وسُــــبــــي الــــــجــــحــــيــــمُ وتـــــلاشــــتْ قـــوّةُ إبـــلـــيــــس وتـــــبـــــعـــــثـــرتْ طــــغــــمــــاتُ الــــشــــيـــــاطــــيــــن. إنــــه عــــيدُ الأعــــيــــاد ومـــوســــمُ الــــمــــواســــم، فــــيـــه نـــعــــايــــنُ الـــمـــســــيـــحَ ســـاطـــعــــاً كالــــبــــرق بـــنـــور الـــقــــيـــــامــــة الــــذي لا يُــــدنــــى مـــنــــه.
بـــعـــدمــــا قـــام يــــســــوعُ فــــــي صـــبــــاح الـــيـــوم الأول مــــن الأســـبــــوع، ظـــهــــر أولاً لـــمـــريــــم الـــمــــجـــدلــــيــــة الـــتــــي أخـــرج مـــنـــهـــا ســـبــــعــــةَ شـــيــــاطـــيـــن (مـــر 16: 9). لـــقـــد أُعـــطـــي لـــمـــريــــم الـــمــــجـــدلــــيـــة، الـــمـــرأة الـــخـــاطــــئـــة الـــتــــي غــــســــلـــت رجـــلــــي يــــســــوع بـــدمــــوعــــهــــا، أن تــــكــــونَ أولَ مـــــن يــــعــــايــــنُ الــــربَّ الـــنـــــاهــــضَ مــــن الــــمـــوت، وكـــــأنــــي بـــهـــــذا الإلــــهِ الــــمـــــحــــبِّ الــــذي افــــتـــــدى جـــنــــسَ الـــبــــشــــر بـــدمــــه الـــثــــمــــيــــن، أراد أن يُـــظهـــرَ مـــكــــانــــةَ الـــمـــرأة وعـــمــــقَ مــــحــــبــــتــــهـــا وإيـــــمــــانــــهــــا. فالـــنــــســـــوةُ لــــم يـــــتـــــركــــنَ يـــســــوعَ رغــــم شـــــر الــــيــــهــــود وحــــقـــــدهـــــم وكــــنّ يـــــتـــــبــــعــــنــــه طـــيــــلــــة مـــســـيـــرة آلامــــه حـــتــــى الــــصــــلـــب والـــدفــــن، وبـــاكـــراً جـــداً جــــئــــن الـــقـــبـــر لـــيـــطــــيّـــــبــــنــــه لـــكـــنّ الـــقـــبـــرَ كــــان فـــارغـــاً واكـــتــــشــــفــــنَ أنّ الـــمــــســــيــــحَ قــــد قــــام إذ قــــال لـــهـــنّ الـــمــــلاكُ «لـــمَ تـــطــــلــــبــــنَ الـــحــــيَّ مــــع الــــمــــوتــــى. لــــيــــس هــــو هــــهــــنـــــا قــــد قــــــام» (لــــو 24: 5-6).
يـــــقــــول بـــولــــس الـــرســــول فــــي رســــالـــتــــه إلــــى أهــــل رومــــيــــه: «إذا كـــان الـــمـــوتُ بـــخـــطـــيـــئـــة إنــــســـانٍ واحـــدٍ ســـاد الـــبـــشـــر بـــســـبـــب ذلـــك الإنـــســـان الـــواحـــد، فــبــالأولــــى أن تـــســـودَ الـــحـــيـــاةُ بـــواحـــد هـــو يـــســـوعُ الـــمـــســـيـــح» (5: 17).
وإذا كــــانـــــت حــــواءُ أولَ مـــــن ذاق الــــمــــوت، فالـــمــــجــــدلـــــيــــة أولُ مــــن ذاق الـــحـــيــــاة. هــــي أولُ مــــن عــــايــــن الـــقــــيــــامـــة وأولُ مــــن بــــــشّـــــر بـــهــــا بــــعــــد أن ســــمــــعــــتْ: «إذهــــبــــي إلــــى إخــــوتــــــي وقــــولــــــي لــــهـــــم أنـــــا صــــاعــــدٌ إلـــــى أبــــي وأبــــيــــكــــم، إلـــهــــي وإلـــهـــكــــم» (يو 20: 17).
الـــمــــفــــارقــــةُ أنّ آدمَ حــــيــــن أخــــبــــرتـــــه حــــواءُ بــــمـــــا قــــالــــت لــــهــــا الــــحــــيـــةُ صــــدّقــــهــــا وســــقــــطــــا فــــي الــــخــــطــــيــــئـــة، فــــتــــســــلّـــــط الــــمــــوتُ عــــلــــى الــــبــــشــــريـــة. أمــــا الــــرســــلُ، فــــحيــــن بَــــشَّـــــرَتْــــهــــم الــــنــــســــوةُ بالــــقــــيــــامـــــة ظــــنـــوا «أنـــهــــنّ واهــــمــــاتٌ ومــــا صـــــدّقــــوهــــنّ» (لـــــو 24: 11) فـــيـــمــــا هــــنّ لــــم يـــنــــطــــقــــن إلا بالـــحـــق. وروحُ الـــحــــق لــــم يـــشــــأ أن يــــبــــقــــى الـــتـــلامــــيــــذُ فـــــي حــــيــــرةٍ أو شــــكٍ لــذلــــك ظــــهــــر يــــســــوعُ الــــقــــائــــم أولاً لــــلتــــلــــمــــيــــذيــــن عـــلـــى طــــريـــــق عـــمــــواس ثــــم  لـــلرســــل جــــمــــيــــعــــهــــم مــــا عــــدا تــــومــــا، ثــــم عــــاد فـــظــــهــــر لـــتــــومــــا لـــيـــزيــــلَ كــــلَّ شـــــك مــــن قــــلــــبــــه وكــــلَّ اضـــطــــرابٍ مـــــن فــــكــــره.
لــــقــــد شــــاء الــــربُّ يــــســــوع، بـــتــــدبــــيــــر إلـــهــــي، أن يـــكـــون الــــجــــنــــسُ الأنــــثــــوي أولُ مــــن يــــخــــبّــــر أنــــه قـــد قــــام مـــن بـــيــن الأمــــوات، فـــتــــكـــون الإنــــســــانـــــيــــةُ قــــد ســـقـــطـــت بــــســــبــــب الأنــــثــــى وبــــهـــــا أُعــــيـــــد تــــجــــديـــــدهــــا. يــــقــــول الــــذهـــــبـــــي الــــفــــم: «لـــنــــتـــــمــــثــّــلْ بـــهــــاتــــيــــن الــــمــــرأتـــــيــــن أيــــهــــا الــــرجــــال فــــلا نـــتــــخـــــلّــــى عــــن يــــســـوع فــــي وقـــت الـــتــــجــــربـــة. لـــقــــد أنــــفــــقــــتـــــا عــــلــــيــــه مــــن مــــالــــهـــــمــــا كــــثـــيـــراً وهــــو مـــيــــت وعــــرّضـــتــــا حــــيــــاتـــــهــــمــــا لـــلــــخــــطــــر. أمــــا نـــحــــن مــــعـــــشــــرَ الــــرجـــــال فــــمــــا أطــــعـــــمـــــنـــــاه وهـــــو جـــــائــــعٌ ولا كــــســــونــــــاه وهــــو عــــريــــانٌ، وعــــنـــــدمـــــا نــــراه يـــــســـــتـــــعــــطـــــي نـــــديــــر لــــه ظــــهــــرنــــا. لــــو أبــــصـــــرتـــــمــــوه حــــقــــاً لــــجــــرّدتـــــم أنــــفــــســــكــــم مـــــن كــــلّ مــــا لــــكــــم».
تـــجــــريــــدُ الـــــنـــــفــــس مــــن كــــلّ مــــا يــــعــــيـــــقُ الـــتـــــصــــاقـــــهــــا بالـــــرب هــــو الــــمــــطــــلــــوب مــــن كـــلّ مــــؤمــــنٍ بـــيــــســـوع لأنّ الـــتــــعــــلّــــقَ بالأرضــــيــــات والــــفـــــانــــيــــات يـــكـــــبّــــلُ الإنـــــســــان ويــــعــــيـــــقُ انــــعــــتــــاقــــه مــــن عــــقـــــالات الــــخــــطــــيــــئــــة والــــســــيــــر فـــــي درب الــــتــــألّــــــه.
لــــذا نــــرفــــع الــــصــــلاة فــــي هــــذا الــــيــــوم المــــبــــارك لـــكــــي يــــقــــدّس الــــربُّ الإلــــه نــــفــــوســــنــــا وأجـــســــادنــــا ويــــجـــــعــــلَــــنــــا أبــــنــــاءً لــه مــــحــــبــــوبــــيــــن، نــــصــــنــــع مــــشــــيــــئـــتـــه ونــــتّــــقــــيـــه مــــن كــــل قـــلــــوبــــنـــا.
كــــذلــــك نــــســــألــــه أن يــــحــــمــــي وطــــنــــنــــا لـــبــــنــــان ويــــبــــعــــدَ عــــنــــه وعــــن مــــنــــطــــقـــــتــــنــــا والــــعــــالــــم كــــل حـــزنٍ وشــــرّ، ويــــبــــســــطَ ســــلامــــه فـــــي الـــقــــلــــوب وعــــلــــى الأرض لــــيــــعــــمَّ نــــورُ قــــيــــامــــتــــه وتــــشــــرقَ شــــمــــسُ الــــعــــدل والــــحــــقــــيقــــة.
نــحـــن فـــي لــبــنــان عــلــى أبــواب انــتــخــابــات نــســأل الــلــه أن تـــتــمَّ فــي أوانـــهـــا بــســلام وبـــأقــصــى درجـــات الشــفـــافـــيـــة والــوضـــوح. لــــبــــنــــانُ بـــلــــدٌ ديــــمــــقــــراطــــي ومــــن الــــحــــكـــــمة والــــضـــرورة أن نــــحــــافــــظ عــــلــــى الــــحــــيــــاة الــــديــــمــــقــــراطـــيــــة فــــيــــه مــــصــــونـــةً مــــن كــــل شـــائــــبــــة. والإنـــتــــخــــابــــاتُ الــــنــــيــــابــــيــــةُ أحــــدُ وجـــوه الــــديــــمــــقــــراطـــيـــة، بــــهــــا تـــتــــجــــدّدُ الــــحــــيــــاةُ الــــســــيــــاســــيـــــة وبــــواســــطــــتـــــهــــا يــــعــــبّــــرُ الــــمــــواطـــــنُ عــــن رأيــــه ويــــحــــاســــبُ مـــمـــثّــــلــــيــــه أو يـــكــــافــــئُـــهـــم. لـــذلـــك نــســـأل أبـــنـــاءنــــا أن يـــقـــومــــوا بــــواجـــبـــهـــم الـــوطــــنــــي ويـــخــــتــــاروا مــــن يــــرون فـــيـــهـــم الـــكــــفـــاءةَ لــــتـــمــــثــــيــــلـــهـــم والــــنــــطـــقِ بـــاســـمـــهـــم وحَـــمْـــلِ صـــوتِـــهـــم والـــدفـــاعِ عــــن حــقــوقـــهـــم. نـــحـــن نـــعـــيـــشُ وضـــعـــاً صـــعـــبـــاً يـــئـــنُ فـــــيـــــه الــــنـــــاسُ ويـــجــــدون صـــعــــوبــــةً فــــي تـــأمــــيــــن كـــافــــةِ مـــتـــــطــلّــــبـــاتِ الــحــيــاةِ الــكــريــمــةِ لأبــنــائـــهـــم. يـَـشْـــكــونَ مــن الــوضــعِ الاقــــتـــصـــادي المـــتـــردّي ومـــن عـــدمِ الـــحـــصـــولِ عـــلـــى أبــــســـطِ مُـــقَــــوِّمـــاتِ الـــحـــيـــاة ومـــن الـــفـــوضــى والـــفـــســـاد وهـــدر الـــمــــال الـــعـــام وتـــقـــصـــيـــر الـــدولـــة فـــي إدارة الـــمــــلـــفـــات وغـــيـــرهـــا الـــكـــثـــيـــر مــــن الأمــــور الـــتـــي لا مـــجـــال لـــتـــعـــدادهــــا الآن. نـــحـــن نـــســـمـــعُ أنـــيـــنَ أبـــنـــائـــنـــا وشـــكـــاواهـــم ونـــعـــلــــمُ غـــضـــبَـــهـــم، والــــمــــضـــحـــك الـــمـــبـــكـــي أنـــنـــا نــــســــمــــع أيـــضـــاً شـــكـــوى الـــســـيـــاســيـــيـــن مــــن الـــوضــــع الـــقــــائــــم، وقــــد يـــئـــس الـــشعــــبُ مــــن الإتــــهــــامـــات والـــمـــقـــايـــضـــات والـــصـــراعـــات والـــحـــوارات الـــفـــارغـــة والـــتـــراشـــق الـــكـــلامـــي ولـــم نـــرَ مـــجـــلـــسَ الـــنـــواب يـــحـــرّك ســـاكـــنـــاً أو يـــفـــتـــح تـــحـــقـــيـــقـــاً أو يـــحـــاســـب أحـــداً. لـــذلـــك مـــن الـــضـــروري أن تــــكــــون للــــشـــعـــب كـــلــــمـــتُـــه فـــي مـــحـــاســـبـــة مـــن رأوا تـــقـــصـــيـــراً فــــي عـــمـــلـــهـــم أو غـــيـــابـــاً عـــن لـــعـــب دورهـــم. إنّ وظـــيـــفـــة الـــنــــائــــب فـــي غـــايـــة الأهـــمـــيـــة لأنـــه يـــتـــولـــى الـــتـــشـــريـــع والــــمـــحـــاســـبـــة، مـــحـــاســـبـــة الـــحـــكـــومـــة بـــعـــد مـــراقـــبـــة أعـــمــــالـــهـــا. لـــكـــنّ مـــشـــكـــلـــتـــنــــا فــــي لـــبـــنـــان أنّ الـــــحـــكـــومــــات صـــورةٌ مـــصـــغـــرةٌ عـــن مـــجـــلـــس الـــنـــواب، فـــكـــيـــف يــــحــــاســـبُ الـــــمــــجـــلـــسُ نـــفـــســَـه؟ والـــمــــؤســـفُ أنـــنــــا لــــم نـــعــــد نــــرى مــــعــــارضــــةً فــــعــــالـــــةً لأنّ الـــحــــكــــومــــاتِ تـــجــــمــــعُ الأضــــدادَ والــــمــــخـــتــــلــــفـــيــــن. وهـــا نـــحـــن نـــشـــهـــد تـــحـــالـــفـــاتٍ انــــتــــخـــــابـــيــــة ظـــرفــــيــــة يــــجـــتــــمــــع فـــيـــهـــا مـــتــــعــــارضـــون ومـــتــــخــــاصــــمــــون فـــقـــط مــــن أجـــل كـــســـب الأصـــوات.
مـــؤســـفٌ أيــــضـــاً أنّ الـــبـــعـــض اســـتــــســــهــــل عــــمــــلـــيـــة الـــتـــرشّــــح للإنـــتــــخــــابــــات مـــتــــجــــاهـــلاً أنّ عــــمــــلَ الــــنــــائـــــب ومــــهــــمــــتَــــه الأولـــــى والأســــاســــيــــة هــــي الـــتــــشــــريــــعُ ومــــراقــــبــــةُ عــــمــــلِ الــــحــــكــــومــــة ومــــحـــاســــبــــتـُــهــــا، لا بــــنــــاءُ شــــبــــكــــةِ عــــلاقــــاتٍ عـــبــــر تـــقــــديــــم الــــخـــــدمــــات والـــــقــــيــــام بـــــواجـــــب التـــهـــنـــئـــة والــــتـــعـــــــزيــــة. لـــقـــد انـــتــــفــــت الـــمـــعــــايــــيـــر الـــضـــروريـــة فــــي بـــعــــض الـــتـــرشـــيـــحـــات وحـــلّـــت مـــحـــلّــــهـــا الـــنــــرجــــســــيــــةُ والـــعــــبـــــثـــيــــةُ والاســـتــــهـــــتـــــارُ بالــــمـــــركــــزِ والــــمــــســـؤولــــيــــةِ وهــــمــــا يـــتـــــطـــــلّــــبــــان عــــلــــمــــاً ووعــــيــــاً وخــــبــــرة ورؤيــــة تــــكــــاد تــــكــــون غــــيـــر مـــوجــــودة.
جــــمــــيــــلٌ جــــداً أن يـــــكـــونَ مــــمـــــثّــــلُ الـــشــــعـــــب قــــريــــبــــاً مــــن شــــعــــبــــه وأن يــــشــــاركَــــهــــم أفــــراحــَــهــــم وأحـــــزانَــــهــــم، لــــكــــنّ مــــهــــمــــتَــــه لا تـــتــــوقــــف عــــنــــد هــــذه الــــواجــــبــــات. أمــــا الـــخـــدمـــــات فــــمــــن حــــق الـــمـــواطـــن، لــــكـــنـــهـــا مــــن واجــــب الــــدولــــة الـــتـــــي عــــلــــيــــهــــا تــــأمــــيــــنُ أبــــســــط مــــقــــوّمــــات الــــحــــيـــاة الـــكــــريــــمــــة لـــلـــمــــواطــــن فــــلا يــــعــــود يــــلــــجــــأ لـــلــــنــــائــــب الــــذي، عــــوض الإنـــصــــراف إلــــى عــــمــــلــــه الـــتشــــريــــعـــــي، يــــمــــضــــي الـــــوقــــت فــــي تــــقــــديــــم الــــخـــدمــــات وقـــد لا تـــكـــون قـــانـــونـــيـــة. لــــذلـــــك عـــلـــى الــــمـــواطــــنــــيــــن تــــحــــكــــيـــمُ الـــعـــقــــل والـــضــــمــــيـــر وإيــــصــــالُ نــــوابٍ يـــتــــمـــتــــعــــون بالــــعــــلــــم والــــخـــــبــــرة والــــصــــدقــــيــــة والــــنـــــزاهــــة والأخــــلاق لــــكــــي يــــســـاهــــمــــوا فــــي بــــنــــاء دولــــةٍ ديــــمـــقــــراطــــيــــةٍ حـــديــــثـــةٍ تــــقــــوم بــــكــــامــــل واجــــبــــاتــــهــــا تــــجــــاه مـــواطــــنــــيــــهــــا، ويــــعــــمــــلــــوا عــــلــــى الـــتـــوعـــيـــة عـــلـــى حــــس الـــمــــواطــــنـــــة عــــوض تــــدجــــيــــن الــــمـــــواطـــــنــــيــــن وتــــحــــويــــلــــهــــم إلــــى أتــــبــــاع.
لــــذلــــك أقـــول لأحــــبــــائــــي الـــلـــبــــنــــانـــيــــيــــن لا تـــنــــبــــهــــروا بالــــشــــعــــارات أو تــــصــــدّقــــوا الـــوعــــود بــــل انــــظــــروا إلــــى تــــاريــــخ مــــن ســـتــــقـــــتــــرعــــون لــــه وإنــــجــــازاتـــــه وبـــرنـــــامــــجــــه. إنــــتــــخــــبــــوا الـــصــــدقَ والأمــــانـــة، الـــــعــــلـــمَ والــــخــــبــــرة، الـــنـــزاهــــةَ والأخـــلاق، الــــمــــاضــــي الــــنــــاصــــع والمــــســــتــــقــــبـــلَ الـــواعـــد عــــوض أن تـــنـــتــــخــــبــــوا مــــن ســــاهــــم فــــي جَـــلْـــــدِكــــم أو تــــخــــريــــبِ بـــلــــدكــــم أو ســــرقــــةِ مــــواردكــــم أو تــــعــــطــــيــــلِ الــــحــــيـــاة الـــديــــمــــقــــراطـــيـــة فــــي وطـــنــــكــــم مــــن أجــــل غــــايــــاتــــه ومـــصــــالــــحــــه. لا تــــنـــتـــــخــــبــــوا مــــن كــــنــــتــــم تــــتــــذمــــرون مــــن تـــصـــرّفــــاتــــهـــم أو مــــن أنــــجــــزوا الــــصــــفــــقــــات عــــلــــى حــــســــاب أولادكــــم وكــــرامـــة عــــيـــشــــهــــم. الــــكــــلُّ يـــتــــبــــادلُ الـــتــــهــــم حــــول الــــمــــديـــــونـــــيـــة فــــي لــــبـــنـــان وبـــعـــضُ الـــنـــواب وبـــعـــضُ الـــوزراء يـــتــــكـــلّــــمـــون عـــلـــى فــــســــادٍ مــــســــتــــشـــرٍ لــــكــــنــــهــــم لــــم يــــذكـــروا يــــومــــاً اســــمَ فــــاســــدٍ أو مــــرتـــــشٍ. فـــكـــيــــف يــــكـــون فــــســــادٌ ولا فــــاســــدون؟ هــــل الـــشــــعــــب مــــن اقـــــتــــرف هــــذا الإثــــم؟ ومــــن يــــحــــاســــب؟ لـــذلــــك قــــد يـــكـــون مــــن الأجــــدى فــــصــــلُ الــــنــــيــــابــــة عــــن الــــوزارة لــــكــــي يـــقـــومَ الـــنـــوابُ الـــمــــنــــتَــــخَـــبــــون بــــواجـــبــــهــــم فــــي مــــحــــاســــبـــةِ الــــحــــكــــومــــة وتــــقـــــويـــم أي اعــــوجــــاج فــــي عــــمــــلــــهــــا بــــعــــيــــداً عــــن الـــمــــزايــــدات الـــــفــــارغــــة الــــتــــي تــــهــــدفُ إلــــى مــــصــــالــــحَ خــــاصــــة.
إنّ الـــســـيـــاســــةَ عـــمـــلٌ أخـــلاقــــي مـــســـؤول ونــــحـــن نـــطـــمـــح إلــــى الــــيـــوم الـــذي يـــتــــعــــالــــى فــــيــــه جــــمــــيــــع الـــعــــامـــلــــيـــن فــــي الــــســــيــــاســــة عـــنــــدنــــا عــــلـــــى كـــلّ مـــــا يــــشــــوّهُ عــــمــــلــــهــــم أو يَــــحْــــرِفـُـــه عــــن مــــســــاره الــــمــــســــتـــــقــــيــــــم. نــــحــــن نـــتــــطـــــلّــــع إلــــى الـــيــــوم الـــــذي يــــســــتــــقـــــيــــل فــــيــــه نــــائــــبٌ عــــنـــدنـــــا إذا مــــا تــــأخــــر دقــــائــــق عــــن مــــوعــــد اجـــتــــمــــاع الــــمــــجــــلــــس كـــمــــا حــــصــــل فــــي بــــريــــطــــانــــيــــا مــــؤخــــراً، أو يــــســـــتــــقــــيــــل مـــســـؤولٌ إذا مــــا شــــبّ حــــريــــقٌ فــــي مـــتــــجــــر كــــمــــا حــــصــــل مــــنــــذ أيــــام فــــي ســـيـــبــــيـــريـــا. عــــنـــــدهــــا فــــقــــط يــــطــــمـــئــــنُ الـــمـــواطــــنُ إلــــى يــــومــــه وإلــــى غــــده لأنّ دولـــتَــــه أصــــبــــحــــت دولــــةً مــــســــؤولــــةً وعــــادلــــة وحــــكّــــامَــــه يــــهــــابــــون مــــســــؤولــــيـــتــــهــــم ويــــحــــتـــرمــــون مــــواطــــنـــــيــــهــــم.
هـــنــــا لا بـــد لـــي مـــن لـــفـــت الإنـــتــــبــــاه إلـــى ضـــرورة وجـــود الـــســـيـــدات فـــي مـــجـــلــــس الـــنـــواب وفـــي مـــواقـــع الـــقـــرار لأنّ الـــمـــرأة فـــي لـــبـــنـــان اقــتـــحــــمـــت مـــجــــالاتِ الـــعـــمـــل كـــافـــةً بـــجـــديـــةٍ وعـــلـــمٍ وتـــفـــانٍ ونـــزاهـــة وقـــدّمــــت نـــمــــاذج نــــاجـــحـــة لــــذلـــك أســـأل الـــنـــاخـــبـــيـــن: ألـــم يـــحــن الـــوقـــت لـــوقـــف الـــنـــظـــرة الـــدونـــيـــة لـــلـــمـــرأة، هـــذه الــنـــظـــرة الــتـــي قــــد تــــكــــون تـــغـــطـــي خـــوف الـــرجـــل مـــن نـــجـــاح الـــمـــرأة؟ ألـــم يـــحـــن الـــوقـــت لـــتــــعـــطـــوا أصـــواتـــكــــم لـــلـــمـــرأة الـــتــــي لــــم تـــنــــجـــبـــكـــم وحـــســـب بـــل ربّـــتــــكـــم وســــهـــرتْ عـــلـــى نـــمـــوّكـــم وتـــــعــــلـــيــــمـــكـــم وكـــانــــت لـــكـــم الـــســــنـــدَ فـــي جـــمـــيـــع مـــراحـــل حـــيـــاتــــكـــم، مـــضــــحّــــيــــةً بـــأنـــاهــــا مــــن أجــــل ثَـــقْـــلِ أنـــاكــــم، إلـــى جـــانـــب مـــســـؤولـــيـــتـــهـــا فـــي عــــمـــلـــهـــا. هـــذه الـــمـــرأة تـــمـــتـــلـــك روحَ الـــســـلام والـــعـــطـــاء بالإضـــافــــة إلـــى صـــفـــات كـــثـــيـــرة لا يـــعـــرفـــهـــا إلا مــــن خَــــبِــــرَ عـــمـــلَ الــــمـــرأة. لـــذا أمـــلـــنـــا أن يـــخـــتــــار الـــلـــبـــنـــانــــيـــون عـــدداً كـــبـــيـــراً مــــن الـــســـيـــدات لـــدخـــول الـــمـــجـــلـــس الـــنـــيـــابـــي عـــلّ حـــيـــاتــــنــــا الـــســـيـــاســـيـــة تــرتــــقـــي وتـــتـــبـــلـــور.
فـــي عـــيـــد الـــقـــيــــامــــة نـــرفـــــع الـــدعــــاء مــــن أجــــل أن يـــدحـــرجَ الــــمــــلاكُ عــــن قــــلــــوبــــنــــا كــــل حــــقــــدٍ وضــــغــــيــــنــــة وقــــســــاوة، كــــمــــا دحـــــرج الــــحــــجــــرَ عــــن بــــاب الــــقــــبــــر، ويــــفـــــتــــحَ حــــواســَـــنـــــا الــــمــــغـــــلــــقــــة وقــــلــــوبَــــنــــا الــــقــــاســــيــــة لــــتــــصــــبــــحَ مــــســــكــــنــــاً لـــلــــرب الـــــقــــائــــم تــــســــتـــــنــــيــــرُ بــــنــــوره وتــــعــــمــــلُ بــــهــــدي تــــعــــالــــيــــمــــه.
لـــــنـــــصــــلِّ مــــن أجــــل أن يـــحـــفـــظ الـــربُّ لـــبـــنـــانـــنـــا ويـــقـــيـــمـــه مـــن تـــعـــثّـــره ويــــلــــهــمَ حــــكــــامَــــنــــا ويـــرافــــقَــــهــــم فـــــي كــــل عــــمــــلٍ صــــالــــح.
نـــصــــلّــــي أيــــضـــاً مــــن أجــــل الــــمــــرضــــى والحــــزانــــى والــــمــــهــــجّــــريــــن والــــمـــــســـــجــــونـــــيــــن والــــمــــخــــطــــوفــــيــــن ونــــســــألـُــــه أن يــــعـــــيـــدَ إلــــيــــنــــا أخـــويــــــنــــا الــــمـــــطــــرانــــيــــن بــــولــــس ويــــوحــــنـــــا ســــالــــمَــــيْــــن، لــــنــــصــــرخَ مــــعــــهــــمـــا بــــفـــرح وابـــتـــــهــــاج: «الــــمــــســــيــــح قــــام ـــــ حــقــــاً قـــــام، فــــلــــنــــســــجــــدْ لــــقــــيــــامـــتــــه ذات الــــثــــلاثــــة الأيــــام».